في وصية أمير المؤمنين، عليه السلام، لابْنِهِ الْحَسَنِ، عليه السلام: “يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً لَا يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْلُ وَ أَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ وَ أَوْحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ وَ أَكْرَمَ الْحَسَبِ حُسْنُ الْخُلُقِ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ وَ يُبَعِّدُ عَلَيْكَ الْقَرِيبَ .
رسالات السماء كلها ومنها رسالة الإسلام جاءت لبناء الإنسان، بناءً متكاملاً وفق ما خلقه الله له، لذلك نجد في تعاليم الإسلام ووصايا الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته، برنامجا ومنهاجا حقيقيا لصياغة شخصية الإنسان والارتقاء بها، ونحن اليوم إذ الجميع يسعى ليكون شخصيةً ناجحة، فإننا نطرق باب نهج البلاغة ونسأل الإمام علي عليه السلام عن مقومات الشخصية الناجحة ونحاول أن نستفيد من كلام أمير الكلام بما يخص هذا الأمر، حيث ما من شيء إلا وله فيه أثر وعن كل مسألة هناك منه خبر.
فهل ياترى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ذكر شيء يتعلق بمقومات النجاح؟
الجواب: نعم لقد ذكر في أكثر من موضع في أحاديثه، ونحن في هذه المقالات المختصرة نحاول أن نلقي الضوء على إحدى روائع أمير المؤمنين وكل كلامه رائع.
ففي هذه الوصية العظيمة لابنه الحسن عليه السلام وكلامه كالقرآن فإنه يكون بـ ( إياك أعني واسمعي يا جارة) فهي وصية لنا أيضاً.
يقول فيها: “يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً لَا يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ”، والضُرُّ او الضرّر من مصاديقه الفشل حيث ان الإنسان بالفشل يُضَرْ، والفشل هو عكس النجاح.
إذن إذا أراد الإنسان أن يكون ناجحا أي غير فاشل، والفشل كما قلنا يسبب ضررا للإنسان عليه أن يأخذ بهذه الوصية التي يوضح الإمام فيها مقومات عدم الضرر حسب منطوق الكلام، أما مفهومه فهو مقومات النجاح كما نسميه بالادبيات الحديثة.
ومن تلك المقومات:
- أولاً: الأخذ بالتوجيه.
وهذا ما نستفيده من كلمة “يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي”.
فلابد لمن يريد أن يكون ناجحا أن يبحث عن موجه له ويرتبط به ويأخذ منه، ويحفظ عنه، ويعمل بتوجيهه ووصاياه، وقد ورد هذا الشيء في عدة مواضع من كلام أهل البيت عليهم السلام، بضرورة الأخذ بالتوجيه أو النصيحة، فما ورد عن الإمام الجواد عليه السلام: “المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه”، وغيرها من النصوص لمن أراد التوسع عليه أن يراجع كتب الحديث.
🔺 لابد لمن يريد أن يكون ناجحا أن يبحث عن موجه له ويرتبط به ويأخذ منه، ويحفظ عنه، ويعمل بتوجيهه ووصاياه، وقد ورد هذا الشيء في عدة مواضع من كلام أهل البيت عليهم السلام، بضرورة الأخذ بالتوجيه أو النصيحة
وكما أن على الشخص الذي يريد ان يكون ناجحا في حياته الأخذ بالتوجيه والنصيحة كذلك على الموجه سواء كان أب أو مربي أو قائد هو الآخر أن يبادر في إعطاء التوجيهات والنصائح والبرامج التي تساعد من كان تحت يده على النجاح، وهذا ما نجده في سيرة وكلام أمير المؤمنين عليه السلام، مع أولاده أو أصحابه، ففي وصاياه مع كميل أو مع ابنه الحسن عليه السلام، نجدها أغلبها هي مبادرة من الإمام، وكما يقول عليه السلام في إحدى وصاياه لابنه الحسن عليه السلام:
“فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَ يَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ”.
فإن التربية والأدب والتوجيه هي مبادرة من المربي منذ البداية، ومحاولة لزرع بذرة القيم والآداب الدينية والاخلاق الحسنة في نفس الشخص والمواظبة على سقيها باستمرار، حتى لا تموت تلك البذرة، اي لابد أن تكون التربية هي فعل وليس رد فعل.
اي ان تكون هنالك متابعة مستمرة من قبل الأب المربي لأولاده، أو الموجه مع افراده، لا أن ينتظر منهم أن يقعوا في الخطأ أو يتصرفوا بسلبية بعدها يتكلم معهم وينصحهم، بل لابد أن يبادر قبل ذلك ولا يدعهم يقعون في الخطأ، وأن يحثهم على النجاح ويبين لهم مقوماته ويحذرهم من الفشل، و يوضح لهم ما فيه الضرر لهم وكيف لهم ان يتجنبوه.
وحينئذ تقع المسؤولية على الفرد بأن يأخذ ذلك التوجيه بعين الاعتبار ويهتم به ويحفظه ويعمل به حتى لا يقع في الضرر (الفشل) ويكون ناجحا في حياته، فهذا هو أحد عوامل ومقومات النجاح التي وردت في كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة.