عصر التكنولوجيا الذي نعيشه، نراه عصرا ذهبيا بكافة مفاصله؛ لما وفره من سهولة في التعامل وإنجاز الاعمال وسرعتها، وهو امر حبذته كثيرا، فمختلف الاجهزة الذكية خففت عن عاتقنا الكثير من المهام الحياتية اليومية، على صعيد المنزل والعمل، فأشعر بمتعة حقيقية وانا اكتب هذا المقال وغيره بلوحة مفاتيح اللابتوب التي اختصرت لي الكثير من الوقت.
كذلك حين أود الذهاب الى السوق، احرص على تدوين المشتريات بمفكرة هاتفي النقال، فهي تسعفني للتذكر بما اريده، وبالفعل حين احتاجها اشعر بالسعادة اني جهزتها كنوع من الذكاء البسيط لانقاذي من نسيان بعض الاحتياجات.
وفي احدى المرات دونت احتياجاتي بورقة صغيرة وضعتها في حقيبتي، لاني شعرت انها اسهل من استخدام التليفون واسرع، لكن حين قرأت الورقة، لم اشاهد كلمات مفهومة، بل حروف ضاعت ملامحها، لا اعرف هل هذا حرف الفاء ام القاف، حرف العين ام الميم؟ حقيقة شعرت بالصدمة وانا أحاول جاهدة ان اقرأ خط يدي وكأني اقرأ بلوح مسماري!
ما الذي حدث؟ هل لم اعد اعرف القراءة؟ ام كتبت حروف طلسم تعذر عليّ فك رموزه؟ لن اطيل عليكم القصة، كل ما في الامر اكتشفت اني لم استخدم القلم في الكتابة منذ مدة طويلة، بسبب استخدامي للحاسوب بشكل يومي لطبيعية عملي المكتبي، الى جانب التلفون النقال، فاصبح الخط ركيكا وفقدت الحروف المسكينة هويّتها، فعرفت حينها سر ابنتي حين كنت اطالع ورقة امتحانها، ولاصدقكم القول اخبرتها اني لو كنت من صحح لها ورقتها لاعطيتها صفرا لرداءة خطها، فعرفت ان سبب ذلك، هو ايضا قلة استخدامها القلم.
🔺 كمرحلة أولية يجب تقوية عضلات يده من خلال بعض الالعاب المخصصة لذلك، ولعل افضلها هو الطين الاصطناعي، فعملية عجنه واستخدام الأصابع لتشكيل بعض المجسمات البسيطة
وهنا تذكرت الفرحة التي غمرتني بداية ذهابها الى المدرسة لأول مرة، وكيف جهزتها باجمل المستلزمات الدراسية، وكيف بدأ اليوم الأول بنشاط وحيوية وحماس، وبدأت معه الواجبات البيتية.
وعند عودتها الى المنزل، والمباشرة بمراجعة الواجب كالحفظ والكتابة، انفجر الموقف ببكائها انها لا تريد ان تكتب، فأضطر جهلا وتقصيرا مني، ان اكتب لها الواجب حتى لا تنال العقاب من معلمتها، لاكتشف بعد ان كبرت اني كنت سببا بهذه المعاناة، فانا لم اساعدها، انما عالجت المشكلة بخطأ اكبر وللأسف.
لا أقول كل التلاميذ انما الاغلب الاعم يكرهون كتابة الدرس والسبب هو تعبهم الشديد من مسكة القلم والجلسة غير الصحيح، ويعود ذلك الى اهمال هذا الجانب من قبل الاهل قبل الدخول للمدرسة.
البعض يقول وانا كنت منهم، اني وفرت وسيلة الكتابة لابنتي من قلم ودفتر وممحاة، إلا انها لا تحب ان تكتب، وكأن بناء بيت وتوفير المصابيح لانارته دون كهرباء، كافٍ للعيش فيه، هذا بالضبط ما يحدث لاولادنا الصغار، اننا نفتقر لكيفية ترغيبهم وتدريبهم على الكتابة قبل بلوغهم سن المدرسة.
- تدريب الطفل على الكتابة
كمرحلة أولية يجب تقوية عضلات يده من خلال بعض الالعاب المخصصة لذلك، ولعل افضلها هو الطين الاصطناعي، فعملية عجنه واستخدام الأصابع لتشكيل بعض المجسمات البسيطة ويحبذ اشكال الأرقام والحروف يسهم بشكل كبير في تدريبه.
أيضا تعليمه الجلسة الصحيحة باستخدام الكرسي والطاولة، ثم مسكة القلم باستخدام الابهام والسبابة والوسطى، وتثبيت رسغ يده جيدا على الدفتر، والبدء بتحريك الأصابع بحركات صغيرة وخفيفة وعمل خطوط قصيرة مستقيمة ومنحنية، وتوجيهه ان يكون ذلك بلا ضغط على الورقة.
وليس بالضرورة ان يكتب الطفل على الورقة، فبالإمكان ادخال وسيلة ترفيهية تشويقية، تتمثل بوضع رمل معقم خاص للعب، على سطح مستوي مع وجود ارتفاع بسيط بالجوانب لتفادي سقوط حبات الرمل، واعطاه أي قلم، ليباشر بعدها بكتابة حروف او رسم اشكال مختلفة، الى ان يتلاشى توتره وخوفه من الفشل تدريجيا.
هكذا نشاطات تعمل على تطوير المهارات الحركية الدقيقة للطفل، وخصوصا حركة الأصابع والذراعين، إضافة إلى تنمية عنصري الانتباه والتركيز والابتكار.
وبعد هذه المرحلة الأولية هنا يمكن ادخال وسائل الكتابة الحديثة او الأنشطة الترفيهية الأكثر تطورا، مثل كراسات تعليم الحروف وتلوينها او لعبة وصل الأرقام بخطوط مستقيمة او منحنية، والتي ترسم بتسلسلها شكلا معينا، ما تزيد فضول الطفل لمعرفته فتحمسه لاكمالها.
أهم خطوة للنجاح عند تعليم الكتابة هي الصبر، فلا يجب اشعار الطفل بأنه بطيء وعليه الإسراع اكثر، لأن ذلك يولد لديه الشعور بالإحباط، فيسبب نتيجة عكسية تدفع الطفل الى النفور من الكتابة، لذا يفضل التركيز على إيجابيات تطوير مهاراته اولا، وتشجيعه المستمر حتى ولو على أقل الإنجازات، إذ يؤدي ذلك إلى نتائج رائعة تزيد من كفاءة أداءه.
- الكتابة بالقلم تزيد نشاط الدماغ
كشفت دراسة بحثية أجراها علماء بالجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، أن الطفل يتعلم أكثر ويتذكر بشكل أفضل عند الكتابة باليد، حيث يكون دماغه أكثر نشاطا عند الكتابة اليدوية من الكتابة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر.
🔺 الطفل يتعلم أكثر ويتذكر بشكل أفضل عند الكتابة باليد، حيث يكون دماغه أكثر نشاطًا عند الكتابة اليدوية من الكتابة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر
وأكدت الدراسة ان ذلك لا يقتصر على الأطفال فقط، بل الكبار أيضا يحصدون نفس النتائج، حيث تمنح الكتابة اليدوية الدماغ المزيد من القدرة على حفظ الذكريات، اذ تخلق نشاطا أكثر بكثير في الأجزاء الحسية من الدماغ يتم تنشيط الكثير من الحواس عن طريق الضغط بالقلم على الورق ورؤية الحروف التي تكتب، هذه الخبرات الحسية تخلق اتصالًا بين أجزاء مختلفة من الدماغ وتفتح الدماغ للتعلم.
تأثير مهارة الكتابة في تعلم اللغة
مهاراة الكتابة تعد أساسية في تعلم اللغة وتطويرها، فهي وسيلة للتعبير عن الأفكار والمعلومات التي تم اكتسابها من المحيط، كذلك تساعد على الضبط اللغوي الصحيح للكلمات والجمل، الى جانب اكتشافها للمواهب الفنية الدفينة عند الأطفال بشكل مبكر، مثل موهبة الخط والزخرفة، كذلك حين توظف بشكل صحيح في التربية من قبل الاهل، ستعطي نتائج إيجابية في تطوير الشخصية من خلال تعويد الطفل على كتابة المذكرات.
وهذا ما فعله احد الإباء حين يتشاجر أولاده الثلاثة ويهرعون اليه لحل مشاكلهم، فما كان منه الا ان طلب من كل واحد منهم ان يكتب ماذا حدث معه في ورقة ويسلمها له، استطاع الاب بفكرته الجميلة تحقيق عدة اهداف؛ سمح لهم ان يعبروا عما في قلبهم دون إنفعال، فأمتص غضبهم، جعلهم ينظمون أفكارهم بشكل صحيح، وحصل على ثلاث روايات مختلفة، لان كل طفل كتب قصته من وجهة نظره الخاصة، فكانت النتيجة مذهلة، اذ اصبحوا ماهرين بالكتابة واكثر فصاحة وهدوء.
اذن؛ الكتابة هي من اللبنات الأساسية التي تُكتَسب في السنوات الأولى من عمر الطفل، ويمكن أن يؤثر نجاحها أو فشلها لسنوات طويلة في حياة الفرد، لذا ينبغي عدم تجاهل تطوير الكتابة بخط اليد، كونها تمثل مهارة حياتية مهمة وضرورية، والتي اذا اهملت سيصعب تغيرها.