تتحمّل ربات البيوت أعباءً إضافيةً خلال شهر رمضان المبارك، إذ يضاف الى واجبتها الأساسية ومهامها المتعددة، كل ما يرتبط بتحضير الوجبات اليومية، وعلى مدى ثلاثين يوما يستمر الجهد وقد يأخذ بالتزايد في الأيام الأخيرة نظرا لمصادفة بعض المناسبات الدينية المتعلقة بأهل البيت عليهم السلام.
قد يحصل تقصير او تشعر الام بحالة من التعب خلال شهور السنة المتبقية، لكن في شهر رمضان تقع اغلب الأمهات تحت ضغط المتطلبات العائلية المتزايدة، بالإضافة الى ضغط الوقت المحدد لتحضير الإفطار والسحور وغيرها، فمن الطبيعي إذا تأخر الطعام لساعة او اقل او أكثر في الأيام الاعتيادية، لكنه يشكّل ردود فعل متباينة إذا حصل في شهر رمضان.
🔺 بعض الأزواج يرون أن مساعدتهم لزوجاتهن في أعمال المنزل ينتقص من رجولتهم، وأنه من صميم عمل المرأة نظرا لطبيعتها، وأن المنزل بالنسبة له مكان للراحة
وسط هذه الضغوط المتواصلة على ربّة البيت، تكون المساهمة من قبل افراد الاسرة من الواجبات الضرورية وعلى الأقل في شهر رمضان لإضفاء نكهة خاصة الى جانب النكهات الرمضانية، فلا ضير بأن يُقسّم العمل على جميع افراد الاسرة للتخفيف من الاحمال الكبيرة الملقاة على عاتق الام، نأخذ على سبيل المثال ان يقوم الابن الأكبر بالذهاب الى التسوق وتوفير احتياجات المنزل، ويكمل الدور الابن الأصغر بترتيب غرف النوم.
وتتحمل الأخت الصغيرة مسألة تنظيف مرفقات المنزل، بما فيها المجموعات الصحية وتأدية المهام التي يصعب على الاخوان تأديتها، كأن يكون الوقوف الى جانب الام في المطبخ لإعداد الطعام والمشاركة في عملية الطبخ، وقد ينعكس ذلك على شخصية البنت في المستقبل، فكما هي اليوم تقف لمساعدة ولادتها، تحتاج الى من يقف معها عندما تصبح مسؤولة عن اسرة ومنزل بأكمله.
وفي هذا الصدد تقول خبيرة الشؤون الاسرية ليلى رعد: “تشعر العديد من ربات المنزل بأن واجباتهن لا تنتهي، فمن إعداد الطعام، إلى تنظيف وترتيب البيت، إلى مهمات أخرى، حتى يعجزن عن استغلال فترة الليل في العبادة أو قراءة القرآن، ويفوتن كثيرا من فضائل هذا الشهر”.
ليس فقط تفويت الكثير من فضائل هذا الشهر، بل يكون العمل المتواصل في المنزل عامل من عوامل توليد الملل او الشعور بعدم الرضا من قبل الام تجاه ابناءها وزوجها، وهنا لا نعني بمشاركة الزوج ان نرهقه الى الحد غير المعقول، فقد يكون الاب اجتهد كثيرا وبذل جهود استثنائية لتوفير لقمة العيش، وربما هو في الأساس يعيش تحت دوامة الضغط المتواصل من اجل تأمين متطلبات الأبناء في الأيام القادمة.
لكن يوضح خبراء أن بعض الأزواج يرون أن مساعدتهم لزوجاتهن في أعمال المنزل ينتقص من رجولتهم، وأنه من صميم عمل المرأة نظرا لطبيعتها، وأن المنزل بالنسبة له مكان للراحة، وأشاروا إلى أن التعاون بين الزوجين يعمّق التعاون والألفة بينهما، ويقوّي مشاعر الحب، ويسهم في تفهّم كل طرف للآخر، وشدّدوا على دور الأسرة في تنمية وعي التعاون عند الذكور، ولذلك فإن النشأة والتربية الصحيحة تساهمان بقدر كبير في تغيير هذا الموروث الاجتماعي.
ويقدم علماء النفس نصيحة للرجال بعدم النظر للأمر بأنه انتقاص للرجولة وإهانة لكرامته، بل مجرد مساعدة لشريك الحياة في مسؤولية معيّنة ضمن عدد من المسؤوليات الملقاة على عاتق الزوجة، مثل: تربية الأبناء وتنظيف المنزل وتحضير الطعام، بالإضافة إلى عمل المرأة ومساعدة زوجها في تدبير نفقات المنزل.
وأكد خبراء الحياة الزوجية أن إحساس المرأة أن زوجها ليس مشغولا عنها ويقدّر مجهودها البدني، وسيلة هامة لاستقرار الحياة الزوجية وإضفاء البهجة على المنزل، كما أنها تعتبر أن وجوده بالمنزل حتى وإن لم يفعل شيئا تقديرا منه لمكانتها في قلبه، فيما وصفوا امتناع الرجل عن مساعدة زوجته في أعمال المنزل بالأنانية، وهو ما يترتب عليه شعورها باليأس الذي يمنعها من القيام بواجباتها تجاهه، خاصة وأنها تواجه أمورا فوق طاقتها.
كما أثبتت دراسة أنجزت في وقت سابق أن العمل المنزلي قد يضفي المزيد من الدفء على العلاقة بين الزوجين، وأكدت أن معظم النساء يحببن اضطلاع الزوج بنصيبه من الأعباء المنزلية.
وفي المقابل توصلت دراسة نرويجية إلى أن تقسيم الأعمال المنزلية بين الزوجين بالتناصف من الممكن أن يعرض الزواج إلى الانهيار بنسبة 50 بالمئة، اذ كشفت الدراسة أن الأزواج كانوا سعداء في المشاركة برعاية الأطفال، إلا أن نصيب الأسد من الأعمال المنزلية كان يقع على عاتق المرأة في أكثر الأحيان.
وقال توماس هانسن المشارك في الدراسة: قد يعتقد المرء أن الانفصال يمكن أن يحدث في كثير من الأحيان في الأسر التي لديها أقل مساواة، لكن لدينا إحصائيات تظهر عكس ذلك”.
المرأة الشرقية ربما هي الأكثر تحملا للأتعاب مقارنة بغيرها من النساء، وقد يكون العمل في منزلها يشعرها بالراحة والمتعة اللامتناهية، فليس كل النساء لديها الرغبة في ان يكون يقوم الزوج ولا الأبناء في مشاركتها الاعمال اليومية وكذلك الإضافات الرمضانية، وفي الاغلب تكون أسباب عدم الرغبة في المشاركة نابعة من الاختلافات بوجهات النظر في قضية الترتيب وانهاء الاعمال.
إجبار الأبناء وكذلك الزوج على العمل قد يؤدي الى نتائج لا ترغب بها ربة المنزل، فقد يفضل الأبناء الخروج لأوقات طويلة هربا من المشاركة في العمل المنزلي الذي وضعت قواعده بصورة مباشرة او غير مباشرة الام، فبديل هذا الاجبار او الاكراه هو قيام الزوجة ببيان شكرها وامتنانها إزاء ما يقدم من جهد الى جانب جهدها.
🔺 إحساس المرأة أن زوجها ليس مشغولا عنها ويقدّر مجهودها البدني، وسيلة هامة لاستقرار الحياة الزوجية وإضفاء البهجة على المنزل
والشيء الاجمل إذا كان الشكر والامتنان متبادل من الطرفين، فالأم عادة ما تشعر بسعادة مفرطة حين التوجه اليها بعبارات الرضا وإشعارها بأهمية عملها ومكانته في نفوس الأبناء والزوج، ويضفي هذا الاهتمام بأجواء الدفء والطمأنينة على المنزل الذي تغمره المحبة والتعاون بين جميع افراده.
الشريعة الإسلامية اهتمت كثيرا بحقوق المرأة ومساعدتها على إكمال مشوار حياتها دون صعوبات ومنغصات، لذلك خففت عنها الكثير من الاعمال وحذر الأزواج من استغلالها أبشع استغلال، فالدين الإسلامي دعا الرجال الى التمرد على النظم الاجتماعية البالية والتي تنظر الى المرأة على انها خادمة او عاملة وظيفتها الأساسية هي تربية الأبناء وتحضير الاكل.
شهر رمضان يعطينا الفرصة الذهبية للتقارب ومد يد المساعدة الى بعضنا، فالأسرة بحاجة الى الجو التعاضدي، وبالمحصلة النهائية يعم الرضا والشعور بالتكامل وهو ما حث عليه الدين الحنيف، ووضع له قواعد وضوابط شدد على اتباعها لتكون الاسرة هي النواة الأولى التي ينطلق منها الفضاء الاجتماعي الرحب.