تجتمع النساء في اغلب المناسبات الدينية والاجتماعية ويتبادلنّ الأحاديث الجانبية عن شتى الموضوعات العامة والخاصة، وقد يركز الحديث كثيرا حول ما يتعلق بالحياة الاسرية واستعراض الاسرار التي يمكن التطرق اليها وتُعد من الأخطاء الكبيرة، ويبقى الأهم من ذلك ان هذه الأحاديث تخرج الى الفضاء الخارجي ولا تبقى حبيسة المكان الذي ذكرت فيه.
من الممارسات السلبية التي تصاحب التجمعات النسائية هي قضية نقل الكلام الخاص عن الاسر والذي يشكل خروجه مثلبة على الناقل بالتحديد، فمن المؤكد صاحب القضية لا يقبل ان يتم استعراض قضيته امام الآخرين، وتداولها في المجالس، كشيء من الخصوصية الواجب احترامها وعدم الاعتداء عليها، بتكرار الأحاديث عن الخصوصيات العائلية.
الزوجة عادة على تماس مباشر مع النساء في المجالس النسائية، وهي الوحيدة التي تصبح نافذة يطل من خلالها العالم الخارجي على الأجواء الاسرية والخصوصيات العائلية، وهنا يتحتم على الزوجة ان تراعي خصوصية بيتها وان تعمل على حفظ سر العائلة وما يحصل فيها من مناوشات ومشكلات غير قابلة للعرض او التطرق اليها.
🔺 أسرار البيت أمانة يجب على الزوجة المحافظة عليها، وتفريطها بها يذهب ثقة زوجها بها، فاحذري عزيزتي الزوجة أن تكون أسرار بيتك موضوعاً لثرثرتك أو فضفضتك
لقد جاءت التعاليم القرآنية والتوجيهات النبوية والمبادئ التربوية والاجتماعية السليمة بما يكفل المحافظة على كيان الأسرة المسلمة، ويزيد متانة روابطها وتماسك علاقة أفرادها، ولكي تبقى العلاقة الزوجية سامية وسالمة من الأمراض المعنوية والمشكلات الأخلاقية والأحداث المؤلمة المبكية، على النساء المحافظة على الاسرار المنزلية والستر والامتناع عن كل قول وفعل يجلب لها ضرراً أو يمنع عنها نفعاً.
ومن الأمور التي تجلب الضرر للبيوت هو افشاء ما بداخلها من اسرار من قبل الزوجة، فليس كل النساء التي يتم الحديث امامها تحمل نفس النية الصادقة وتتعاطف مع المتحدثة وتعمل معها على حلحلة هذه المشاكل او النظر فيها وكيفية التعامل معها في الأيام القادمة، لتجنب الوقوع بنفس الأخطاء التي تشتكي بسببها للآخرين.
هنالك نوع من النساء تتعاطف مع نظيرتها في الوهلة الأولى، وتبدأ بالتفكير السلبي الذي ربما يؤثر على العلاقة الزوجية داخل المنزل ويعرضها الى المخاطر التي لها اول وليس لها آخر، ولذلك يدعونا المختصون الى الالتزام بالصمت وتجنب طرح المشاكل الاسرية امام الآخرين الذين لا يعلمون الظروف التي حدثت فيها وما هي عواقبها.
عدم الشعور بمسؤولية الحديث في الجوانب السلبية سواء عن الزوج او البيت بصورة عامة ينهى عنها العقلاء ويؤكدون على أهمية بقاءها تحت يافطة الخصوصية المنزلية، وإذا كثر الكلام في أي قضية كانت قبل البوح بها من قبل الزوجة، فقد يكون لها نتائج لا تحمد عقباها، كأن تعرّض الزوجة في حال معرفة الزوج بالأمر الى الطلاق او المشاكل المستمرة مع أهلها.
ولا يشترط ان تكون الأحاديث المتبادلة مركزة على الجوانب السلبية، فغالبا ما تتناول النساء في حديثها الأسرار الزوجية الإيجابية، فعندما تُفشى وتُذاع للآخرين، فإنها قد تولد في نفوس بعضهم ما لا تحمد نتائجه من حسد أو حقد أو كُره ومكر، وهذه العواقب تحدث –حقيقة- في نفوس بعض البشر.
فقد حذر يعقوب، عليه السلام، ابنه يوسف، عليه السلام، من إخبار إخوته بالرؤية التي رآها، قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، فالحدث إيجابي، ولكن يعقوب، عليه السلام، أوصى ابنه يوسف بعدم إفشائه حتى لإخوته؛ لكيلا يحدث شيء من تلك العواقب السيئة.
وهنا نود ان نذكركِ عزيزتي القارئة، بأن كثير من النساء اللواتي يرتكبن خطأً كبيراً، وهو إخبار الآخرين بكل ما يخصّها، متناسية تماماً أنه ليس من اللائق أبداً إخبار الآخرين عمّا يحدث في بيت الزوجية، فأسرار البيت أمانة يجب على الزوجة المحافظة عليها، وتفريطها بها يذهب ثقة زوجها بها، فاحذري عزيزتي الزوجة أن تكون أسرار بيتك موضوعاً لثرثرتك أو فضفضتك، كما قد يُخيَّل إليك، ولا تظني أن صديقتك ستحفظ سرّك الذي ضاق به صدرك، صدَق الشاعر حين قال:
إذا ضاق صدر المرء عن سرِّ نفسه
فصدر الذي يستودع السرُّ أضيقُ
زيادة على ذلك فإن الزوج إن علم أن زوجته تُخبر الآخرين عن أسراره، قد لا يغفر لها هذا الخطأ؛ لأنها لم تكن أمينة عليه وعلى ما يخصّه، لكن المرأة قد تخبر الآخرين بهذه الأمور دون أن تعلم أنه من الخطأ اطلاعهم عليها، ويجب عليها ان تعلم أنه ليست هناك أيُّ علاقة زوجية تخلو من المشاكل، وقد تحل هذه المشاكل ببساطة، وبودِّ الطرفين لبعضهما البعض وبالتفاهم الذي يجمعهما، لكن قد يحدث العكس إن تدَخّل طرف غريب في الموضوع، بل هذا قد يجعل الأمور تزداد سوءاً.
فالمرأة التي تفضح أسرار زوجها، سواء تعلق الأمر بتجارته أو بعمله يُعد خيانة للأمانة، قد يسبب لها هذا الفعل ولزوجها مشاكل لا تنتهي، وإن ترويج الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها ونشر أسرار بيتها، غالباً ما يصنع القلق أكثر مما يجلب الراحة، صحيح أن الراحة قد تكون آنية وعاجلة لكن القلق حتماً سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار وتجني الزوجة الندم والخُسران، فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية.
🔺 لا يشترط ان تكون الأحاديث المتبادلة مركزة على الجوانب السلبية، فغالبا ما تتناول النساء في حديثها؛ الأسرار الزوجية الإيجابية، فعندما تُفشى وتُذاع للآخرين، فإنها قد تولد في نفوس بعضهم ما لا تحمد نتائجه من حسد أو حقد أو كُره
الخروج بالاحاديث الى خارج المحيط الاسري وقت وقوع المشاكل من الأخطاء الفادحة، اذ يجب ألا تبادر الزوجة إلى ذلك بمجرد حدوث المشكلة، وألا تفعل ذلك مع كل صغيرة وكبيرة، فما أكثر المشكلات التي لا تحتاج إلى تدخل من أحد بل إن مجرد حنكة الزوجة وصبرها تذيب تلك المشكلة، وهناك الأسرار المتعلقة بخصوصيات البيت، وهذه أيضاً لا يجوز نشرها حتى تصبح الأسرة كتاباً مكشوفاً أمام الآخرين، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}.
وقال بعض المفسرين عن هذه الخيانة: إن امرأة نوح كانت تكشف سره، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، أما امرأة لوط فكانت إذا استضاف لوط أحداً أخبرت أهل المدينة ممن يعملون السوء، وهذا الفعل عبَّرت عنه الآية الكريمة بالخيانة، وما أعظمها من صفة تسقط الزوجة من عين زوجها.
إن من أبرز أسباب إفشاء الأسرار الزوجية عدم قدرة أحدهما على الصبر لما يعانيه من مشكلات وأزمات في أسرته، مما يدفعه إلى إفشائها إما بحثاً عن علاج وإما تخفيفاً من ألم الكتمان، ومنها كذلك قلة العقل والدين، فالعقل السليم يمنع الإنسان من التحدث بأي حديث له ابعاد سلبية على الحياة الزوجية.
ومن الأسباب أيضا كثرة الاختلاط، فعندما تجلس الزوجة مع الآخرين لمدة طويلة فإنه لابد أن تتحدث فيكثر الكلام حتى يصل إلى تلك الأسرار، وأيضاً بسبب عدم جلوس أفراد الأسرة (الزوجين والأبناء) مع بعضهم كثيراً، حتى يتكلم كل فرد للآخر، مما يجعل بعض أفرادها يضطر إلى الحديث عمّا في نفسه إلى الآخرين، ومن بين الأسباب الكبر والغرور اللذان يدفعان الإنسان إلى التباهي بما يملك وما لا يملك والحديث به أمام الآخرين.
إن ديننا الإسلامي قدّس الحياة الزوجية كونها رباطاً وميثاقاً يقوم عليه صلاح الأسرة وصلاح المجتمع، وقد شرّع الإسلام من التشريعات ما يضمن سلامة الحياة الأسرية، وقد أثنى الله على النساء الصالحات بقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}.
وأخيرا، عزيزتي الزوجة؛ عليك حفظ أسرار العائلة وعدم نقلها خارج عش الزوجية؛ لأن حفظ أسرار البيت من أهم عوامل نجاح الحياة الزوجية واستمرارها.