ولد الإمام الحسين السبط في الثالث من شعبان في المدينة في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة.
- مقدمة سماوية
من أحاديث السلسلة الذهبية، أو ما يعرف بسلسلة الذَّهب، يروي عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِم السَّلاَمُ، قَالَ: “دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَعِنْدَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: مَرْحَباً بِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ، يَا زَيْنَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضِينَ“.
قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: وَكَيْفَ يَكُونُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، زَيْنَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضِينَ أَحَدٌ غَيْرُكَ؟
قَالَ: يَا أُبَيُّ وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي اَلسَّمَاءِ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي اَلْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ عَنْ يَمِينِ عَرْشِ اَللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، الحسين مِصْبَاحُ هُدًى وَسَفِينَةُ نَجَاةٍ، وَإِمَامٌ غَيْرُ وَهْنٍ وَعِزٌّ وَفَخْرٌ، وَعِلْمٌ وَذُخْرٌ، وَإِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَكَّبَ فِي صُلْبِهِ نُطْفَةً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً زَكِيَّةً. (عيون الأخبار: ج۱ ص۵۹)
🔺 كم هو عظيم هذا الإمام الذي ما عرفنا منه ولا من حياته الشريفة المباركة التي امتدت لأكثر من 57 عاماً، إلا وهو يطفح بالخير والنور والفضيلة بكل معانيها ومبانيها، ولكن اختصرناه وسيرته ومسيرته في عشرة أيام في كربلاء المقدسة، وبشهادته المفجعة
هذا الحديث الشريف من الرسول الأعظم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، يقوله لأصحابه فيعترض عليه ذلك “الصحابي” وتستغرب من جرأتهم على رسول الله، وكثرة الاعتراض عليه لا سيما من رجال قريش الذين كانوا يَمنّون على الله ورسوله في إسلامهم، ولكن رسول الله أراد أن يرتقي الأصحاب بمعرفتهم بمقام ومكانة الإمام الحسين، فبيَّن لهم ما هو أعظم بكثير من المقدمة التي اعترضوا عليها حيث قال له: “إِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ عَنْ يَمِينِ عَرْشِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”، فالأمر لم يبقَ في السماوات بل تعداه إلى عرش الله، تعالى، وهناك مكتوب أوصاف المولى أبو عبد الله الحسين، عليه السلام.
- الإمام الحسين، عليه السلام، نور لعارفيه
فكم هو عظيم هذا الإمام الذي ما عرفنا منه ولا من حياته الشريفة المباركة التي امتدت لأكثر من 57 عاماً إلا وهو يطفح بالخير والنور والفضيلة بكل معانيها ومبانيها، ولكن اختصرناه وسيرته ومسيرته في عشرة أيام في كربلاء المقدسة، وبشهادته المفجعة لأهل السماوات والأرض، ولكل ما خلق الله سبحانه وتعالى، وهي مأساة إنسانية لم يشهد لها التاريخ نظيراً منذ أن هبط أبونا آدم عليها وحتى آخر الدَّهر أيضاً.
وحديث العباس الذي سأل فيه رسول الله في المسجد، و أمام جميع الصحابة فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: “يَا عَمَّاهْ.. خَلَقَنَا اَللَّهُ نَحْنُ حَيْثُ لاَ سَمَاءَ مَبْنِيَّةَ وَلاَ أَرْضَ مَدْحِيَّةَ وَلاَ عَرْشَ وَلاَ جَنَّةَ وَلاَ نَارَ كُنَّا نُسَبِّحُهُ حِينَ لاَ تَسْبِيحَ وَنُقَدِّسُهُ حِينَ لاَ تَقْدِيسَ فَلَمَّا أَرَادَ اَللَّهُ بَدْءَ اَلصَّنْعَةِ فَتَقَ نُورِي فَخَلَقَ مِنْهُ اَلْعَرْشَ فَنُورُ اَلْعَرْشِ مِنْ نُورِي وَنُورِي مِنْ نُورِ اَللَّهِ وَأَنَا أَفْضَلُ مِنَ اَلْعَرْشِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ فَخَلَقَ مِنْهُ اَلْمَلاَئِكَةَ فَنُورُ اَلْمَلاَئِكَةِ مِنْ نُورِ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ وَنُورُ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ نُورِ اَللَّهِ وَنُورُ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَفَتَقَ نُورَ اِبْنَتِي فَاطِمَةَ مِنْهُ فَخَلَقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضَ فَنُورُ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ مِنْ نُورِ اِبْنَتِي فَاطِمَةَ وَنُورُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورِ اَللَّهِ وَفَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ اَلْحَسَنِ فَخَلَقَ مِنْهُ اَلشَّمْسَ وَاَلْقَمَرَ فَنُورُ اَلشَّمْسِ وَاَلْقَمَرِ مِنْ نُورِ اَلْحَسَنِ وَنُورُ اَلْحَسَنِ مِنْ نُورِ اَللَّهِ وَاَلْحَسَنُ أَفْضَلُ مِنَ اَلشَّمْسِ وَاَلْقَمَرِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ اَلْحُسَيْنِ فَخَلَقَ مِنْهُ اَلْجَنَّةَ وَاَلْحُورَ اَلْعِينَ فَنُورُ اَلْجَنَّةِ وَاَلْحُورِ اَلْعِينِ مِنْ نُورِ اَلْحُسَيْنِ وَنُورُ اَلْحُسَيْنِ مِنْ نُورِ اَللَّهِ وَاَلْحُسَيْنُ أَفْضَلُ مِنَ اَلْجَنَّةِ وَاَلْحُورِ اَلْعِينِ“. (بحار الأنوار: ج۲۵ ص۱6)
فيا مَنْ يبحثون عن الجنَّة، وعن الحور العين، ويا مَنْ يبحثون عن النَّعيم المقيم في جوار رب العالمين، فذلك كله خلق من نور الإمام الحسين، عليه السلام، فهلا عرفتم نور الحسين، وسعيتم إلى معرفته، ومحبته، والمسير في نهجه، والقيام في نهضته، والركوب في سفينته، والاستجابة لندائه الذي أطلقه في تلك الصحراء القاحلة التي كانت غافلة على كتف نهر الفرات فأيقظها وأيقظ الأجيال عبر الزمان والمكان فكان نداءه يضاهي نداء جده إبراهيم الخليل على جبل أبي قبيس عندما أذَّن في الناس بالحج؟ فتلك عبادة وهذه شهادة، وكم هو الفرق بين العبادة والشهادة في أدبيات وأخلاقيات القرآن الحكيم؟
ألا نستجيب لنداء الإمام الحسين، عليه السلام، المجلجل والمزلزل للطغاة والظالمين: “ألا من ناصر ينصرنا“، لنكون مع الحسين، عليه السلام، كما كل الأنبياء والمرسلين والأولياء والشهداء والصالحين، لتنعم بتلك الرفقة الإلهية التي يقول عنها رب العالمين: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}. (النساء: 69)
- الإمام الحسين، عليه السلام، نور للمؤمن
والدارس لتاريخ العالم عامة ولتاريخ الإسلام خاصة يجد أن الإمام الحسين، عليه السلام، صار مقياساً أساسياً للتفريق بين أهل الحق والباطل، والخير والشر، والنور والظلمة، ومن ثمّ خط الرحمن من سبيل الشيطان اللعين الرجيم، فالإمام الحسين نور للمؤمن به، والموالي له، وهو القدوة لأصحابه حتى في أرض المعركة، وأسوة لمواليه وعشاقه إلى أن يلقوه في دار الآخرة وهو عنهم راض.
فالروايات الكثيرة تؤكد أن الإمام الحسين (ع) نوره من نور الله، وشيعته والمؤمنون به يقتبسون منه النور والضياء في حياتهم الدنيا بما يفعلونه ويدرسونه ويخدمونه في المجالس والحسينيات والمشاركة في العزاء الحسيني ومواساة أمه الطاهرة سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) نور الأنوار وخزانة الأسرار.
- الإمام الحسين (ع) نار على الظالم
وهذه رسالة الإمام الحسين، عليه السلام، في نهضته المباركة، التي قام بها من أجل إيجاد سُنَّة ومنهجاً في الأمة الإسلامية، بل في العالم والإنسانية في مواجهة الحاكم الظالم، والطاغي الآثم، عبر العصور والدهور، ولولا نهضة وثورة الإمام الحسين لكان الإسلام في خبر كان، ولصار به كما حدث في الديانتين اليهودية والنصرانية، حيث الأولى صارت مجمعاً للفساد العالمي، والأخرى أقصيت وحوصرت في الكنائس في أيام الأحد، وبدأت حتى تخرج من الكنائس ويرجع الناس إلى الإلحاد.
واليوم ما يفعله قطعان التكفير في الأمة الإسلامية هو ينبع من تلك الثقافة ويصبُّ في ذات المنهج والهدف واحد هو إخراج الناس من دين الله أفواجاً، كما كان يفعل ويحاول معاوية بن أبي سفيان لمدة أربعين سنة من الحكم أن يدفن الإسلام المحمدي؛ “لا والله إلا دفناً دفنا“، ويصنع ديناً أموياً جديداً يتناسب مع أهوائه وتطلعاته في بناء إمبراطورية تفسد العالم وتسير في ركب المخطط الشيطاني المرسوم.
🔺 الإمام الحسين، عليه السلام، هو نار ونهضة فكرية، وثورة عالمية على كل أنواع الظلم والطغيان، والتكبر والتجبر على عباد الله في هذه الدنيا
والإمام الحسين، عليه السلام، هو نار ونهضة فكرية، وثورة عالمية على كل أنواع الظلم والطغيان، والتكبر والتجبر على عباد الله في هذه الدنيا، فهو نار على هؤلاء السلاطين والحكام، ونهضته المباركة اخترقت كل العصور والأزمان وصرخته المدوية سارت مع الركبان، وتناقلتها الأجيال إلى أن وصلت إلينا ومهمتنا الآن أن نحافظ عليها، ثم نبلورها ونقويها ونعطيها زخماً ونرفدها بدماء جديدة لتستمر ونوصلها إلى كل الدنيا، والبشائر لذلك بدأت تلوح في هذا العصر، وذلك لأن العالم يسير إلى الحسين بخطى متسارعة وثابتة لأن الإمام الحسين هدف وغاية في قادم الأيام، ولن يكون قصة تاريخية أكل عليها الدهر وشرب كما يحاول خوارج هذا العصر وشذاذ الآفاق أن يظهروها، فالحسين تاريخ، والتاريخ لا، ولن يموت أبداً.
- الحسين نور للحر، ونار لابن سعد
وإذا أردنا أن نعطي أمثلة واقعية من نفس الواقعة التاريخية والمعركة القصيرة التي حدثت في يوم عاشوراء على أرض كربلاء فإنه هناك الكثير من الأمثلة كذاك الرجل الذي قال: “فَوَ اَللَّهِ مَا رَأَيْتُ قَتِيلاً قَطُّ مُضَمَّخاً بِدَمِهِ أَحْسَنَ مِنْهُ وَ لاَ أَنْوَرَ وَجْهاً وَ لَقَدْ شَغَلَنِي نُورُ وَجْهِهِ وَ جَمَالُ هَيْئَتِهِ عَنِ اَلْفِكْرَةِ فِي قَتْلِهِ)، نعم؛ هذا النور الذي كان يشعُّ من وجه الإمام الحسين، عليه السلام، هو الذي جعل الحر الرياحي يأتي إليه نادماً ومعتذراً حيث أنه قال: “وَاَللَّهِ إِنِّي أُخَيِّرُ نَفْسِي بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَاَلنَّارِ فَوَ اَللَّهِ لاَ أَخْتَارُ عَلَى اَلْجَنَّةِ شَيْئاً وَلَوْ قُطِّعْتُ وَأُحْرِقْتُ“، فكان أول الشهداء ليصل إلى الجنة التي اختارها.
بينما قائد الجيش الأموي الظالم؛ عمر بن سعد، الذي أخبر أمير المؤمنين والده في مسجد الكوفة أن ولده الشقيّ عمر، سيقتل ابن بنت رسول الله، الحسين، فكان يسخر من ذلك، ولكن عندما حقّت الحقيقة، وأغراه الطاغية بملك الرَّي إن هو قتل الإمام الحسين، فانه اختار الجريمة وهو يعلم علم اليقين أن قاتله في أسفل دركات الجحيم، حيث يقول:
أ أتركُ ملكَ الرّيِّ والرّيُّ مـــنيتي
أم أرجعُ مأثــــوماً بقتلِ حسينِ
حسينُ ابن عمي والحوادثُ جمّةٌ
لعمري ولـي في الرّيِّ قرةُ عينِ
ولكنه اختار النار التي أججها وأشعلها جبارها لغضبه، وكان يمكن له أن يستنير بالحسين ويدخل الجنة كما فعل الحر الرياحي، ولكن الدنيا ومصارع السوء، “وهل أنت تنقذ مَنْ في النار”، كما قالها المجرم، عبد الرحمن بن ملجم المرادي، لعنه الله عليه، للإمام الحسن عندما سأله عن سبب قتله أمير المؤمنين وسيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، في محراب صلاته في ليلة القدر العظيمة.