يحرص كثيرٌ منا عند البناء على الاهتمام بما يسمى بغرفة المعيشة التي يجتمع فيها افراد الاسرة بعد الانتهاء من العمل المنزلي او العودة من الخارج بعد ساعات طويلة وشاقة انقضت لتأدية مهام مختلفة، فالجلوس بمكان واحد له من الفوائد التي لا يمكن حصرها بسطور قليلة او صفحات معدودة، لذا سنركز على الأهم منها.
ولكيلا تندرج ضمن الإطار الرسمي وتحمل معنى آخر، لا نريد ان نسميها الاجتماعات الاسرية، ونستبدل ذلك باللقاءات اليومية، فهي تعد وسيلة فعالة تجمع الافراد وجها لوجه، يتبادلون فيها وجهات النظر واجراء الحوارات والنقاشات حول القضايا الاسرية والشؤون العائلية، فالاستماع لوجهات النظر المختلفة يولد وجهات نظر أخرى أكثر إيجابية من الأفكار او الرؤى السابقة.
ومن أهمية الجلوس في غرفة المعيشة التي سلف وذكرناها، انها تخلق أجواء عائلية تغمر الحاضرين جميعا بالمحبة وتشعرهم بالانتماء لهذا المنزل، وتبادل الحديث هنا بغض النظر عن نوعه واهميته فهو يمثل حالة من حالات الاستقرار العائلي وشيوع الأفكار الإيجابية التي يكون مصدرها الافراد بمختلف مستويات تفكيرهم وآراءهم حول القضايا الراهنة وغيرها.
فالمشاركة الجماعية بالحديث تأتي من الوظائف المنوطة بالأسرة لمعرفة رؤيتهم حول الأمور الحياتية كالخروج بنزهة او شراء منزل والانتقال الى منطقة او مدينة أخرى، او الاقدام على اتخاذ قرار حساس يتعلق بالعيش خارج الوطن كما فعلت العديد من الاسر التي هجرت اوطانها وفضلت وجهات أخرى، كل ذلك يعد من القرارات المصيرية التي تحتاج الى تشارك في الأمر وتشاور مستمر.
🔺 لقد تأثرت الحياة الاسرية بظهور مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا، وربما تكون هذه المواقع هي المعول الذي هدم العلاقات الاسرية ورسم مسارا جديدا لها
إشراك الأطفال او الأبناء في القرار وسماع وجهات نظرهم مهما كانت بسيطة لا تقدم للموضوع شيء او تثريه، لكنها في المقابل تقوي لديهم الشعور بالمسؤولية وتحمل الأعباء الى جانب ابائهم، فضلا عن تنمية الروح القيادية لديهم وتعريفهم بمكانتهم واهميتها في الاسرة.
والأسرة المؤمنة المسلمة تحرص على الاجتماع دائما، فلماذا إذاً تُخصص في المنازل غرفة للمعيشة إذا أصر الأب على الجلوس في غرفته الخاصة عندما يعود من العمل، والأم في المطبخ لتحضر طعام اليوم التالي، وعندما تنتهي ستجلس لمتابعة مسلسل تركي، أو تتبع آخر صيحات الموضة والأزياء؟ وإن لم يكن هذا ولا هذا، فهي في زيارة إحدى الصديقات، أو استقبال إحدى الجارات، والأطفال إما في دراستهم التي لا تستغرق الساعة أحيانا، حتى ينصرفوا إلى اللعب على الحاسوب، أو الجلوس أمام شاشة التلفاز لمتابعة أتفه المسلسلات، أو برامج الأطفال التي لا تمت إلى الإسلام بصلة.
ان التغيرات التي طرأت على نظم الحياة العائلية يقف وراءها العديد من الأسباب، أهمها غزو التكنولوجيا الحديثة المجتمعات الإنسانية وتحكمها بجميع المفاصل اليومية البسيطة والمعقدة، ففي الوقت الحاضر من الصعب ان تجد اسرة من الاسر تجتمع بشكل يومي او حتى دوري لمناقشة وبحث المستجدات التي تتعلق بمصيرها على المستوى الاقتصادي او الديني او الاجتماعي.
اُستبدلت الأحاديث الشيقة بالصمت المطبق والسكون العجيب وراء شاشات الهواتف، أصبحت الحوارات تدار بطريقة الكترونية، عبر انشاء مجموعات على التطبيقات الاجتماعية، وصار افراد الاسرة يتبادلون الأحاديث وإبداء الآراء من خلالها، حتى ذوبت التقاليد الاجتماعية التي تناقلتها الأجيال جيل بعد آخر، وحرصت على المحافظة عليها من الضياع والاندثار.
لقد تأثرت الحياة الاسرية بظهور مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا، وربما تكون هذه المواقع هي المعول الذي هدم العلاقات الاسرية ورسم مسارا جديدا لها، وفق الرؤية الحديثة القائمة على الانعزال وعدم الانخراط بالنقاشات التي تعد المتنفس والتعبير الحقيقي والواقعي عن الكثير المشكلات، ومحاولة حلها بما يتلاءم وطبيعتها.
ويقدم لنا المختصون حزمة من النصائح لديمومة اللقاءات الاسرية ومنعها من الاختفاء من الواقع، وفي هذا الصدد ينصح عالم النفس وأستاذ التربية توماس ليكونا عبر مقال كتبه في موقع “سايكولوجي توداي”، بجعل الاجتماعات العائلية، سواء للتعلم أو لمناقشة أي أمور أسرية بسيطة في البداية، ولا تتعدى مدتها نصف ساعة مرة واحدة في الأسبوع لفترة معينة ومع مرور الوقت يمكن زيادة وقتها ومناقشة المزيد من الأمور.
يعقب هذه النصيحة بأخرى تتمثل بتحديد أسسا وقواعد للاجتماعات العائلية، مثل ضرورة الاستماع للمتحدث والنظر إليه وعدم مقاطعته، واحترام كل شخص لما يقوله الآخر حتى وإن لم يتفق معه، مع عدم السماح بالسخرية من رأي أحد أو التقليل منه، والحرص على التوصل لحلول ترضي الجميع.
🔺 إشراك الأطفال او الأبناء في القرار وسماع وجهات نظرهم مهما كانت بسيطة لا تقدم للموضوع شيء او تثريه، لكنها في المقابل تقوي لديهم الشعور بالمسؤولية
لا يمكن ان تخلو الاجتماعات او اللقاءات الاسرية من إضفاء المرح عليها، اذ يمكن إضفاء نوع من المرح إلى الجلسة عبر تحضير نوع حلوى خاص وتناوله أثناء النقاش، أو جعلها نزهة للأسرة إذا لم يكن الأمر جادا، ويحتاج للنقاش المطول.
ومن النصائح تحديد موضوعات النقاش، اي يجب التأكيد على أن الغرض من الاجتماع العائلي هو التعاون وحل المشكلات، وليس تحديد المذنب وإلقاء اللوم على بعضنا البعض، وتعلم الجديد، وهنا من الاجمل ان تكون بداية اللقاء بالمديح لجميع افراد الاسرة وعدم البدء بالتحدث عن المشكلة فورا، يمكن خلق أجواء إيجابية أولا بالإشادة بمجهودات أفراد الأسرة في التعاون معا، أو مدح كل شخص بشكل خاص على شيء يقوم به، ثم التحدث عن القضية التي تجب مناقشتها، وعقب الانتهاء من المناقشة يمكن الإشارة إلى الإيجابيات التي تشاركها الأسرة معا مرة أخرى.
وأخيرا: نود التطرق الى مسألة غاية في الأهمية، وهي أن عدداً ليس بقليل من الاسر لاتزال تعيش حالة من الانعزالية بين افرادها، كل فرد يعيش بعالمه الخاص، غير مكترثة لما هي عليه، وهنا نحاول التأكيد على ان هذا المقال قد يحمل طابع الدعوة لهذه الاسر في الذهاب الى تجربة الاجتماعات الاسرية كما هو ٍشائع لدى بعض الاسر، وإن لم تفلحوا في القيام بذلك لا تستسلموا ابدا فقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يعتاد الجميع على التحدث معا ومناقشة الأمور العائلية، وحتى بالنسبة للآباء الذين لم تكن عائلاتهم تعقد اجتماعات للحديث معا، يمكنهم تجربة ذلك مع أبنائهم، وبالوقت سيصبح الأمر معتادا ومألوفا مثل الاجتماع على الغداء.