أقبلت سحب الظلام وهي تحمل الخوف والظلم والجور، فغمرت أرجاء المعمورة، فارتفعت الاصوات بين قتيل هنا واعتداء هناك؛ أرامل، ايتام، فقر وضياع، لا حكم للحق هناك، فقد اعتلى الباطل كرسي الحكم، وانطق بحكم الإعدام على الدِين شنقاً حتى ضياع الأمة، ولكن مثل ما قال الشاعر :لابد لليل أن ينجلي.
بزغت شمس ذلك اليوم، من سنة 61ه، وانتشرت أشعتها على سماء الأمة، معلنةً لعصر جديد، وحياة مشرقة، فارتقى الدم، إلى اعنان السماء ليضيء الأفق، وارتفع الرأس الشريف ليكون بداية الأمل.
- الأمل عودة الحياة
ما هو الأمل؟
وماهي علاقته بالحياة؟
الأمل: هو شعور عاطفي يتفاءل به الإنسان ويرجو به نتائج إيجابية لحوادث الدهر و تقلباته، حتى وإن كانت تلك النتائج الإيجابية صعبة أو مستحيلة الحدوث.
لنتصور أنك ركبت سيارتك، وقصدت مكان معين ما الذي يقول انك ستصل؟ أمَلك بالوصول أعطى لك الدافع، وهكذا إذا قرأت واجتهد، أملك أن تنجح، وأن تعبت وبذلت قصارى جهودك أملك بأن تحصد الثمار، فطبيعة البشر تتعلق بالأمل، فهو مصدر لنشاط الانسان ليعمل، ويجتهد ويتحدى الصعاب، فهو وقود هذه الحياة.
⭐ إن الإمام الحسين، عليه السلام، بدمائه الزكية، ركّز مفهوم ثقافة الأمل بين الشعوب، ومدى تجلياتها في الواقع لنجاح الأمة وتطورها
قال رسول الله، صلى الله عليه و آله: “الأمل رحمة لاُمّتي، ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها ولا غرس غارساً شجراً”، لهذا الأمل يحرك الإنسان ليصل إلى مبتغاه، وهذا ما نراه في الأشخاص المتفائلين كيف يثابرون ويجتهدون، فقد روي إن عيسى بن مريم، عليه السلام، بينما كان جالسا وشيخ يعمل بمسحاة ويثير به الارض، فقال عيسى: اللهم انزع عنه الأمل، فوضع الشيخ المسحاة واضطجع، فلبث ساعة فقال عيسى: اللهم اردد اليه الأمل، فقام فجعل يعمل.
لكن ما الأمل بالنسبة لضياع أمة وتكالب الطغاة عليها؟
الأمل الذي تمثّل بالإمام الحسين، عليه السلام، وقضيته العظيمة يوم عاشوراء، جعلت لهذه الأمة حياةً جديدة، وبثت الروح فيها، لتعيش حياة كريمة أمنة، لقد قدم الامام الحسين، عليه السلام، الكثير من التضحيات الكبيرة والعظيمة، التي نعجز ان نصفها، حتى أصبح ذلك الشهيد املَ هذه الشعوب وفرصتها في النجاة من بطش الطغاة بعد سنين عجاف عاشتها الأمة من الابتعاد عن المنهج القويم، وتسلط الظالمين على رقابهم.
رسمت عاشوراء الطريقَ الواضح لشعوب هذه الأمة، واعطتها القوة لتلملم جراحاتها، وتقف لتعود من جديد، امة عزيزة مقتدرة، فوجود الامام الحسين، عليه السلام، وحده، جعل تلك الشعوب تصمد وتقاوم وتجاهد، وان لا ترضى بالظلم أبدا، وهي تحمل مشعل الأمل الذي اوقده الامام، عليه السلام، وبنور الأمل قامت الثورات ونهضت الأمة وقُدمت التضحيات.
إن الإمام الحسين، عليه السلام، بدمائه الزكية، ركّز مفهوم ثقافة الأمل بين الشعوب، ومدى تجلياتها في الواقع لنجاح الأمة وتطورها، لتكون أمةً قوية تتصدى للظلم ولا تقبل بالطغاة، وتنعم بالطاقات وتحقق الانتصارات، مثل ما عبر عنها القران الكريم : {كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ}.
- اليأس قاتل الروح
إلا أن الخوف من النهضة الإسلامية التي قامت بفضل تضحيات الامام، وروح الأمل الذي تشكّل في ابناء الأمة، جعلت من الغرب يدخل في خطر، فقد أعادت هذه الحركة هواجس قيام دولة إسلامية في هذا العصر، لتمتد من الشرق إلى الغرب، تحطم احلامهم، و تهيمن على أرجاء العالم، لتعود الأمة الأولى.
وحتى يوقفوا هذا التقدّم العظيم الذي انتشر كالنار في الهشيم، و يمنعوا السيل الجارف لحضارتهم، الذي تمثل بالأمل، تحركت امواج الثقافة الغربية، بين المد والجزر، وغمرت ارض هذا الأمة التي نعمت بأمل جديد، فحملت على امواجها الثقافات الدخيلة، ومنها ثقافة اليأس، التي مهمتها القضاء على ثقافة الأمل.
فوصلت الأمواج إلى شعوبنا المؤمنة، فأغرقتها بالحياة المادية المزيفة، وعشعشت الامراض النفسية، وشاع الكسل، والخمول، بين شباب الأمة، واُصيب بشيء من القنوط والجمود.
إنّ ثقافة اليأس بطبيعتها تكرّس لمفهوم التقاعس، وعدم تحمل المسؤولية، فتجعل من الأمة المعطاءَة، أمة متخلفة ومنهزمة، وهذا أمر خطير، يجب الانتباه له، ومعرفة مدى تأثيره على المجتمع و شبابه، إذ يمكن ان يؤدي إلى الاكتئاب، والانطواء، وغيرها من الأمراض النفسية.
إنّ السبب الاول في ذلك هو ابتعاد الناس عن الدِين والقرآن الكريم، وعدم اقتدائهم بنور هذه الأرض، محمد واهل بيته، عليهم السلام، وهذا الفراغ الذي يملأهُ الدين، حلَّ مكانه القنوط والإحباط، لذلك كان من الضروري للمجتمع المؤمن الذي ينهل من معين علم القرآن الكريم وروايات أهل البيت، عليهم السلام، أن يستشعر الخطورة ، لأن الشريعة الإسلامية كانت ولا زالت صارمة في التعامل مع هذا الموضوع، إذ تعده من الكبائر التي يأثم عليها، لذا نهت عنها آيات القرآن الكريم، والاحاديث الشريفة، يقول ــ تعالى ــ : {وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ}.
⭐ إن ثقافة الأمل لا يمكن أن تغادر هذا الأمة أبدا، مهما عصفت بها رياح الثقافات الغربية
وعن الامام الصادق، عليه السلام: “إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ اَلْكَبَائِرِ عِنْدَ اَللَّهِ اَلْيَأْسَ مِنْ رَوْحِ اَللَّهِ وَ اَلْقُنُوطَ مِنْ رَحْمَةِ اَللَّهِ”. اذاً فلا بد لنا من الأمل، وان لا نجعل لليأس طريقاً للوصل إلى قلوبنا. اذا ما الحل؟
- المهدي أمل هذه الأمة
إن ثقافة الأمل لا يمكن أن تغادر هذا الأمة أبدا، مهما عصفت بها رياح الثقافات الغربية، لأننا مؤمنين، ولدينا النور الذي يرشدنا كلما تهنا وابتعدنا، قال ــ تعالى ــ: {وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ” اي لا تخلو من أمل، يحافظ على الأمة، ويأخذ بها إلى الصلاح، كما الامام الحسين، عليه السلام، الذي انقض الأمة، نعم حسين هذه الأمة الامام المهدي، عجل الله فرجه، وهو روحها، الذي يبث في انفسنا ثقافة الأمل من جديد، لنقف ونتحدى كل الثقافات المسمومة، فهو املنا بأن ننجح وتتكامل، ونعمل في هذه الدنيا .
إن الامام المهدي امتداد لجده الشهيد، فعلينا أن نستشعر وجود الامام في حياتنا، وان نطيعه في كل شيء، كما كان اصحاب الامام الحسين عليه السلام،حتى تكون النتيجة “ليملأ الأرض قسطاً وعدلا”.
وفي الختام؛ بين الحسين والمهدي امل هذه الأمة، اذا اردنا أن نحمل الأمل، لنمضي في طريق العزة والكرامة، ونواجه الظلم والطغاة، فلابد لنا أن نستشعر أهمية وجود أهل البيت عليهم السلام، في حياتنا، بالارتباط بهم، والالتفاف حولهم، يعني ثقافة الأمل، والابتعاد عنهم وعن منهج السماء يعني ثقافة اليأس.