للنفس حالتان؛ حالة إقبال على المعالى، وحالة إدبار عنها، فإذا اقبلتْ فينبغي تشجيعها واخذها بجد واجتهاد، وإذا ادبرت فلابد من الاقتصار على الواجبات.
يقول الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله:”إن للقلوب إقبالا وإدبارا فإذا اقبلتْ فتنفلوا واذا ادبرت فعليكم بالفريضة”.
ولكي تميّز الحالتين يجدر بك ان تعرف نفسك وتتعرف على حالاتها المختلفة، فـ”ما جهل ولا ضاع امرؤ عرف قدر نفسه” يقول الامام الكاظم عليه السلام.
فمن اهم الأمور في البناء الشخصي هو المعرفة الحقيقية للأبعاد المختلفة للشخصية، لا ان يعيش الانسان في وهم صَنَعه لنفسه، معتقدا انه افضل الناس وأنه لا يخطئ أبدا.
وعلى هذا فلابد أن تضع قانونا لمراقبة نفسك وكما يقول أمير المؤمنين علي، عليه السلام: “اجعل من نفسك على نفسك رقيبا” فـ “إن هذه النفس لأمارة بالسوء فمن اهملها جمحت به الى المآئم” فإذا جمحت النفس وارتكبت موبقة فلابد من عقابها، فـ” من كان له من نفسه زاجر كان عليه من الله حافظ”.
فان اسلوب الثواب والعقاب او المجازات سلبا او ايجابا اسلوب سليم بالنسبة الى الناس كما هو سليم بالنسبة الى النفس
أما إذا اهملتَ نفسك ولم تردعها عن غيّها جمحت بك الى كل سوء وشر، وإذا فعلتْ نفسك ما يجب عليها أن تفعله، فأعطها جائزة؛ أي لابد أن تراعي العدالة مع نفسك، فليس مطلوبا ان تجهدها أكثر مما تطيق، لانه: {لا يكلف الله نفسا الا وسعها}، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “إن نفسك مطيتك إن أجهدتها قتلتها وان رفقت بها ابقيتها”.
كما يجدر بك أن تستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، فصاحب الشخصية المتوازنة هو من ينظر الى الامور بعدالة، فحينما يستقبح فعلا يراه في المجتمع، لا يبرئ نفسه منه، فهنالك من الناس من ينتقد افعال الناس ويغفل او يتغافل عن نفسه التي ترتكب نفس الفعل، فالقاعدة التي يجب العمل بها هي قول أمير المؤمنين، عليه السلام: “استقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك”.
أما كيف تتدرّب على العمل الصالح، وتقلع عن الاخطاء، فبأن تحاسب نفسك كما تحاسب موظفيك ، فـ” فليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب اليه”.
تصوّر نفسك كأي شخص غريب، ذكّرها بصوت عالٍ، او بالكتابة بما يجب ان تفعله.
لقد كان احد العظماء يُرسل لنفسه باستمرار بطاقات بالبريد، وكان يحمل في جيبه دائما بعضة مظروفات كتب عليها عنوانه، فإذا أراد ان يذكّر نفسه بشيء كتب ما يريد في ورقة ووضعها في المظروف، ومن ثمّ يرسل ذلك الى نفسه عبر البريد، حتى لا يبقى هنالك عذر نفسه انه قد نسي ذلك.
ذكّر نفسك بما يجب عليها ان تفعل، ولتحقيق ذلم قد تدخل في غرفة مغلقة الابواب وتنصح نفسك كما تنصح شخصا غريبا وتأمرها بأن تفعل كذا، ولا تفعل كذا.
فإذا انقادت نفسك الى ما يجب عليها فكافئها بالخير، كأن تعطيها فرصة للراحة، او اشترِ لها ما كنت تمتنع من شرائه سابقا، وليكن اي شيء مهما كان صغيرا وبسيطا.
أما إذا تكاسلت عما يجب عليها فعله فعاقبها، كأن تحرّم عليها بعض اللذات، وتؤخر عنها بعض الطلبات، كما تعمل بالنسبة الى غيرك.
فكن حازما مع نفسك إذا احجمت، وكن لطيفا معها اذا فعلت ما يجب عليها.
حدّد لنفسك متسوى معين من العمل والانتاج، وحاول ان تصل اليه، وتعهد لنفسك اذا فعلت ما يلزم للوصول الى الحد الذي عينته، اعطها فرصة للراحة، او اقتني لها ما ترغب فيه.
اعمل بالقانون العظيم الذي يقول: “لا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء فإن في ذلك تزهيدا لاهل الاحسان في الاحسان وتدريبا لاهل الإساءة على الإساءة”.
طبق ذلك على نفسك كما تطبقه على الاخرين، ولا تجعل حالتك في الاحسان والاساءة سواء.
ان أسلوب الثواب والعقاب او المجازات سلبا او إيجابا أسلوب سليم بالنسبة الى الناس كما هو سليم بالنسبة الى النفس
وهكذا فان اسلوب الثواب والعقاب او المجازات سلبا او ايجابا اسلوب سليم بالنسبة الى الناس كما هو سليم بالنسبة الى النفس، فكما لابد من مكافئة من يُحسن، ومعاقبة من يرتكب الجريمة، كذلك لابد ان نحاسب انفسنا ونجازيها ان احسنت بالخير ونؤنبها ونعاقبها ان اساءت.
لنفترض انك في لحظة ضعف انقادت نفسك وراء شهوة ما، او اتكبت ما نهى عنه الله سبحانه وتعالى، ثم استيقظَ ضميرك وتبت، فان الندم ــ وان كان توبة ــ ولكنه لا يكفي لردع النفس، هنا لابد وان تروّض نفسك، فتمنع عنها بعض ما تبتغيه عقابا على ارتكابها المعصية.
ولو انها فعلت بعض الخير واحسنت ووقفت عند حدها، فلك ان تعطي لها بعض ما ترغب فيه.
إن استخدام أسلوب الثواب والعقاب بالنسبة الى النفس أسلوب تربوي مؤثر، كما هو أسلوب تربوي مؤثر بالنسبة الى المجتمع، ولعلّ جعل الله يوم عيد الفطر يوماً يحرم فيه الصوم هو لمجازاة الصائمين بالثواب على صيامهم، إن نفسك اشتاقت في أيام شهر رمضان الكريم الى الكثير من الامور ولكنك منعتها بعض سؤلها فتجعل لها عيدا، وربما من الجيد في بقية المسائل ان تعرف نفسك ان لها الاجر وعليها الوزر فيما يرتبط بالحلال والحرام والخير والشر.
من اهم الأمور في البناء الشخصي هو المعرفة الحقيقية للأبعاد المختلفة للشخصية، لا ان يعيش الانسان في وهم صَنَعه لنفسه، معتقدا انه افضل الناس وأنه لا يخطئ أبدا.
وعندما يتولى الانسان محاسبة نفسه ومجازاتها خيرا بخير وشرا بشر، عندئذ يكون في الطريق السليم، أولاً لانه يكون رقيبا على نفسه، ثانيا لان الانسان إذا لم يتولَّ محاسبة نفسه فإنه قد يضيع في متاهتين:
الاولى: متاهة ان يتولى الناس عقابها ان اساءت وثوابها ان احسنت.
الثانية: متاهة ان تختلط عليه الامور لان الكثير من الاعمال الصالحة والطالحة لا يطّلع عليها الناس، فاذا بالنفس تكون آثمة في الخفاء، وان بدت في صورة نظيفة في الظاهر.
ان المحاسب لنفسك يجب ان تكون انت، لا الآخرين فأنت من يجب ان يعطيها سؤلها إن احسنت وان يعاقبها ان اساءتْ.
وربما يتساءل سائل: كيف اعطيها الثواب وانا أنا، وكيف أعقابها وانا أنا؟ أأنا أكون الرقيب والحاكم والمحكوم؟
الجواب: نعم؛ لنفترض انك صممت على ان تقوم بعمل إيجابي يتطلب منك جهدا كبيرا، سواء فيما يرتبط بتهذيب النفس، او بالعبادات، او بعمل الصالحات او بالمساهمة في الخيرات، ثم أنجزت ما صمّمت عليه، بعد ذلك من حقك ان تقوم برحلة، وان تروّح عن نفسك فيها، وان كان لا سمح الله العكس، فتعاقبها، فتلغي رحلة قد صمّمت عليها مسبقا لتروضها.
هذا هو الأسلوب المطلوب: ان لا يكون لدينا ثواب بلا عقاب، ولا عقاب بلا ثواب، سواء بالنسبة الى النفس، او بالنسبة الى الناس.