المراقب لعادات الناس وتقاليدهم يلاحظ: ان الافكار تسبق العقائد، والعقائد تسبق الافعال، والافعال تسبق العادات والتقاليد.
فالمعتقدات هي حجر الاساس في تصرفاتنا جمعيا ولكن تأثيراتها ليست بشكل مباشر دائما بل قد تكون بعيدة المدى، فمن المعتقدات تولد الافعال والتقاليد، ومن العادات تنمو شخصياتنا، ولا شك ان الشخصية هي التي تحدد مصائرنا، فالعادات لها سيطرة كبيرة علينا وان لم نشعر بها، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “للعادة على كل إنسان سلطان”.
ومن هنا كان الواجب أن نصحح الافكار لكي تتصحح المعتقدات، ثم نعمد الى تصحيح الافعال، ثم نكرر الفعل الصحيح، ونتجنب الافعال الخاطئة حتى نتعود على الخير ونترك الشر، “بغلبة العادات الوصول الى أشرف المقامات”. يقول أمير المؤمنين عليه السلام.
فمن أراد أن يغيّر عادةً سيئة فيه فليبحث عن جذورها، وليبدأ من الفكرة التي أدت تلك العقيدة التي كانت جذرا لمشكلة الفعل، ويُدخل الزمن في حسابه لكي يتعود على ما يخالفه.
فمثلا من تعود على الاستسلام للفشل في أمور فإن عليه ان يراجع جذور افكاره التي جعلته يعتقد ان الفشل قضاء من الله ــ تعالى ــ عليه، ويغيّر هذا المعتقد الذي ترسّخ لديه بسبب تكرار فشله.
⭐ إن العادة في الحقيقة هي الفعل بما يمثله من تفاعل بين الممارسة والزمن، فكما انك تعودت على شيء بفعل دخول عامل الزمن فيه (اي بفعل تكراره) كذلك فأنت قادر على تركه بفعل الاصرار على تركه ايضا
وبدلا عن ذلك يعتقد ان الله ــ تعالى ــ أراد لعباده النجاح، وهو القائل: “لم أخلقكم لأربح عليكم ولكن لتربحوا عليَّ”. ثم يُصر على النجاح ولو امور صغيرة حتى يتعود على ذلك، ويطرد (فكرة الفشل) وبذلك يبدّل (عادة الفشل) الى خلافها.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “غالبوا انفسكم على ترك العادات تغلبوها وجاهدوا اهواءكم تملكوها”.
- تدرّب على تغيير عاداتك
العادة إن كانت في خير فلا أفضل منها، ولا أحسن، وإن كانت في شر فلا أسوأ منها، ولا اقبح، فأفضل الخيرات ما تعوّدت عليه، كما ان أسوأ الشرور ما تعودت عليه أيضا.
ولذلك كان لابد من التعود على كل ما هو جيد وحسن، وفي ذات الوقت لابد من تغيير طل عادة سيئة قبل ان تتحكم في النفس، لان العادة كما يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “طبع ثانٍ”. وهي حينما تكون شرا فهي كما قال عليه السلام: “عدو متملّك” ومن هنا ايضا كان لابد من قمع التعود على الشر ولكن كيف؟
الجواب: ان العادة هي قولبة الطبع على شيء معين، وهي تأتي نتيجة تكرار العمل في فترات مختلفة حتى تألفه النفس وترتاح اليه، ومن المعروف ان الخير عادة والشر عادة، وكما لابد من التعود على الخير، لابد أيضا من التعود على قمع عادة الشر.
وقد تقول: كيف؟ خاصة وان للعادة على الانسان سلطانا؟
الجواب: إن العادة في الحقيقة هي الفعل بما يمثله من تفاعل بين الممارسة والزمن، فكما انك تعودت على شيء بفعل دخول عامل الزمن فيه (اي بفعل تكراره) كذلك فأنت قادر على تركه بفعل الاصرار على تركه ايضا.
ومن الملاحظ ان من يتعود على التدخين لم يتعود عليه لانه يحبه منذ البداية؛ فالنفس تشمئز من المواد المؤذية للرئة كالتدخين، الامر الذي يدفع الرئتين النظيفتين الى التعامل بطريقة سلبية معه، قبل ان يؤدي التكرارالمستمر الى إحداث تغيير في ذلك التعامل.
فأنت عوّدت نفسك على الدخان بفعل التكرار، إذن يمكنك ترك التدخين إذا كررت الابتعاد عنه.
ثم ان أفضل الاوقات لاكتساب العادات الحسن هي فترة الشباب، فمن شبّ على شيء شاب عليه، وربما تكون مرحلة الطفولة الحداثة ظرفا احسن من مرحلة الشباب.
فمن أراد لأولاده الخير فليعوّدهم عليه منذ الصغر، لان التعليم في الصغر كالنقش في الحجر، وكما يقول الشاعر:
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت
ولا يلينُ إذا قوَّمته الخشبُ
هذا بالنسبة الى الأولاد، أما بالسنبة لنا نحن الذي نحمل معنا منذ ايام الطفولة عادات سيئة تلقيناها إما من المجتمع، او من سوء التربية، او مما شابه ذلك؛ فكيف نستطيع التغلب عليها؟ وهل مثل الامر ممكن في الكِبر، كما هو ممكن في الصغر؟
والجواب: نعم، إن هذا أمرٌ ممكن يقول امير المؤمنين، عليه السلام: “غالبوا انفسكم ترك العادات تغلبوها وجاهدوا أهواءكم تملكوها”.
صحيح ان للعادة على الانسان سلطانا ولكن هذا السلطان لا يكون إلا إذا تركنا العادة تعمل من دون محاولة لتركها، والانفكاك منها، ولذا فمن غير الصحيح ما يقوله البعض: إنني تعودت على فعل كذا، او قول كذا ولا استطيع تركه.
⭐ إنك قادر حتما على أن تترك ما تعودت عليه، وهنالك عشرات الآلآف من الناس الذين غيّروا عاداتهم وهم في اعمار مختلفة، فتغيّرت أحوالهم
بل في بعض الاحيان يصل الامر الى ان يبحث عن أي مبرر لكي لا يترك عادته، ويتشبث بكل أمر تافه هاربا من التغيير، يُنقل انه كان هنالك رجل اسمه ابو اسحاق، كان ذات يوم جالسا في بيته إذ جاءه اصحابه فقالوا له: يا با اسحاق هل لك في الخروج بنا الى العقيق والى قباء، والى أُحد، ناحية قبور الشهداء؟ فهذا يوم طيب كما ترى.
فقال: اليوم يوم الاربعاء، ولست اربح منزلي.
فقالوا: وما تكره من يوم الاربعاء وهو يوم ولد فيه يونس بن متى عليه السلام؟
فقال: بأبي وأمي صلوات الله عليه، فقد التقمه الحوت!
فقالوا: نُصر فيه رسول الله، صلى الله عليه وآله، يوم الأحزاب.
فقال: أجل.. {وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}.
لقد كان الرجل قد تعود على الكسل فلم يكن يريد الخروج من داره، فكان يبرر ذلك بأي حجة ممكنة.
إنك قادر حتما على أن تترك ما تعودت عليه، وهنالك عشرات الآلآف من الناس الذين غيّروا عاداتهم وهم في اعمار مختلفة، فتغيرت أحوالهم.
فليس صحيحا أن يقول المرء: إنني غير قادر على ترك التدخين، بعد ان تركه عشرات من الناس.
كذلك ليس صحيحا ان يقول: إنني غير قادر على ترك الكذب، فهناك الكثير ممن تركوه.
كم من عادة جاهلية كانت في زمن النبي، صلى الله عليه وآله، فتركها الناس، وتعودوا على أضدادها.
إذن من الطبيعي أن نترك ما تعودنا عليه من سوء، غير ان الامر بحاجة الى تدريب، يقول امير المؤمنين عليه السلام: “الفضيلة غلبة العادة”.
واليك فيما يلي تمرينا بسيطا له تأثير كبير في ترك العادات السيئة:
خُذ مفكرة صغيرة ودوّن فيها نقاط قوتك في صفحة، ونقاط ضعفك في صفحة أخرى، اكتب مثلا كلمة الصدق باعتبارها نقطة قوة في صفحة، واكتب كلمة الكذب باعتبارها نقطة ضعف في صفحة أخرى، فإذا ما كذبت فضع علامة تحت الكذب، باعتبارها نقطة ضعف، بينما إذا صدقت فضع علامة تحت كلمة الصدق.
وهكذا يمكنك ان تكتب كلمات اخرى كالشجاعة والجُبن، فإذا ما واجهك موقف، وكان عليك ان تكون شجاعا وتصرفت كذلك، فأعطِ لنفسك علامة تحت كلمة الشجاعة، أما إذا خانتك الشجاعة فضع علامة تحت كلمة الجبن. حاول ان تفعل ذلك لمدة اسبوع، ثم اُنظر الى النتائج.
إن المقصود من هذا التدريب هو ان نلسط الاضواء على عاداتنا، ولا نتركه توجه حياتنا لا شعوريا، اي نكون على بينة من أمرنا، والهدف من وضع العلامات على نقاط الضعف او القوة هو أن ندوّن عدد المرات التي نفلح فيها في مقاومة الخطأ.
بالطبع لا يكفي أن نعرف ذلك فقط، وإنما لابد من محاولة السيطرة على الذات عبر مغالبة نقاط الضعف، فلو افلحت مرة في أن تمتنع عن صفة سئية كنت متعودا عليها، فسجّل ذلك كانتصار لك، وحاول مرة أخرى ان تسجل تغلبا على نقاط ضعفك الاخرى.
وهكذا ادخل في صراع مع عاداتك السيئة وحاول ان تتغلب عليها، واعمل بما قاله أمير المؤمنين، عليه السلام: “ذللوا أنفسكم بترك العادات وقودوها الى فعل الطاعات وحمّلوها أعباء المغارم وحلّوها بفعل المكارم وصونوها عن دنس المآثم”.