كاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان خلقت شعوراً بالمراقبة المستمرة لأي حركة في الشارع او مراكز التسوق، او مراكز العمل، مما يجعل الفرد مدفوعاً بنداء داخلي بأخذ الحيطة والحذر من مغبة ارتكاب عمل خاطئ يعرضه للمسائلة، لذا فانه يحرص على الالتزام بكامل المعايير الأخلاقية والقانونية.
نحن نخشى لومة لائم على تصرف معين، وهذا اللائم ربما يمكن ترضيته او المسامحة معه ومعالجة الموقف، ولكن؛ ما بالنا اذا كان الرائي والمراقب شخصٌ مثل الإمام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، فهو يسمع ويرى، و رغم ولايته التشريعية والتكوينية علينا بيد إن مخالفاتنا لا تترتب عنده بشيء من الاحكام الجزائية، فهو لا يحكم علينا بالسجن او الغرامة، ولا الحد الشرعي، الأثر الوحيد؛ الحزن والأسف على دعاة التشيع والموالاة لأهل بيت رسول الله، وهم يقومون بأعمال تتعارض تماماً مع منهج النبي وأهل بيته في الحياة.
ولتهدئة الوجدان والضمير قليلاً يلجأ البعض الى تبرير افعاله بأنه يرقص في الشارع والأماكن العامة، او يرفع أصوات الأناشيد لتصل الى أعماق البيوت وغرف النوم، أو يُسرف في توزيع الطعام بأن كل هذا لإظهار ابتهاجه و سروره بذكرى مولد الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، بينما ثمة حداً فاصلاً بين أفراح وأتراح المعصومين، عليهم السلام، والاحكام والآداب، فقد مرّوا بأحداث مأساوية مروعة في حياتهم، كما شهدوا الافراح والمناسبات البهيجة، فكانت جميعها مبعثاً لتكريس القيم الأخلاقية والدينية، ولم تكن مبرراً لتجاوز هذه القيم مطلقاً.
في ليلة الخامس عشر من شعبان المعظم، وهي مناسبة دينية تضاهي ليلة القدر في الفضل والمنزلة عند الله –تعالى- نتذكر يوم مولد منقذ البشرية، الامام المهدي المنتظر، عجل الله فرجه، فيجعلها البعض فرصة للتعبير عن ذاته وما يختلج فيها من مشاعر خاصة به، تنفجر وسط الشارع او في المطاعم والحدائق، وربما بالقرب من المراقد المقدسة بدعوى إظهار الفرح بهذه المناسبة، و يذهب البعض الآخر الى ما هو أبعد بإخراج محارمه بملابس ومظاهر غريبة عن المناسبة تماماً.
من الجيد على كل شيعي ان يطرح على نفسه السؤال: ماذا لو ظهر الامام الحجة المنتظر فجأة، وبقدرة وحكمة إلهية خاصة، أمامنا في الشارع، و رأى اللقاءات المحرمة بين الشباب والشابات، والمظاهر غير الأخلاقية ممن يدعون موالاته والابتهاج بذكرى مولده، ما يكون موقفنا حينئذ؟!
انه سؤال محرج يحاول الكثير إبعاده عن ذهنه، او لا يفكر به بالأساس، بينما علينا وضعه نصب أعيننا هذه الأيام، وتحديداً في ليلة النصف من شعبان، وفي نفس الوقت التفكير بما يُفرح الإمام الحجة المنتظر ويدخل على قلبه السرور، بل والفخر من شيعة وموالين يقومون بما يتعذر عليه هو فعله كإمام وقائد للأمة، من مواساة الفقراء والمظلومين، والعمل على نشر الفضيلة والأخلاق والعدل والمساواة بشكل بين أوساط المجتمع، بل وتذكير المسؤولين في الدولة ايضاً.
ما أجمل أن تصل الى بيوت الفقراء والمعدمين في كل مكان بالعالم هدية باسم الامام المهدي المنتظر، عجل الله فرجه، تمسح عن وجوههم شيئاً من الحزن والمعاناة بسبب ملمّات الزمن والظروف السياسية والاجتماعية القاسية، وما أكثر فرح الإمام الغائب وهو يرى هذه المبادرات التي تحاكي ما كان يفعله الأئمة المعصومون من قبله، لاسيما بشكل سرّي وغير معلن، حتى يعرف الناس بكل حواسهم ومشاعرهم أن ثمة إماماً يتابع شؤونهم ويصلهم منه الامداد لكن على يد شيعة مخلصين له.