الاسرة وحدة اجتماعية ونظام لتعليم الانسان كيف يتعامل مع الآخر، فيجعل الشخص الأكبر كأبيه، والاصغر مثل ابنه، ويتعامل مع المرأة بما يجب ان تعامل، وكما أن الاسرة نظام تعليمي فهي نظام اجتماعي، فالمجتمع الاسلامي يرى كل فرد من افراده انه جزء من اسرة كبيرة (المجتمع).
والحديث عن الأسرة ــ كما سبق في المقال السابق ــ جاء مفصلا في سورة الاسراء، وقبل التوصيات القرآنية من الحِكم التي بينها في نهاية الحديث عنها.
والحرمات في الحقيقة هي اسوار؛ فحرمة اموال الناس تعد سورا مرتفعا يحفظ المجتمع من الاعتداء، ولكن هناك اسوارا أخرى مقدمَة على ذلك، فأول سور ان يحترم الانسان الآخر، فالسارق قبل ان يسرق الآخرين يحلّل السرقة بدعوى انه لا يملك شيئا، وانه فقير! وبهذه التبريرات يسعى الى ارضاء ضميره، كذلك في المجتمع؛ فقبل ان يعتدي احدهم على آخر باليد يسبق ذلك اعتداء باللسان، وتارة بالفكِر.
لذلك القرآن المجيد يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}.
🔺 المجتمع الاسلامي يجب ان يكون طاهرا ونقيا، فكما انه لا يجوز ان نرمي القمامة في الشارع، كذلك لا يجوز نشر الافكار السلبية وسط المجتمع
وكمثال آخر مسألة الحجاب؛ فمسألة التحرش في العالَم اصبحت قضية منتشرة كالوباء، فحسب الاحصاءات فإن 30 أو 40 % من النساء البريطانيات قد تعرضن للتحرش على الأقل مرةً واحدة، وهذا يعني ان الامر ليس بسيطا، وحسب الاحصاء الوارد فإن 30% يعني ان ملايين تعرضن للتحرش.
والمرأة المتحرَشة تفقد كرامتها واحترامها، ومن يقدم على هذا الفعل يعد المرأة دميةً وليس إنسانة، ليرضي شهوته وغريزته، ولذا فالاسلام يحفظ المرأة بالحجاب ويعده السدَّ الأول لها، ثم تأتي التعاليم لتنهى عن اتهام المرأةَ، وعشرات الاحكام التمهيدية التي تنتهي الى حرمة الزنا وهو ما يصطلح عليه اليوم (التحرش) الذي يأتي في نهاية التعاليم والمناهي.
{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً} الدفاع الشرعي في القرآن هو القصاص {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} حياة الامة بالقصاص، لان الذي قتل يعد إنسانا فاسدا ويجب التخلص منه ليعيش المجتمع بسلامة.
والدفاع الشرعي ليس في المورد المذكور وإنما هناك أحاديث أخرى كقوله، صلى الله عليه وآله: “من قُتل دون نفسه وعرضه وماله فهو شهيد”، فالدفاع الشرعي عن هذه الامور جزء من واجبات الإنسان وهذا يؤدي الى تقليل الجريمة في المجتمع.
ثم يأتي البيان في الجانب الذي يرتبط بأكل أموال الناس: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} الأيتام جزء من نسيج المجتمع الاسلامي ويجب ان تحفظ كرامتهم بعدم التعدي على اموالهم، وكثير من الظلم يقع على الايتام من أوليائهم، بحيث {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا}، ومن يأكل مال اليتيم لا يهنأ به أبدا سرعان ما يتحول زقوم.
ثم يقول ربنا: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} جاءت هذه الكلمة في هذا السياق لان جزء من أكل اموال الناس بالباطل يتم تحت شعار العهد، والانسان حين يتكلم يكون رهن كلمته وفي عهدتها.
وكذلك ربنا يبين جانبا آخرا من جوانب أكل الناس بالباطل: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} وكلمة المستقيم تعبير انه عادل بعيد عن اي ظلم وأي إجحاف، {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} الخير يُرضي ضمير الانسان ويزيد في إيمانه.
- الخط الأول للحفاظ على الحرمات
السور الأول وفي طريق الاهتمام بحرمات المجتمع هو قلب الانسان، فالقلب يجب ان يكون نظيفا تجاه الآخرين، لذلك المؤمن لا يدخل في مهاترات، ويؤلب الآخرين على نفسه بالاعتداء على اموالهم، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) يقول لشيعته: “عليكم بأداء الأمانة فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لو أن قاتل أبي الحسين بن علي (عليهما السلام) ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه”.
وتسقيط الآخر يبدأ بالإعلام السلبي وهو سبب نشر البغضاء والرذيلة في المجتمع، ولمحاربة الإعلام الزيف يضع القرآن الكريم عدة استراتيجيات منها؛ عدم الاستماع، يقول ــ تعالى ــ: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} فالمؤمن لا يسير خلف كلام ليس له دليل، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ} السمع باعتباره اقرب حاسة الى العقل، واكثر المعلومات تأتي عن طريق السمع وليس بواسطة العين، ولذلك كلمة (السمع) في القرآن الكريم تأتي مفردة، بينما البصر يأتي بصيغة الجمع.
{كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} فليس من حقك ان تظن بأخيك المؤمن سواءً، وليس من حقك ان تسمع الغِيبة والتهمة والنميمة {ان بَعضَ الظنِّ إثمٌ}، وهذا هو السور الاساسي الذي يقف أمام الاعتداء على حرمات المجتمع، وهو من أعظم انجازات الدِين والمجتمع الاسلامي.
🔺 تسقيط الآخر يبدأ بالإعلام السلبي وهو سبب نشر البغضاء والرذيلة في المجتمع
واتاحة الحرية للنساء أن يلبسن ما يردن، ويتحول الشارع الى ساحة لعرض الازياء المختلفة، وتصبح المولات التجارية المنتشرة محلا لبيع الملابس المتنوعة التي لا توفر الستر الكافي للمرأة، هذه وغيرها تمهد الطريق لنشر الرذيلة والفساد في المجتمع حينها لا يصبح معنى لمنع التحرش.
المجتمع الاسلامي يجب ان يكون طاهرا ونقيا، فكما انه لا يجوز ان نرمي القمامة في الشارع، كذلك لا يجوز نشر الافكار السلبية وسط المجتمع، ويجب محاكمة مَن يحاول نشر الاشاعات الكاذبة، وهذا لا يتنافى مع الحرية؛ فلابد ان تكون حرية العدل، والطيب، والخير.
والمجتمع يجب ان يتحمّل دوراً في تحرّي الحقيقة، فلو كان لكل إنسان القدرة على معرفة الحقيقة وتحريها فالمجتمع آنئذ لا يفسد، وهذا هو الذي يشكّل مناعةً للمجتمع الاسلامي، فحين نسمع أحد يتكلم يجب ان نطالبه بدليل على كلامه، وإلا يجب الإعراض عنه وعدم الاستماع إليه.
{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} هذه نقطة اساسية وسور من أسوار المجتمع وحرماته والتي تبدأ بكرامة الانسان وعزته وشخصيته أيّاً كان.
- (مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي دام ظله).