أبناء الله يتولون عن ميثاق الله!
ربنا ــ سبحانه وتعالى ــ أخذ على بني اسرائيل الميثاق بأن يلتزموا بعدة أمور اساسية في العقيدة، والعمل الصالح، والممارسات العبادية، فماذا كان موقفهم وتعاملهم مع ميثاق الله؟
كان موقفهم سلبياً للغاية، حيث أعرضوا عن الميثاق ولم يلتزموا ببنوده وكان نبيّهم لا يزال بينهم. لنقرأ معاً الآية 83 من سورة البقرة: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
⭐ نلاحظ مجموعة متكاملة من البنود التي أخذ الله الميثاق من بني اسرائيل عليها، هذه البنود كافية لكي تبني مجتمعاً مؤمناً صالحاً مسؤولاً، ولكن ماذا كان موقف بني اسرئيل من هذا الميثاق؟
ولكن على أيّ شيء كان الميثاق؟
1- في العقيدة: {لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ}.
2- في العلاقات الأسرية: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ}.
3- الاهتمام بالفئات الضعيفة في المجتمع: {وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ}.
4- في العلاقات الاجتماعية: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}.
5- في العبادة الخالصة لله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}.
6- في العطاء والإنفاق: {وَآتُوا الزَّكَاةَ}.
نلاحظ مجموعة متكاملة من البنود التي أخذ الله الميثاق من بني اسرائيل عليها، هذه البنود كافية لكي تبني مجتمعاً مؤمناً صالحاً مسؤولاً.
ولكن ماذا كان موقف بني اسرئيل من هذا الميثاق؟
نقرأ في تتمة الآية قول الله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ}
ولم يكن التولي وعدم الالتزام أمراً طارئاً وعابراً، بل كان مصحوباً مع الإعراض أي مع سبق الاصرار: {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}.
وهكذا نشاهد هذا التولي والإعراض عن بنود الميثاق الالهي حالة واضحة وجليّة ومتواصلة في حياة بنى اسرائيل:
1- فقد عبدو العجل بدل عبادة الله: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}. (سورة البقرة/ الآية:93).
2- وطلبوا من موسى – حينما رأوا جماعة يعبدون الأصنام – أن يجعل لهم إلهاً كما لهؤلاء آلهة: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}. (سورة الاعراف/ الآية: 138).
3- وعندما رأوا قارون وثروته الهائلة تمنّوا أن يكونوا مثله في اكتناز المال والذهب والفضة دون التفكير في الانفاق والتضامن الاجتماعي: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.(سورة القصص/ الآية: 79). وهكذا في سائر البنود.
والغريب في أمر بني اسرائيل أنهم ارتكبوا أسوء المخالفات لدين الله، ولرسالته، ولرسوله وكان النبي موسى لا يزال بينهم، بينما كانوا يزعمون من جهة أخرى أنهم أبناء الله وأحباؤه من دون الناس، ففي الآية 18 من سورة المائدة نقرأ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}.
⭐ لا فرق في ذلك بين هذا العنصر وذاك، بين بني اسرائيل وغيرهم، بين اليهود واتباع سائر الاديان، فالمعيار عند الله ليس العنصر بل العقيدة والعمل الصالح
ولكن الربّ المتعال يردّ هذا الإدعاء ويفنّده بأنكم ترتكبون الذنوب، وأحباء الله يجب أن يكون نظيفين مبرّئين من الذنوب والمعاصي، ثم إن كنتم تزعمون أنكم أحباب الله، ولكن الله ليس كذلك، فهو لا يحبّكم لأنه يعذبكم بسبب ذنوبكم: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}. إذن، إنتم لا تملكون أيّة ميزة على سائر البشر حتى تترفعوا عليهم وتستبكروا في الأرض: {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ}.
لستم لا أبناء الله، ولا أحبّاؤه بشكل خاص ومن دون عمل يؤهلكم لذلك، بل أنتم كسائر الناس، منكم الصالح ومنكم الطالح. والطالحون منكم قد يستحقون العفو وقد يستحقون العقاب تماماً كسائر الناس، ولذلك فإنَّ الله: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}.
ولا فرق في ذلك بين هذا العنصر وذاك، بين بني اسرائيل وغيرهم، بين اليهود واتباع سائر الاديان، فالمعيار عند الله ليس العنصر بل العقيدة والعمل الصالح، وهو الذي يملك السماوات والارض واليه مصير كل الناس للحساب والجزاء: {وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.