يُقصَد بالنظام الريعي، المنهج الاقتصادي الذي يُدار من خلاله اقتصاد الدولة، وهو نظام يقوم على أحادية المورد الذي يغذي خزينة الدولة، وميزانيتها السنوية، ولهذا توصَف الدول بأنها ريعية كما نلاحظ ذلك بالنسبة للدول النفطية التي تعتمد بصورة كليّة أو شبه كلية على تسويق النفط لتغطية ميزانيتها السنوية.
في هذا المنهج الاقتصادي تغيب الموارد الأخرى، فلا صناعة ولا زراعة ولا دور مؤثر للقطاع الخاص، بل تهيمن الدولة على الوظائف وتمنحها للناس، تعزيزا لقوتها ونفوذها ودرجة تحكمها بالمواطنين بسبب فرص العمل النادرة المحصورة بالدوائر الحكومية الرسمية، والتي تُمنَح للمواطن على أسس غير عادلة في الغالب.
فقد ذكر تقرير للصندوق النقدي صدر عنه مؤخرا، بأن الانتخابات التي تُجرى في الدول، حتى في الأنظمة الديمقراطية الجيدة، باتت تستخدم الوظائف أورق ضغط من اجل كسب أصوات الناخبين لصالحها، وقد تسللت هذه الظاهرة إلى الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الضعيفة، حيث بات فرص العمل الحكومية مرهونة بقضية الانتخابات، وهذا يثير لدينا تساؤلا مؤدّاه، ما هو مصير الشباب في ظل النظام الريعي؟
من المحال أن يجد جميع الشباب فرص عمل مناسبة وكريمة في ظل هذا النوع من الاقتصادات، فالاقتصاد الريعي لا يوفر إلا نسبة قليلة من الوظائف للشباب، فما هو الحل في هذه الحالة، وكيف يمكن التعامل مع هذه الظاهرة لكي يتم ضمان فرص العمل التي تحمي الشباب من الفاقة والعوز وتحقق لهم حياة كريمة وتحفظهم من الضغوط السياسية والانتخابية ومن الاستغلال السياسي أو سواه؟
الشباب كما هو معروف للجميع هم الشريحة الأكبر في العراق على سبيل المثال، والعراق كما هو معروف من المختصين بالاقتصاد يعاني من النظام الاقتصادي الريعي، حيث يبيع النفط لكي تتحقق للحكومة وفرة مالية تغطي ميزانية العراق السنوية، وفي حال قلّت أو هبطت أسعار النفط فهذا يعني عجز تام في الميزانية كما حدث قبل سنوات قليلة حيث عجزت (حكومة العبادي) عن دفع رواتب ملايين الموظفين.
🔺 الشباب كما هو معروف للجميع هم الشريحة الأكبر في العراق على سبيل المثال، والعراق كما هو معروف من المختصين بالاقتصاد يعاني من النظام الاقتصادي الريعي
وعندما عاودت أسعار النفط بالارتفاع بعد انجلاء جائحة كورونا تنفست الحكومة الصعداء وتمكنت من دفع رواتب الموظفين، وهذا يثير سؤالا خطيرا، ماذا لو نضب النفط من باطن الأرض، أو في حال إيجاد طاقة نظيفة بدلا من النفط الأحفوري؟ كيف تستطيع الحكومة العراقية من تأمين روات ملايين الموظفين العراقيين وهم معظمهم من شريحة الشباب؟
هذا السؤال يجب على كل سياسي واقتصادي مسؤول في العراق أن يطرحه ليلا ونهارا على نفسه، ولا يهدأ له بال إلا عندما يجد الجواب الصحيح، ويبادر مع المسؤولين الآخرين بتطبيق الحلول التي تؤمن للشباب العراقيين ولجميع الموظفين رواتب غير قابلة للتهديد بسبب انخفاض اسعار النفط أو نضوبه.
على الشباب أيضا تقع مسؤولية كبيرة للتخطيط والتنفيذ والمساهمة في التصدي الجاد لمعالجة هذه الظاهرة (نظام الاقتصاد الريعي)، صحيح لا يمتلك الشباب القدرة على إصدار القرارات، ومعالجة الأخطاء الاقتصادية الكارثية، ولكن يمكن للشباب أن يشكلوا مجاميع ضاغطة قوية على المسؤولين السياسيين وتنبيههم على خطورة الاقتصاد الريعي وتضغط عليهم بقوة لإيجاد البدائل والحلول ومنها:
- الاهتمام الفوري والجاد بالقطاع الخاص في العراق، ومنحه الفرص الجيدة للمساهمة في بناء اقتصادي قائم على التنوع في المصادر وفي الانتاج أيضا.
- بناء قاعدة صناعية جيدة تسهم بشكل أو بآخر بمضاعفة وتنويع موارد الميزانية السنوية في العراق.
- ولا ننسى أن القاعدة الزراعية في العراق يمكنها النهوض إذا توفر الاهتمام والرعاية والدعم اللازم لتحديث الزراعة وتنظيم الموارد المائية واستثمارها بالشكل الصحيح.
- العمل فورا على استحداث مراكز مهنية مهمتها تطوير مهارات الشباب وتنوعيها في مجالات عديدة وعدم حصرها في نوع انتاجي محدد.
- فتح فرص عمل مناسبة لجميع الاختصاصات التي يحملها الخريجون بعد تخرجهم من الجامعات وتوزيعهم حسب خبراتهم العلمية والعملية.
- منح الفرص الصحيحة لحملَة الشهادات العليا، وعدم التفريط بهذه الطاقات والخبرات لتجنيب العراق مشاكل الاقتصاد الريعي المدمِّر.
وهكذا نلاحظ إمكانية المعالجة والتخلص من المنهج الريعي الذي يعصف بالاقتصاد العراقي، وضمان حياة حرة كريمة لشريحة الشباب، وللعراقيين جميعا، ولكن يحتاج هذا الهدف إلى تخطيط دقيق مع توحيد الرؤية الاقتصادية العملية، والبدء بتطبيق الخطوات الجادة التي تنقل الاقتصاد العراقي من الريعية إلى التنوع وتعدد مصادر الإيرادات، وهو هدف قابل للتطبيق بشرط توفّر الإرادة السياسية والشبابية لتحقيق ذلك.