في حياتنا نسمع عن الصلاة والصيام والحج ومجموعة من الاحكام الشرعية، لكن علينا ان نجعل إطارا لكل تلك الاحكام الشرعية، ونتساءل: هل يمكن لإنسان ضعيف في مواجهة عواصف الشهوات وأعاصير الفتن هل يمكن أن يطبق الشرع المقدّس ليصبح أفضل من الملائكة؟
الجواب: بلى يستطيع؛ ولكن بشرط السير على المنهج الذي رسمه القرآن الكريم، وبينه النبي الأكرم، وأهل بيته الطاهرين.
فمثلا نبي الله إبراهيم، عليه السلام، لم تكن علاقته مع اسرته ومجتمعه علاقة وئام و خضوع، بل كانت علاقته قائمة على أساس الدِين لأنه سلّم نفسه لله، {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، لا شرك، ولا شبهة، ولم تكن في قلبه أيّة ميول أخرى سوى لرب العزّة.
والله ــ تعالى ــ بيّن في سورة السجدة أن من المستحيل ان يكون المؤمن العابد لله كالفاسق، وبين أن مصير الأخير يختلف اختلافا جذريا عن المؤمن، قال ــ تعالى ــ: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى}، والمأوى هو المصير والنهاية.
{نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ربنا يؤكد على العمل الصالح الذي يؤدي الى جنات المأؤى.
🔺 الانسان حينما يذنب يعبث بفطرته التي خلقه الله عليها، لانه ــ تعالى ــ لم يخلق الانسان فاسقا، بل الانسان بالذنب الذي يرتكبه يصبح فاسقا
وهنا يبدأ الكلام عن الطرف الآخر: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ} أحد مصاديق الفسق ان التمرة إذا وقعت في الأرض ينفصل عنها القشر الخارجي فيقال: فسقت التمرة؛ أي خرجت من الفطرة والخلقة الأساسية.
كذلك الانسان حينما يذنب يعبث بفطرته التي خلقه الله عليها، لأنه ــ تعالى ــ لم يخلق الانسان فاسقا، بل الانسان بالذنب الذي يرتكبه يصبح فاسقا. {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} ولان ألم النار شديد يحاول الفاسق الخروج منها.
في رواية طويلة في بحار الأنوار: يقول المؤمنون للكافرين والمنافقين: انظروا إلى هذه الأبواب، فينظرون إلى أبواب الجنان مفتحة يخيل إليهم أنها إلى جهنم التي فيها يعذبون، ويقدرون أنهم ممكنون أن يتخلصوا إليها، فيأخذون في السباحة في بحار حميمها وعدوا بين أيدي زبانيتها، وهم يلحقونهم ويضربونهم بأعمدتهم و مرزبتاهم وسياطهم، فلا يزالون هكذا يسيرون هناك وهذه الأصناف من العذاب تمسهم حتى إذا قدروا أنهم قد بلغوا تلك الأبواب وجدوها مردومة عنهم وتدهدههم الزبانية بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم، ويستلقي أولئك المؤمنون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم مستهزئين بهم، فذلك قول الله عز وجل: ” الله يستهزئ بهم ” وقوله عز وجل: ” فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون “. (بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٨ – الصفحة ٢٩٩).
وهنالك شبهة تُطرح: الله الذي خلقنا ليرحمنا، هل يُعقل ان يعذبنا؟
الجواب: إذا نظرنا الى الدنيا لا نراها على حال واحد، فيوم زلزال، وآخر طوفان.. وهكذا، هذا العذاب الذي في الدنيا هو جزء من عذاب الآخرة حتى يفهم الانسان ان هناك عذاب في العالم الآخر، قال ــ تعالى ــ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فهدف العذاب الإلهي ان يكون هناك وعي، ولهذا نرى البعض قبل ان يُصاب بعذاب في الدنيا، تراه طاغٍ وظالم، لكن ما إن يُصب بمصيبة في الدنيا حتى يعود الى الله. قال الإمام الصادق، عليه السلام: “وأما العذاب الأدنى ففي الدنيا”.
وهنا لابد من طرح السؤال التالي: كيف يخرج الانسان من حالته السيئة الى الحالة الأخرى والتي تمثل انتقالة نوعية في حياته؟
لتوضيح ذلك نضرب المثال التالي: إذا انتقلتَ الى بيت جديد ــ سواء بنيته او اشتريته ــ وتجد فيه الذباب والنمل وما اشبه، فهنا لابد وأن تقوم تبحث لماذا هذه الحشرات موجودة في البيت، تكتشف ان قمامة مركونة في جانب من البيت، وبعدها تقوم بتنظيف البيت بشكل نهائي، تسكن فيه وترتاح.
🔺 حين يكون القلب سليما تكون بقية الاعضاء سليمة، حينها تكون افكار ومواقف ورؤى الانسان في الإتجاه الصحيح
كذلك هي قلوبنا؛ الشيطان لسنوات يفرخ فيه، وسواس وأفكار وما اشبه، وهنا لابد من تطهير القلب من تلك الادران، وهذا ما فعله النبي إبراهيم عليه السلام: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. فحين يكون القلب سليما تكون بقية الأعضاء سالمة، حينها تكون افكار ومواقف ورؤى الانسان سليمة وصحيحة، لان القلب أساس فما دام سلِم فالبقية يَسْلمون تبعا له، قال الإمام الصادق، عليه السلام: “وكل قلب فيه شرك او شك فهو ساقط وانما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة”.
ووسيلة الشيطان الى قلب الانسان حب الدنيا قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “حب الدنيا رأس كل خطيئة”. فالمؤمن الصالح يفرّغ قلبه من حب الدنيا حتى يتفرغ للآخرة، فلا يبقَ أسيرا لشهوات الدنيا ورغباتها.
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} لان القرآن الكريم قال في موضع آخر: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
الانسان المؤمن يجب ان يتمتع بعدة صفات تؤهله لأن يكون صاحب بصيرة وقلب سليم، وهذه الصفات هي التي كان يتميّز بها نبي الله إبراهيم، عليه السلام:
- الصبر.
- الإخلاص في العبادة.
- دعوة الناس الى الله: وهذه نقطة مهمة جدا، لان الانسان في المجتمع إما أن يتأثر او يؤثر، فالذي لا يؤثر يتأثر فمن لا يتحدى الضغوط ويدافع عن دِينه يفقده، ولذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حقائق مهمة للإنسان.
والنهي عن المنكر درجات؛ فأولها إنكار المنكر بالقلب، وهذه مرحلة مهمة في حياة الانسان، ثم تأتي الانكار باللسان ثم باليد إن أمكن.
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} معنى ذلك انه كان قويا وصاحب بصيرة في نفس الوقت، وهذا يعني ان كان يعد نفسه، ونحن كذلك يجب ان نعد انفسنا امتثالا للآية الكريمة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}.
- (مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي دام ظله).