نموذجان:
الأول: شاب في مقتبل العمر، وفي أوج شابه، مؤمنٌ و خلوق، لبى نداء المرجعية، يحمل على كتفه الكاميرا، يتنقل من نقطة تماس إلى أخرى إبان الغزو الداعشي لأرض العراق، متسلحاً بالعقيدة والايمان، همّه إيصال الحقيقة للعالم من خلال ما يملك من أدوات.
انتهت الحرب، وانتقل من تلكم الحرب العسكرية إلى الحرب الفكرية، أيام “ثورة تشرين”، تغير المكان والحدث، لكنه لم يتغير، واهدافه هي تلك الأهداف التي دافع عنها في الحرب السابقة، حتى طالته أيادي الغدر فارتقى شهيداً.
⭐ الشاب في بداية عمره لا يمتلك رؤية واضحة، ولم تنضج أفكاره بشكل يؤهله لتحديد الموقف، وتحليل الأحداث أنّى كانت، فهو لم يخض الكثير من التجارب
الثاني: شاب آخر، كانت حياته مرتعاً للشيطان، والانحراف والفساد، فلا هدف، ولا قيم، ولا دين، وفجأة ركب موجة التظاهرات، وأصبح ذلك الشاب قائد لثورة، ومناضل، حتى قُتل بطريقة ما، و سُمّي شهيداً! تُرفع صوره، ويتغنّى به الشباب حتى اصبح نموجاً للشباب للحر!
بين النمو ج الاول والنموج الثاني
نقف أنا وأنت، وجيلٌ كامل من الشباب ونتساءل: أي النموذجين نختار؟
ومن يمثل القدوة الحسنة لنا؟
و قبل كل شيء؛ ما هي القدوة؟
و مدى اهميتها؟
وما الطريق أو المنهج لمعرفة القدوة الحسنة لتكون انموذجاً يُحتذى به؟
وهل هنالك قدوات حسنة و اخرى سيئة؟
القدوة وأهميتها
القدوة تعني: الاقتداء بالغير، ومتابعته و التأسّي به، ويمكن ان يكون هذا الاقتداء مذموما، كما يمكن ان يكون محموداً.
أما أهميتهاانطلاقاً من قول أمير المؤمنين، عليه السلام: “ضلّ من ليس له حكيم يرشده”، نبين التالي: إن من أهم المراحل في دورة حياة الانسان، هي مرحلة الشباب، لأن الشاب في بداية عمره لا يمتلك رؤية واضحة، ولم تنضج أفكاره بشكل يؤهله لتحديد الموقف، وتحليل الأحداث أنّى كانت، فهو لم يخض الكثير من التجارب، فالمعونة قليلة، والثقافة فتية، والتجارب ناقصة، فهو يحتاج إلى من يرسم له برنامجاً متكاملاً، ويحدد له الأهداف، ويكون له المشعل الذي يُنير عتمة هذا العالم، ويعبّد له الطريق، ويبصّره مجريات الأحداث، لتُصقل شخصيته، وتتكامل بالشكل الذي يسهل عليه الخوض في مجريات الحياة، وهو مطمئن بوجود مرجع يعود اليه اذا التبست عليه الامور، وحتى لا يضيع الشاب في متاهات هذه الدنيا، فكان من المهم وجود دورة ارشادية متكاملة في حياته، وهنا تكمن أهمية القدوة في حياة الشاب، فهي تمثل الحصن القويم لكل شاب.
ولكن هل كل قدوة جديرة بالاتباع؟ فهناك فهنالك قدوة حسنة وأخرى سيئة، وحتى لا يكون الشاب مثالاً لحديث أمير المؤمنين، عليه السلام، “همجٌ رُعاع ينعقون مع كل ناعق”، فتأخذ بهم رياح العقل الجمعي يميناً وشمالا، فيتبعون هذا و ذاك.
من هنا ينبغي ان نعرف المنهج الذي يؤدي بنا لأختيار القدوات الحسنة، ولا منهج فوق منهج القرآن الكريم، يقول تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}. (سورة الأحزاب؛ الآية:21).
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ}، أيّ أن القدوة أمرٌ فطري أودعه الله فينا، و في داخل كلّ منّا شعورٌ يدفع به للبحث عن قدوة أو أسوة.
{فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، بمعنى أن من أهم القدوات التي يجب ان تكون أمام أعيننا و نتأسى بها هو الرسول محمد، صلى الله عليه وآله، ذلك النبي الأمين التي تجسدت فيه كل الفضائل والصفات الحسنة، فهو قدوة متكاملة وشاملة ينبغي على الجميع الاقتداء به وجعله منهجاً في حياته، كما كان أهل البيت، عليهم السلام، والاصحاب يقتدون بسيرة النبي الأكرم و بشخصيته، والقرآن الكريم يوضح لنا النموذج المتكامل، والسبيل الواضح لاختيار القدوة الحسنة، واذا اردنا ان نعرف صفات القدوة الحسنة، نظرنا الى القائد العظيم والرسول الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، ودرسنا حياته، و سيرته العطرة، وما يحمل منهجه من سُبل ترشدنا و تأخذ بنا إلى أن نتعرف على صفات القدوة الحسنة، ثم نسلك سبله.
جاء في الحديث عن الرسول محمد، صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تجلسوا عند كل داعٍ مُدّع يدعوكم من اليقين إلى الشكّ، ومن الاخلاص إلى الرياء، ومن التواضع إلى الكِبر، ومن النصيحة إلى العداوة، ومن الزهد إلى الرغبة و تقرّبوا إلى عالم يدعوكم من الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الاخلاص، ومن الشكّ إلى اليقين، ومن الرغبة إلى الزهد، ومن العداوة إلى النصيحة”. وهذا جزءٌ بسيط من صفات القدوة الحسنة.
وعن الامام الصادق، عليه السلام: “لا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء لأنه المنهج الأوضح، والمقصد الأصحّ. قال الله -عزّ وجلّ- لأعزّ خلقه محمد: {أولئكَ الذينَ هَدَى اللهَّ فَبهُداهُمُ اقتده}، فلو كان لدين الله –تعالى- مسلكاً أقوم من الاقتداء لندب أنبياءه و أولياءه إليه.
⭐ ينبغي ان نعرف المنهج الذي يؤدي بنا لأختيار القدوات الحسنة، ولا منهج فوق منهج القرآن الكريم
ولو تدبرنا في الآية المباركة: {أولئكَ الذينَ هَدَى اللهَّ فَبهُداهُمُ اقتده}، تتضح لنا الصورة، إن الله – سبحانه وتعالى- لم يخلقنا بدون منهج، ولم يتركنا تائهين، حاشاه، فقد بصرنا الطريق من خلال وجود الانبياء والمرسلين، والأئمة والعلماء العاملين، ثم أمرنا بالاهتداء بهم وبسيرتهم، {فبهداهم اقتده}.
مع كل هذه الحقائق، للأسف نجد بعض الشباب اختلطت عليهم الأوارق، وفقدوا البوصلة، فتركوا المنهج القويم والمسار الصحيح الذي وضعه الدين، والقرآن الكريم، فتراهم إما لا يُعيرون أهمية للقدوة في حياتهم، ويشكِلون عليها، أو يتشبثون بقدوات زائفة وفاسدة صنعها الإعلام الغربي، فتكون قدواتهم في الحياة؛ الممثلين، والمطربين، وعارضي الأزياء، ومشاهير التواصل الاجتماعي، ظناً منهم أن شهرتهم، وما يملكون، دليلاً على حسن سيرتهم، ونجاح حياتهم، والنتيجة: اتباع الشباب للملذات والشهوات والثقافة الجاهلية، فسلكوا طرق الضياع المظلمة.
وهذا عكس ما توفره القدوات الصالحة من تكامل ونجاح وعلو، على صعيدي الدنيا والآخرة.
وحتى لا نفقد البوصلة، من المهم ــ كوننا شباب ــ أن نستشعر أهمية وجود القدوة الحسنة في حياتنا، و مدى انعكاسها وتأثيرها على شخصيتنا، وان لا ننخدع بالعبارات المزخرفة التي تغطي الأجواء.
وختاماً؛ بين النموذج الاول والثاني، يتلألأ نور الشهيد أحمد المهنّة في سماء الجهاد والإباء والعقيدة، وليكون نموذجاً للقدوة الصالحة والحسنة لكل شاب.