يشير علماء الاجتماع، وعلماء النفس، وعلماء الاثروبولوجيا (علم الإنسان)، إلى أن إرادة الإنسان ليست مثالية، وأنها لا تتحلى بالاكتمال، بل هي في بعض الأحيان تكون هشّة للغاية، وضعيفة، وهذا يجعل الإنسان بحاجة إلى عناصر دعم خارجية، لا علاقة لها بالبناء البايولوجي له، إذ تتركز عناصر الدعم هذه في الجانب المعنوي كالإيمان، واليقين، والنيّة، وبناء الذات من حيث الصلاح أو الفساد.
انطلاقا من هذا الرأي من المهم للإنسان أن يبحث عن عناصر الدعم هذه، حتى لا تتعرض كينونته وشخصيته إلى الهشاشة والضعف، فالأمر هنا لا يتعلق بقضية الإيمان والتديّن فقط، وإنما هي قضية بناء وفائدة يحصل عليها الإنسان لكي يعيش مستقرا نفسيا، لأن الانكسار النفسي لا يمكن معالجته بالتفوق المادي كالنجاح في العمل وكسب الأموال.
🔺 نجاح الإنسان يقوم على ركنين متوازنين، حتى تتوازن كينونته، هذا الركنان هما (المادة، والروح)
نجاح الإنسان يقوم على ركنين متوازنين، حتى تتوازن كينونته، هذا الركنان هما (المادة، والروح)، كسب الماديات في ظل روح ضعيفة خاملة منهزمة هشّة، لا يحقق للإنسان حياة مستقرة، وما يجعل حياة الإنسان واضحة سعيدة ذلك التوازن بين نجاحاته المادية وتطلعاته الروحية العالية، جسد صحيح وأرباح ونجاحات مادية، في مقابل روح قوية معافاة مستقرة، بهذه الثنائية المتوازنة تكتمل وتستقر كينونة الإنسان.
يوفر دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين، عليه السلام عناصر دعم كبيرة للإنسان، بحيث يمكنه أن يحصل على دعم روحي خارجي هو بحاجة له في حال كان قويا ماديا وضعيفا روحيا، لأنه يحتاج إلى حالة التوازن المادي الروحي، ومن أجل معالجة هذا الاختلال ما بين المادي والروحي في كينونة الإنسان، عليه اقتناص الفرص بحثا عن العلاج الناجع، وهو موجود في هذا الدعاء الذي يقدّم حلوله للإنسان على طبق من الوضوح التام.
يقول الإمام زين العابدين في دعاء مكارم الأخلاق:
“اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَ بَلِّغْ بِإِيمَانِي أَكْمَلَ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ، وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إِلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ، وَبِعَمَلِي إِلَى أَحْسَنِ الأَعْمَالِ. اللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي، وَصَحِّحْ بِمَا عِنْدَكَ يَقِينِي، وَاسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ مَا فَسَدَ مِنِّي”.
فالبداية هي بالصلاة على أشرف الخلق أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وهذا استهلال عظيم يفتح آفاق عظيمة أمام الروح والبصيرة والبصر وجميع الحواس التي يمتلكها الجسد، ثم نطل على النافذة الأخرى، وهي نافذ الإيمان “و بلِّغ بإيماني أكمل الإيمان”، وكما نعرف أن الإيمان هو الركن الأعظم في شخصية الإنسان.
وهنا لا علاقة للأمر بقضية التديّن، فالأمر يتعلق بأن تؤمن بنفسك، بقدراتك، وتتوازن مع تطلعاتك المادية، وإذا آمنت فقد فزت وتفوقت ونجحت، وهذا سوف يعظّم من حالة الإيمان في كينونة الإنسان، وبالتالي في المحصلة يصبح الإنسان المؤمن مقتنعا فاهما وعارفا بدينه، ومتمسكا به وبعقائده وبأحكامه، وهذا يمنحه عناصر قوة هائلة تجعل منه إنسانا مستقرا.
ثم يدعو الإمام من الله سبحانه وتعالى أن “اجعلْ يقيني أفضل اليقين”، وهو الإمام المعصوم من كل زلل، ومع ذلك يدعو من خالقه أن يجعل يقينه في درجة أفضل، فأيةُ عناصر قوة يحتاجها البشر حتى تكتمل كينونته، فإذا كان الإمام زين العابدين، عليه السلام، يطلب من ربّه هذا الطلب، ماذا بشأننا نحن البشر العاديين، ما الذي نطلبه من الخالق جلّ وعلا؟
🔺 يوفر دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين، عليه السلام عناصر دعم كبيرة للإنسان، بحيث يمكنه أن يحصل على دعم روحي خارجي هو بحاجة له في حال كان قويا ماديا وضعيفا روحيا
وأيةُ عناصرَ دعم نحتاجها، فاليقين هو والإيمان صنوان لا يفترقان، فإذا كان يقينك قويا لابد أن يكون إيمانك بنفس القوة والعكس صحيح، لذا فإن عنصر اليقين يحتاجه الإنسان بقوة لكي تتحقق حالة أو ثنائية التوازن المادي الروحي في كينونة الإنسان، وبذلك يكون أكثر استقرارا وأكثر ثباتا في تمسكه بالدين والعقيدة والأحكام التي تنظّم حياته ونشاطاته.
ثم تأتي النيّة، فيدعو الإمام زين العابدين، عليه السلام، من الله تعالى أن “انتهِ بنيّتي إلى أحسن النيّات”، وهذا يعني بأن النيّات درجات، من الأعلى والمتوسطة والأدنى، والإمام يدعو الله تعالى أن يعينه كي تكون نيته الأفضل من بين النيّات، ومرة أخرى نتساءل وماذا بشأننا نحن البشر العاديين؟ الحقيقة علينا أن نتمسك بنفس الدعاء، وأن ندعو بنفس عناصر الدعم، فإذا اكتمل إيماننا واشتدّ يقيننا وصلحت نيتنا، ما الذي نحتاجه أيضا؟
هناك شيء آخر من حقنا أن نقلق منه، بل يجب أن نقلق منه، وهو فساد النفس، وهذا العيب من أخطر العيوب التي تضرب أعماق الإنسان وتطيح بكينونته، فالفساد يلوّث جميع عناصر الدعم لكينونة الإنسان، وفي وجود فساد النفس يضمحل الإيمان ويتضاءل اليقين وتتلوث النيّة، فيضيع الإنسان في مجاهيل الانحراف والتيه.
لهذا يدعو الإمام السجاد، عليه السلام من الله عزّوجل: “واستصلح بقدرتك ما فسد مني”.