شهر رمضان يختلف عن غيره من الشهور في كل شيء، كأنه يحمل هويته الخاصة التي تميزه بشكل دقيق عن غيره، فهو شهر له نظامه الخاص، وطريقة العيش فيه مختلفة عن الأوقات والأيام الأخرى، حيث تدخل الكثير من المستجدات والنشاطات وتُضاف إلى ساعات اليوم الأربع والعشرين، بحيث يبدو النهار طويلا، وتبدو ساعات الليل كأنها لا نهاية لها.
ونظرا لكثرة النشاطات في شهر رمضان، خصوصا تلك الحيوية التي تبدأ بعد صلاتي المغرب والعشاء، حيث يستعد الصائمون للقيام بزيارات متبادلة فيما بينهم، وهناك الكثير منهم وخصوصا الشباب يبحثون عن المجالس الثقافية والفكرية، والترفيهية أيضا، ولكن هناك تركيز على الخُطَب والمجالس التي تقدم الوعي والتثقيف الجيد للناس.
🔺 أهمية اليوم الرمضاني تبدأ في الحقيقة مع بداية ساعات الليل، حيث يبدأ البحث عن الفوائد الجمة لهذا الشهر
هذه الوفرة في النشاطات تتطلب تخطيطا دقيقا يقوم به الإنسان الصائم، ولا يترك الأمور تسير كما تشاء هي، أو يتركها على الغارب كما يُقال، بل لابد من تهيئة برنامج يومي للساعات الأربع والعشرين في اليوم الرمضاني المختلف عن الأيام الأخرى، فساعات النهار قد لا تحتاج إلى كثير من التخطيط، حيث يخرج الصائمون إلى أعمالهم كالعادة، حيث العمل والدراسة والتسوق وغير ذلك من الأمور اليومية المعروفة.
ولكن أهمية اليوم الرمضاني تبدأ في الحقيقة مع بداية ساعات الليل، حيث يبدأ البحث عن الفوائد الجمة لهذا الشهر، والحقيقة التخطيط لليوم الرمضاني سوف يختلف من شخص إلى آخر وبحسب رغباته الروحية والشعورية والإيمانية، فهناك مثلا صائم شاب أو من فئة عمرية أخرى يرغب بزيارة المراقد المقدسة، ويقضي فيها ساعات يقرأ الأدعية ويتلو القرآن الكريم، ويحضر أحد المجالس الدينية كما كان يقوم المرحوم الشيخ هادي الكربلائي – رحمه الله ــ بعقد مجلسه اليومي في الصحن الحسيني الشريف بشكل يومي بعد الإفطار.
كان الناس يتوجهون إلى مجلس الشيخ هادي ــ كما يتحدث لنا والدي-، يقول إن مجلسه كان يجتذب جمهورا غفيرا، وهناك الكثير من الشباب يحضرون هذا المجلس، وأعداد كبيرة من الشيوخ والكهول أيضا، كذلك توجد أعداد كثيرة للنساء، هذا الحشد الكبير من الحاضرين الحريصين على حضور هذا المجس يومياً، وكانت الفوائد الأخلاقية والدينية والأحكام الشرعية كثيرة جدا للناس.
يقول أحد أقاربي وهو اليوم رجل كبير بالسن: كنا نخرج بشكل يومي من البيت إلى مركز المدينة المقدسة، (الولاية)، ونعرف التوقيت اليومي لمجلس الشيخ هادي الكربلائي – رحمهُ الله ــ فنحضره بشكل مبكر حتى نحجز لنا مكاناً في الحرم الحسيني الشريف، ثم نقوم بعد ذلك بمراسيم الزيارة اليومي إلى ضريحيّ الإمام الحسين وأخيه العباس، عليهما السلام، ثم نذهب إلى مقام الإمام المهدي -عجل الله فرجه الشريف-، نؤدي الزيارة والصلوات ونستمتع بماء النهر القريب وبالأضواء الجميلة وبنفحات القداح والعطور النباتية المبهجة.
هذه الأعمال التي كنا نقوم بها ليست عشوائية، كنا في الحقيقة نخطط لها ونضع لها تواريخ محددة باليوم والساعة، ومنها تلكم الزيارات الجماعية التي كنا نقوم بها في رحلات جماعية إلى النجف الأشرف لزيارة الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، ومسجد الكوفة، ومسجد السهلة في أيام ليلة استشهاد الامام علي، عليه السلام، وكذلك زيارة المراقد المقدسة في الكاظمية وسامراء، هذه كلها لا تحدث بشكل عشوائي وإنما تأتي ضمن عملية التخطيط المسبق لنشاطات شهر رمضان الكريم.
🔺 حين يعتاد الإنسان الصائم على تنظيم حياته اليومية في شهر رمضان، ويحرص بدقة على وضع التوقيتات المناسبة لها، يمكن أن تصبح سلوك دائم ينظم حياته بشكل مستمر
لذا أرى أنه من الأهمية بمكان أن لا يترك الشباب قضية التخطيط جانبا، لاسيما أنه مهم وحيوي ومطلوب في عموم حياتهم، ولكن في هذا الشهر المبارك بالذات، لابد من تنظيم حركة الإنسان الصائم، و وضع التوقيتات المناسبة مع تنوع هذه النشاطات والفعاليات بسبب كثرتها، وهناك الكثير منها يكون ذا نفع كبير، وإذا تحولت ثقافة التخطيط إلى سلوكي يومي، يمكن للإنسان الاستفادة منها في جميع الشهور.
وأخيرا؛ حين يعتاد الإنسان الصائم على تنظيم حياته اليومية في شهر رمضان، ويحرص بدقة على وضع التوقيتات المناسبة لها، مع معرفة دقيقة لنوعية هذه النشاطات وفوائدها، فإن هذه الثقافة التي يتعلمها الفرد و يعتاد عليها في شهر رمضان، يمكن أن تصبح سلوك دائم ينظم حياته بشكل مستمر، أي أنه يصبح إنسانا منظّما ودقيقا، وسوف يلمس الإنسان فوائد جمة من هذه العملية التخطيطية المتواصلة، فلا فقدان للوقت، ولا تضييع للجهود، مع الحصول على نتائج جيدة وكبيرة من ثقافة التخطيط.