في أكثر من آية في القرآن الكريم تأكيد على مسألة أن على المؤمنين أن يدعوا ربهم ان يجعل عاقبهم خيرا “واختم بالمغفرة أجلي” لانهم يعلمون ان القلوب تزيغ، وفي وصيته لهشام بن الحَكَم يؤكد الإمام الكاظم، عليه السلام، هذه الحقيقة.
والسؤال الذي يُطرح: ما العمل لنكون من الصادقين في بداية الحياة وختامها؟
ومحور الحديث في هذا المقال سيكون في الآية الكريمة: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، ورد انها نزلت في شأن الحمزة بن عبدالمطلب بعد أن آمن بالنبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، ولم يشك الى أن استشهد يوم أُحد.
{مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} فما هو العهد؟
عهد الله مع البشر اكثر من عهد؛ فالعهد الأول في عالم الذر: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} وهذا ميثاق، وعهد الانسان حينما يؤمن بالدِين وذلك حين يشهد بأن “لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” وحين يقول الإنسان هذا العهد “لا إله إلا الله” لابد عليه ان يعرف معناها، لانها اثقل كلمة في الميزان، جاء في الحديث القدسي: “كلمة لا إله إلا الله حصني ومن دخل حصني أمن عذابي” هذه الكلمة تعني ان المؤمن لا يخضع لشيء؛ لا للمال، ولا الجاه، وما اشبه.
🔺 الصادق يجب ان يكون الى مستوى أن يشهد الله له بالصدق
الإمام الحسين، عليه السلام، حينما سقط من على ظهر الفرس، بعد ابلى وقاتل حتى اُثخن بالجراح، قال حين سقط: بسم الله وبالله وفي سبيل الله” وكان هذا عهد الإمام في آخر لحظات حياته، أي ان العهد الذي بدأ به الحياة ختمها به، وهذا مصادق الآية الكريمة: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
من عهد الإنسان مع الله أيضا ما جاء في الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} اي هذه الصفقة تمت مع الله تعالى وبِيعت النفس لله الخالق.
ثم يقول ــ تعالى ــ:{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} فالصدق الذي كان يتمتع به المؤمنون كان صدقا عظيما.
وفي آيات أخرى تشير الى ان جزاء الله للإنسان جزاءان؛ الأول: جزاء الجنة، {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}.
الجزاء الثاني: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وهنا رضا متبادل بين العبد وربه، والجنة ليست أكل وشرب وحسب، فالمؤمن في الجنة يتلقى رسالة كل يوم مفادها: “من الحي الذي لا يموت الى الحي الذي لا يموت”.
وهنا ايضا لابد ان نطرح تساؤلا آخر: كيف يصل المؤمن الى الدرجة العظمية (رضوان الله)؟
الجواب: يكون ذلك من خلال روايات أهل البيت، عليهم السلام، التي بيّنت سبيلَ الوصول الى رضوان الله ــ تعالى ــ، قال الإمام الصادق، عليه السلام، لفضيل بن يسار: يا فضيل ان الصادق اول من يصدقه الله يعلم انه صادق وتصدقه نفسه تعلم (نفسه) انه صادق”. الصادق يجب ان يكون الى مستوى أن يشهد الله له بالصدق، أي لا شائبة في صدقه مع الله.
من الامورالاساسية في تثبيت صدق الانسان مع الله صدقه مع الناس، فمن الصدق مع الناس الوفاء بالعهد، والله ـ تعالى ــ في القرآن الكريم يمدح نبيا من انبيائه اسمه اسماعيل بأنه كان {صَادِقَ اْلوَعْدِ}.
🔺 من الامورالاساسية في تثبيت صدق الانسان مع الله صدقه مع الناس، فمن الصدق مع الناس الوفاء بالعهد
وعدُ الانسان مع الناس طريقة لتكريس الصدق في النفس لمواجهة وساوس الشطيان والثبات على القيمة الأخلاقية وهي الصدق، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام ) قال: “إِنَّمَا سُمِّيَ إِسْمَاعِيلُ صَادِقَ الْوَعْدِ لِأَنَّهُ وَعَدَ رَجُلًا فِي مَكَانٍ فَانْتَظَرَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ سَنَةً فَسَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَادِقَ الْوَعْدِ”، ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ الرَّجُلَ أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ: مَا زِلْتُ مُنْتَظِراً لَكَ.
وبالعودة على الآية الكريمة ــ محور المقال ــ: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} فهنا تبعيض؛ لان بعض المؤمنين مع الأسف لا يتلزمون، فبداية حياته كانت مختلفة عن نهايتها، لذلك الله ــ تعالى ــ يقول: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
وكلمة {رِجَالٌ} لا يعني ان ذلك في قبال المرأة، بل الرجل من الفتوّة، وهذا الشخص لديه ثقة بنفس ليس كأي إنسان عادي.
{صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} وهنا لا بيان كيف انهم صدقوا، وهذا يعني ان الصدق شمل كل حياتهم، وهنا كما يقال: (حذف المتعلّق يفيد العموم) فهم صدقوا في كل شيء؛ في صلاتهم، وتعاملهم مع الناس وفي مجمل حياتهم كانوا صادقين، وإذا ساد الصدق في المجتمع من شأن ذلك ان يمد جسور الثقة بين الناس وهذا يعد تقدما قيميا واخلاقيا يدفع المجتمع الى الأمام.
- (مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي دام ظله)