اول وعاء يحتوي الطفل منذ بداية تكوينه بأمر الله هو رحم الام، ولا يفارق هذا الرحم الا بعد تسلسل زمني وضعه خالق الكون، بعدها يخرج للحياة الدنيا التي يقضي فيها الفرد حينا من الزمن كل حسب ما قدر له، وما بين لحظتي الولادة والممات يواجه الفرد كم من المواقف يعتمد أسلوب التعامل معها على تربيته ونشأته خلال الطفولة.
الطفولة من المراحل الأساسية في تكوين شخصية الفرد وبالتحديد الشهور او السنوات الأولى من عمره قبل الخروج الى البيئة الخارجية، ففي المرحلة الأولية من عمره عادة ما يكون الطفل ملاصق لوالدته، ولا يمكن مفارقة احضانها إلا لساعات قليلة من النوم وقد يكون النوم أيضا في حجرها، إذا لهذه المرافقة الدائمة آثار سنحاول في القادم من أجزاء المقال التطرق اليها وتوضيحها.
🔺 لا يقل أهمية دور الام على المستوى الايماني على الأم أن تربي طفلها على الإيمان بالله ــ سبحانه وتعالى ــ والاتكال عليه، فهي من تعوده على ممارسة سائر العبادات كالصلاة والصوم والصدقة بشكل ميسر
لا يختلف اثنان على ان دور الام في تربية الطفل من الأدوار المهمة والضرورية لا يمكن الاستغناء عنها او تجاهلها مقارنة بعوامل التنشئة الأخرى، ففي السنوات التي تسبق الاختلاط بالمجتمع يكون الرفيق الأول وقد يكون الوحيد للطفل هو امه، فمنها يستقي كل ما يحدد ملامح شخصيته في المراحل الأخرى، ابتداءً من مرحلة الشباب وصولا الى الكهولة.
شدة الترابط الوثيق بين الطفل وأمه يجعل كل منهما يفهم الآخر بمجرد النظر في عيون بعضهم الآخر، وهذا الفهم يعبر بشكل او بآخر عن حالة الاندماج الكلي للطفل بشخصية الام ومحاولة تقمص كل ما تحمله من صفات حسنة كانت ام سيئة، ولهذا يؤكد العلماء على أهمية ان تكون تصرفات الاهل وبالأخص الام في هذه المرحلة بالتحديد تتسم بالعقلانية وعدم الخروج عن المألوف.
فالطفل يستقي بهذه المرحلة العمرية المبكرة كل ما يعضده ويجعله يفكر بطريقة حياته وفق ما ترسخ لديه من أفكار وتجارب اطلع عليها من الام تحديدا، لقربه منها طيلة اليوم وما يميز هذه العلاقة من خصائص متعددة، وقبل التعرض لدور الام بشكل أوسع هنالك جملة من الخصائص التي نود التطرق اليها.
أولى هذه الخواص هي الخصوصية الشديدة في العلاقة بين الطفل والام، فلا يمكن ان تكون علاقة تحمل هذا النوع من الخصوصية مثلما تحمله علاقة الام بطفلها، حتى تصل وكأنهم فرد واحد من حيث طريقة التفكير وأسلوب والتعامل مع القضايا الآنية بما يدلل الترابط الوثيق بين الاثنين.
اما الخاصية الأخرى فهي التبادلية، أي تكون طبيعة علاقة فيما بينمها قائمة على التبادل والتعامل المتقابل، ووفق هذه الخاصية تكون الاستثارات والاستجابات دائما استثارات واستجابات متبادلة، ويمكننا القول بأن إيجابية الأم، ينتقل جزء كبير منها الى الطفل الذي يقوم بدوره الى ملاطفتها ومحاولة التقرب منها بمجرد الشعور بوجودها الى جانبه.
ويضع المختصون خاصية أخرى تعبر عن العلاقة بين الطفل وأمه تتمثل بالاستمرارية، فالعلاقة بين الطفل وأمه علاقة مستمرة وموصولة، هذه الاستمرارية هي الضمان الوحيد لسويته، وصحته النفسية، وسلامته للتدرج والارتقاء والنمو، وهي ضرورية أيضا لضمان التدفق الوجداني المتصل، لتيار الثقة والأمن والطمأنينة، وذلك حتى يستطيع الطفل فيما بعد أن يواجه الحياة ويواجه نفسه بثقة وحب وتفهم.
وللأم دور كبير في عملية التربية وعلى جميع المستويات، فعلى المستوى الفسيولوجي تبين الدراسات الحديثة تأثير الإرضاع الطبيعي في نمو الذكاء عند الطفل، كما تشير لأهمية التغذية المتوازنة المناسبة لهذا النمو، وذلك يرتبط بالمستوى التعليمي والثقافي للأم، اذ تكمن أهمية الإرضاع الطبيعي في بناء الشخصية المتكاملة الأبعاد.
وعلى مستوى التعليم فللام دور كبير في تعليم الأطفال ومتابعتهم سواءً في دور الحضانة او المراحل اللاحقة كالمرحلة الابتدائية، فنجد الام هي مَن سهر على إتمام الواجبات المدرسية وملاحقة الابن المتهرب عن اكمال الواجبات المنزلية، وتتميم ما نقص عنده من معرفة إما بالتلقين أو بالإرشاد، ومحاولة تقريب المفاهيم إليهم ومناقشتهم في أفكارهم، وتدريبهم على التفكير العلمي والمطالعة الواعية.
تبيّن بعض الأبحاث الحديثة أهمية الدور الذي تلعبه الأم في النمو المعرفي واللغوي للطفل، اذ يعتبر التفاعل بين الأم وطفلها في مراحل حياته الأولية نقطة بداية هامة في تطور ونمو التواصل بينهما، ويعتمد هذا التواصل على الإشارات الجسدية، كتعابير الوجه المختلفة، والتبادل البصري والإصدارات الصوتية.
ويرى الباحثون أن تلك المرحلة تساعد الطفل لاكتساب اللغة الكلامية، وأن السياق الإبداعي المؤدي للتفاعل والتفاهم بين الأم وطفلها، يشكل حجر الأساس في تطور ونمو الطفل اللغوي والمعرفي.
وتقوم الأم في تفاعلها مع طفلها الصغير، بتحضيره أثناء السنة الأولى لكي يتمكن من تطوير عناصر هامة وأساسية لتعلم اللغة، والتواصل الكلامي له أهمية خاصة بين الأم وطفلها في العام الثاني، إذ يتم اكتساب اللغة في إطار من التفاعل واللعب والحوار.
كما أن على المستوى الحسي للأم دور أساسي في تربية الطفل الحسية، فالإثارة الحسية يجب أن تحيي وتنمي كل أنماط الخبرات الحسية للصغير من حسٍّ، ولمس، وسمع، وإبصار وذوق وشم وتوازن وحركة، وما الحديث مع الطفل والضحك والدندنة والهمهمة ومشاركته لعبه وتزويده بأدوات اللعب من كافة الأشكال والأصناف والألوان وتدريبة عليها إلا مظهراً من مظاهر العناية بنموه الحسي.
وتشير الأبحاث المعاصرة حول الحرمان الحسي الى أهمية التحفيز والحث والتنبيه كجزء من العلاقة بين الأم والطفل، ولا يخالجنا شك بأن لا مصدر يوازى الأم، مصدرا للحنان والشفقة والعطف، لذا لا يكتمل دور الأم أو عملها في رعاية أطفالها إلا بالتنبيه والاستجابة، فهي تنبه حواس الطفل، وتنبه استجاباته للمؤثرات والمثيرات الاجتماعية، والتنبيه على هذا النحو من جانب الأم، على درجة كبيرة من الأهمية، بحيث إذا لم يتم هذا التنبيه فقد يؤثر تأثيرا سالبا على سلامة التكوين الأساسي له.
وعلى المستوى الوجداني تلعب الأم دورا حيويا في تربية الطفل وتكوين شخصيته المستقلة، لقد ثبت أن الأم المستجيبة لحاجات الطفل بانتظام والمتنبهة لإشاراته، والحاضرة بعواطفها في استجابتها لطفلها الصغير بحيث تهيئ له الشروط المناسبة لتنمية سلوك التعلق الآمن وتعزز لديه الثقة بالكبار.
فالطفل يعمم هذه الثقة في علاقاته مع الآخرين، بينما يتسم التعلق بالقلق عندما لا تنتبه الأم لإشارات الصغير ولا تكترث بما يصدر عنه، ولا تظهر استجاباتها نحوه في الوقت المناسب، وهذا ما يؤدى إلى القلق والغموض وعدم ثقة الطفل في الكبار، ويظهر الخوف والهلع عندما يرى شخصا غريباً للمرة الأولى.
🔺 للأم دور كبير في عملية التربية وعلى جميع المستويات، فعلى المستوى الفسيولوجي تبين الدراسات الحديثة تأثير الإرضاع الطبيعي في نمو الذكاء عند الطفل
وعلى المستوى الاجتماعي تلعب الأم دورا حيويا في تربية الطفل، فالتربية القائمة على الديمقراطية والتسامح والحب تزيد شعور الطفل بالثقة والأمان في العالم، وتربية الطفل في مناخ مليء بالحنان والمحبة يساهم في تنمية ثقة الطفل بنفسه وقدرته على تكوين شخصية مستقلة ومواجهة صعوبات الحياة.
بينما تؤدي تربية الطفل في جوٍّ من التشدد والكراهية والغضب إلى الشقاء والتعاسة، وتجعل الطفل يرتدي نظارة سوداء ينظر بها إلى العالم، وعلى الأم أيضا أن تربي طفلها على التعاون والتعارف والصفح والجرأة في حدود اللياقة والأصول، ومراعاة حقوق الآخرين كيفما كانوا، والالتزام بآداب الطريق، واحترام ارشادات المرور.
ولا يقل أهمية دور الام على المستوى الايماني على الأم أن تربي طفلها على الإيمان بالله ــ سبحانه وتعالى ــ والاتكال عليه، فهي من تعوده على ممارسة سائر العبادات كالصلاة والصوم والصدقة بشكل ميسر، وتهتم باصطحابه إلى دور العبادة لتأدية شعائره الدينية، وغرس قيم الإيمان الصادق إلى قلبه.
بعد الاستعراض السابق لدور الام في تربية الأطفال على جميع المستويات، يتضح حجم المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقها في التنشئة السليمة، وهنا يتوجب على جميع شرائح المجتمع الوقوف مع الام ومساندتها لتأدية وظيفتها على أتم وجه لخلق جيل متعافي وسليم لا يتأثر بالمغريات الحديثة.