بصفتك أحد الوالدين يهمك ان ترى اطفالك الأفضل بين الآخرين، تريد ان تراهم يكبرون بخير وسعادة، ناجحين ومسؤولين عن اسر وبيوت في المستقبل، لكن ما يشعرك بعدم الارتياح هو تزايد حالات الانحراف بين صفوف الشباب في مرحلة المراهقة، ومن الطبيعي ان يشعر الاهل بالقلق إزاء ما يشاهدوه من حالات يوميا، وهنا يترتب على الاهل التفكير جليا بأبعاد شبح الانحراف عن الأبناء.
تُعَدُّ مرحلة المراهقة من أصعب المراحل وأكثرها حرجاً على المراهق والأهل في آنٍ معاً، وتحتاج إلى الكثير من الوعي والاحتواء من قِبل العائلة؛ وذلك لحماية المراهق من انحرافات سلوكية قد تُدمِّر حياته ومستقبله، فما هي الانحرافات السلوكية لدى المراهقين؟
وما هي علاماتها وأسبابها؟
وكيف نعالجها ونحمي أبناءنا منها؟
يقسم المختصون الانحراف عند المراهقين إلى قسمين:
القسم الأول: الانحراف القيمي
والذي يعني السلوك الذي يصدر من المراهق، ويعود عليه بالضرر أو إهدار لقيمة الوقت والجهد والمال وهو ناتج من فكرة وقناعة داخلية بأداء هذا السلوك.
القسم الثاني: الانحراف الأخلاقي
ويعني السلوك الذي يصدر من المراهق، ويخدش الحياء أو يعود بالضرر المباشر على الفرد نفسه أو غيره سواء بالاعتداء المباشر أو من خلال التحريض.
فالانحراف يسبب الكثير من المخاوف لدى الأهالي الذين يخشون إصابة أبنائهم بهذه المرض الاجتماعي الخطير، حتى باتت مسألة انحراف الشباب مشكلة تقلق العديد من الأسر خاصة من لديهم أبناء في سن المراهقة أو اقتربوا من دخول هذه المرحلة الحرجة.
وتتزايد هذه المخاوف كلما ترددت حول الآباء أنباء عن إدمان بعض الشباب للمخدرات أو ارتكابهم حوادث اعتداء أو سرقة أو حتى الانتحار أو الهرب من الأسرة، وهي من الظواهر الجديدة على مجتمعنا، فيجد الآباء والأمهات أنفسهم أمام سؤال “كيف أحمي ابني من الانحراف؟
ويتفق أولياء الأمور مع الخبراء التربويين على أهمية دور الأسرة في حماية أبناء الجيل الجديد من الانحراف، ويتساءل العديد من الآباء والأمهات عن كيفية التعرف عن قرب على أفكار أبنائهم، واكتشاف أن أطفالهم يواجهون أزمة لكي يتمكنوا من المساعدة قبل فوات الأوان.
علامات انحراف المراهق:
يقول علماء النفس: أن هناك أعراضاً تظهر على الأبناء تكون مؤشراً للأسرة بضرورة الاسراع بتقديم يد العون والمساعدة، ومن هذه الأعراض، حدوث تغيير في عادات الأبن أو الأبنة في الاقبال على الطعام، أو اضطراب في معدل ساعات النوم، والرغبة في الانطواء والانعزال عن محيط الأسرة والاقارب ممن سنّه واختيار مجموعة من الأصدقاء لا تعرف الأسرة شيئاً عن سلوكهم الشخصي والشكوى من الاحساس بالملل والتبرم دائماً.
يتفق أولياء الأمور مع الخبراء التربويين على أهمية دور الأسرة في حماية أبناء الجيل الجديد من الانحراف
أضف الى ما تقدم هناك مؤشرات أخرى مثل هبوط الدرجات في الامتحانات، وظهـور مـيــل للعنف والتعصب لأتفه الأسباب، الاهمال في المـظـهـر، إيجاد صعوبة في التركيز، الهروب من المنزل، بالإضافة إلى الاحساس بعدم الانتماء للبيت والوطن، وظهور علامات تغير على الشخصية، وأحياناً يصل الأمر الى شكوى الأبناء من الضيق من الحياة والرغبة في الخلاص منها بالانتحار.
ويشير الخبراء أنه ليس بالضرورة أن ينحرف كل مراهق حساس تصادفه مشكلة أو حدث طارئ ما، ولكن يكون أكثر عرضة للمعاناة النفسية عندما يضطر لمواجهة مواقف لم يكن معتاداً على مواجهتها.
وتقف وراء الانحراف لدى الشباب جملة من الأسباب فيما يأتي إيجاز مختصر لأهمها:
تعدُّ البيئة الأُسرية هي الأساس في تشكيل وبناء شخصية المراهق، وفقاً للدراسات الحديثة؛ فإنّ غالبية المُنحرفين ينتمون لأُسر غير مترابطة أسرياً، إذ بينت هذه الدراسات وجود ارتباط وعلاقة وثيقة بين انحراف المراهق وانحراف أحد والديه، كما أن أي خطأ في التنشئة الاجتماعية يولّد الانحراف، من حيث التدليل الزائد، او القسوة الزائدة، وكذلك عدم المساواة في المعاملة بين الأبناء.
ومن بين اهم الأسباب التي تؤدي الى انحراف الشباب في الوقت الحاضر هو أصدقاء السوء، إذ تزيد احتمالية انحراف الشباب إذا كان أصدقاؤهم كذلك، وخير مثال على ذلك يمكن مشاهدته بمجرد التجول في الطرقات العامة والنظر الى داخل الكافيهات، ترصد مدى تأثير أصدقاء السوء على اقرانهم، من خلال الانغماس في عالم مليء بالجوانب السلبية التي تنعكس عليهم وعلى سلوكهم اليومي فيما بعد.
يتعرّض المراهقون خلال الجلوس المستمر بمثل هذه الأماكن الى كمٍّ هائل من الالفاظ والممارسات غير الأخلاقية في بعض الأحيان، وبمرور الوقت تتحول هذه الالفاظ الى جزء أساس من شخصيتهم، ولا يتمكنون من اخفائها خلال ممارستهم اليومية، وفي النهاية يكون المراهق قد وقع في غيابة الجب ويصعب عليه العودة الى فطرته السليمة.
وليس فقط المقاهي من تتسبّب بانحراف المراهقين وجعلهم يخرجون على العادات والقيم والمجتمعية السائدة، فالانفتاح على العالم الخارجي عبر الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، والتعرّض لمزيد من الحالات السلبية كالإقدام على الانتحار او الاعتداء على الابوين، وكذلك القيام بقتل عدد من افراد الاسرة بدم بارد وغيرها من الأفعال البشعة.
ولا يمكن ان نغفل دور الأفلام والمسلسلات التي تعجُّ بها القنوات التلفزيونية، فأغلب هذه الاعمال ساهمت وبشكل كبير في تدمير الرواسخ الاجتماعية وتفكيك الروابط الاسرية، واعطت شريحة المراهقين قوة معنوية وذاتية للخروج على مجتمعهم والتمرد على الأهالي بدافع الحرية الشخصية واحترام الخصوصية وهكذا من الأساليب الرخيصة التي يدفع ثمنها الأبناء عند الإدراك.
كيف نعالج الانحراف السلوكي عند المراهقين؟
في هذه السطور سنقدم للأبوين نصائحَ وإرشادات حول كيفية حماية الابناء المراهقين من هذه الظاهرة التي أخذت تفتتك بالمجتمعات بصورة عامة.
من المفيد أن يعمل الاهل على انشاء جوٍّ من مشاعر الصداقة والحب المتبادل بين الأبناء والأمهات، وبهذه الاجواء لا يجد الابناء صعوبة في التحدث عما يجول بداخلهم بصراحة، وإدراك ان الابن يحتاج لا شعوريا لمساعدة الأب عندما يجتاز مرحلة المراهقة، رغم انه ظاهرياً يحاول اثبات انه أصبحت له شخصية مستقلة.
وعلى الأبوين محاولة تفهم وجهة نظر الأبن في أي مشكلة يتعرض لها، من دون اجراء مقارنة وعدم المقارنة بينه وبين الأب عندما كان في نفس عمره، فالمجتمعات في تغير مستمر، ومجتمعنا اليوم ليس مجتمع الأمس، والمقارنة لن تساعد في حل المشكلة إطلاقا وربما تؤدي الى غرض سلبي لا يخدم حال الابن داخل الاسرة.
يتهرّب اغلب الآباء من الاستماع الى الأبناء ومعرفة مشاكلهم، بينما الاستماع بهدوء لأي مشكلة وعدم الاستخفاف بشكوى الأبن يؤدي بشكل مباشر الى قرب الأبناء والالتزام بالتعليمات التي تصدر من الابوين، ومن بعد الاستماع تأتي مرحلة العمل على مساعدته من خلال القيام بحل المشاكل التي يعاني منها بشكل شخصي، بعيدا عن اظهار مشاعر الشفقة أو العنف والاشمئزاز مهما كانت المشكلة.
عدم الإغداق على الأبن أو الأبنة بالهدايا أو النقود لتعويضهم عن الحنان أو الاهتمام بسبب خروج الأبوين للعمل أو هبوط ثراء مفاجئ على الأسرة، بل على الأبوين أدراك ان فقد المعنويات لن يُعوض بالماديات وأن عليهم تخصيص وقت للأبناء يشعرون خلاله بوجودهم.
من المفيد أن يعمل الاهل على انشاء جوٍّ من مشاعر الصداقة والحب المتبادل بين الأبناء والأمهات، وبهذه الأجواء لا يجد الأبناء صعوبة في التحدث عما يجول بداخلهم بصراحة
انحراف الأبناء في مرحلة المراهقة من الأشياء الواردة في ظل المتغيرات الاجتماعية والأسباب التي تم ذكرها في السطور أعلاه، لكن يبقى إتباع أسلوب علمي في الحوار مع الأبناء، هو المعيار الوحيد او الضامنة الأكيد لمنع الابن من الذهاب الى منطقة مشبوهة او غير مرغوب فيها، فتخصيص وقت بشكل ممنهج للحديث والتواصل مع الأبناء من قبل الاهل يكون من المخارج السليمة لكثير من الإشكاليات التي تواجه الفرد المراهق.
وأخيراً؛ على الوالدين إدراك انهما القدوة للأبناء، وأن من واجبهم توفير حياة أساسها الاستقرار والصدق والأمانة، وأن يلتزم بالمبادئ الأخلاقية والدينية وفي النتيجة عدم السماح للأفكار المنحرفة من التمكن وتأخذ مأخذها في شخصية الأبناء.