قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً”.
إحدى أهم مقومات النجاح التي يذكرها علماء التنمية ومن قبلهم قد ذكرها وأكد عليها أهل البيت عليهم السلام، ودعوا لها واوصوا بها هي نظم الأمر، حيث أنها جاءت في كلامهم احيانا بالتصريح وأخرى بالتلميح.
ومما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الجانب ــ نظم الأمرــ في إحدى وصاياه قال:”أُوصِيكُمَا وَ جَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ.”
🔺 من نظم الأمر أن يعرف الإنسان ما له وما عليه، سواء ما يتعلق بعلاقته مع ربه أو مع نفسه أو مع الناس؛ أي أن يعرف ويحدد ما يجب عليه القيام به
هذا بالنسبة لتصريحه أما تلميحه فإني أفهم من كلامه بالوصية التي نحن بصددها التي مطلعها: “يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً”
وخصوصاً عبارة “أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً” فهو عليه السلام كأنه هنا يشير إلى تنظيم الأمر، فيا ترى ما هو تنظيم الأمر؟
وما هي مصاديقه؟
وكيف يكون؟
تنظيم الأمر: ويعني إدارة الذات أو حسن إدارة الإنسان لحياته وتشمل إدارته لوقته وعلاقاته وسلوكه و أفكاره و طاقاته وإمكانياته، وكيفية الإستفادة منها استفادةً حقيقية وتوظيفها بما يوفر عليه النجاح والتفوق في حياته، وأداء مسؤولياته.
فيحتاج الإنسان إلى التخطيط والتنظيم والترتيب لكل أمور حياته، ولا بد له من اعتماد نظام الأولوية في اعماله، و تحديد الأهداف والعمل على تطبيقها، والتخطيط لمستقبل حياته، أو ما يعرف بالمصطلح الحديث (هندسة المستقبل).
ومن نظم الأمر أن يعرف الإنسان ما له وما عليه، سواء ما يتعلق بعلاقته مع ربه أو مع نفسه أو مع الناس؛ أي أن يعرف ويحدد ما يجب عليه القيام به تجاه ربه من عبادات أو مسؤوليات دينية، أو واجبات شرعية، فعليه حفظها أو كتابتها حتى تكون دائماً نصب عينه ويكون ذلك حافزا له لتطبيقها والعمل بها.
وكذلك ما يتعلق بما يجب عليه تركه والابتعاد عنه، من نواهي إلهية، ومحرمات شرعية، لابد له من معرفتها وتحديدها ليكون على اطلاع بها من أجل تجنبها وعدم الوقوع بها.
أما ما يتعلق من أمور ينبغي له ايجادها في نفسه و تدعيم شخصيته بها، أو أخرى يجب عليه التخلص منها لأنها تكون عيوب في شخصيته، وعوائق في طريق تكامله، هي الأخرى لابد أن لا يتركها للزمان وإنما أن يسعى لمعرفتها و العمل عليها، لأنها تندرج تحت نظم الأمر.
وهكذا ما يخص علاقاته مع الناس؛ حقهم عليه، وحقه عليهم، و واجباتهم و واجباته، ومَن يصاحب منهم، ومن يُجانب، كل كذلك لابد ان يكون له تخطيط وتحديد لأنه أحد مصاديق نظم الأمر.
🔺 يحتاج الإنسان إلى التخطيط والتنظيم والترتيب لكل أمور حياته، ولا بد له من اعتماد نظام الأولوية في اعماله، و تحديد الأهداف والعمل على تطبيقها
فهذه المصاديق وغيرها هي التي بها يتحقق نظم الأمر الذي هو أحد عوامل ومقومات النجاح في شخصية الإنسان، حيث نرى أمير المؤمنين، عليه السلام، في وصيته لابنه الحسن، عليه السلام، والتي كما اسلفنا في المقال السابق ان بها أهم مقومات النجاح، حيث أنه، عليه السلام، في هذه الوصية يقول: “يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً”.
إذ أنه يقسّم الوصية إلى مجموعتين من الوصايا وكأنه بذلك يريد أن يعلمنا تنظيم الأمر بالمعنى الذي ذكرناه هنا.
حيث نجده يجعل القسم الأول من وصيته بأربعة أمور تخص ذات الإنسان، وفي القسم الثاني يذكر أربعة أخرى تتعلق بعلاقة الإنسان الإجتماعية و صفات الأصدقاء.
فهذه الوصية العظيمة لم تكن عفوية وعشوائية ــ وحاشا لأمير المؤمنين من ذلك ــ وإنما كان فيها تحديد وتقسيم وتنظيم، ومن ذلك نفهم أن من مقومات النجاح هو التنظيم والترتيب لا العشوائية والفوضوية.