قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه”
من شُعب الشك: التخوّف من المستقبل، وهو يعبّر عنه أمير المؤمنين بقوله: “ما بين يديه” أي ما يكون أمامه.
التخوّف من المستقبل يسبب التراجع والكسل، ذلك ان من يخاف أمامه يرجع الى خلفه، وهذه طريقة كل الناس، فحينما يسير الانسان في طريق فيشعر لسبب أو لآخر بالخوف من الاستمرار في ذلك الطريق يتراجع.
⭐ لكي يفقد الانسان الخوف من أي سبب لابد ان يلقي نفسه في أسباب الخوف
الحقيقة ان للخوف سبب داخلي، لان الاسباب الخارجية لا توحي للانسان بالخوف، ولا تزرع فيه الخوف، ولذلك نرى ان شيئا واحدا يسبب لإنسان خوفا، لكنه لا يسبب لآخر أي شيء من الخوف مع أن الامر واحد، فلا نستطيع أن نقول: أن الظلام سبب الخوف.
لان الحالة النفسية للانسان هي التي تدفعه للخوف من الظلام، ولا الحرب، والموت، او الحيوانات تزرع فيه الخوف، فمن يملأ نفسه برصيد كبير من التوكل على الله، والثقة بالنفس، والايمان، فبمقدار ما يزيد إيمانه يقلُّ خوفه، أما القلب الفارغ من الايمان فهو يخاف من كل صوت.
يتحدث القرآن الكريم عن المنافقين إذ يقول: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}، فالانسان المتردد في نفسه وفي الحياة يعتبر كل صيحة على نفسه، لكن الآمن لا يخاف من أية صرخة كانت.
الممتلئ ثقةً بالله، وثقة بالنفس، وموقن بسلامة الطريق الذي يسير عليه لا يخاف من شيء، فلا يوجد شيء أمامه يوحي بالخوف، ويكفي أن يخاف الانسان من الله وحسب، لانه خوف مشروع ويستحق أن يُخاف من الله: {ويُحَذركم اللهُ نَفسَهُ}، لاننا لا نستطيع ان نهرب من الله، فلا مبرر للخوف ــ مثلا ــ من الحيوان لانه كاسرا او قاتلا، فليس بالضرورة قادرا على قتل الانسان، ولكن إذا اراد الله بعبد سوأً فلا مرد له.
- العلاقة بين الشك والخوف؟
كلام أمير المؤمنين، عليه السلام، في الشك هو حول الشك مقابل الايمان، وليس الشك بشكل مطلق، وإنما الكلام يدور حول ما يؤمن به الانسان ثم يشك فيه؛ وذلك فيما يرتبط بالله، والآخرة، والقيم الالهية وما شابه.
“من هاله ما بين يديه” فالهيبة والخوف مرتبطان بجانب الخوف الداخلي المزيّف الذي لا يوجد له سبب معقول، يقول امير المؤمنين، عليه السلام: “الهيبة خيبة والخائف لا عيش له”.
⭐ الحقيقة ان للخوف سبب داخلي، لان الاسباب الخارجية لا توحي للانسان بالخوف، ولا تزرع فيه الخوف، ولذلك نرى ان شيئا واحدا يسبب لإنسان خوفا، لكنه لا يسبب لآخر أي شيء من الخوف مع أن الامر واحد
لكي يفقد الانسان الخوف من أي سبب لابد ان يلقي نفسه في أسباب الخوف، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “إذا خفت من شيء فقع فيه فإن شدة توقيه أكبر منه”، فمن يريد ان تزداد النار اكثر واكبر فإنه يلقي عليها المزيد من الوقود، ولكي تزداد شجاعتك لابد ان ترمي نفسك في وقود الشجاعة وبهذا فهو يرمي نفسه في اسباب الخوف، وسيكتشف حينها أن السبب الذي يخاف منه لم يكن مخيفا فعلا، إنما الانسان نفسه قد كبّر سبب الخوف وجعله شيئا مرعبا ومخيفا.
نحن فيما يرتبط بأمور الحياة كالأطفال؛ لو خوّفت طفلا من ريشة فإنه سيرتجف خوفا منها، بينما في الحقيقة الريشة الناعمة ليس سبب حقيقيا للخوف، والخوف الذي ينتابنا إنما هو نتيجة لاشياء خوّفونا منها ونحن اطفالا.
الشكاك بطل التراجع بينما المؤمن بطل الإقدام، فالأول يرجع كل يوم خطوة، والثاني يتقدم كل يوم خطوة الى الأمام، والخائف الذي يشك في المستقبل يُعرف من صفات منها:
أولا: أنه حينما يُعطى مسوؤلية لا يتحملها ويخاف ويقول: لستُ لها!
ثانيا: حينما يصبح مسؤولا عن عمل، فإن العمل يُحجّم بحجمه لانه لا يقتحم المستقبل، ولا يكتشف آفاقا جديدة، ولا يخطو الى الأمام.
ثالثا: يتراجع لأدنى الاسباب، بل هو من النوع الذي يفتش عن سببٍ للتراجع، فهناك نوعان من الناس؛ فنوع من إذا أُعطي مسؤولية يذهب مسرعا لتأديتها، ونوع آخر يفتش عن مبرر لتراجعه وفشله.
في المقابل هنالك المؤمنون الواثقون بالله ــ سبحانه وتعالى ــ وصفاتهم كالآتي:
اولا: صحيح ان الفرد من هذا النوع يخاف ان لا تُنجز المسؤولية عليه يديه لكنه يتحملها، بل ويبحث عنها، ويرى نفسه بحجم المسؤوليات، والحياة ترمي بأزمتها بين من يرى نفسه بحجم المسؤولية، ومن يرى في نفسه أنه قادر على تحمل المسؤوليات الكبيرة سيتحملها ويصل الى نتيجة.
ثانيا: كذلك حينما يتحمل المؤمن الواثق المسؤولية لا ينجزها فحسب، بل ويكتشف الجديد منها، ويقتحم المستقبل، ويجد وسائل جديدة تساعده في مسؤوليته.
ثالثا: لا تراجع عنده يقول الشاعر: لا تكونن للأمور هيبوبا.. فإلى خيبة يصير الهيوبُ.
أين يكمن أصل الخوف؟
النفوس على نوعين:
الأولى: نفسية ايجابية، وهذه النفس تمتاز بالصفات التالية:
- اليقين.
- الشجاعة.
- الحب.
- الحماس.
- الانفتاح.
- التجرد
- الثقة
الثانية: نفسية سلبية، لها صفات منها:
- الشك.
- الخوف.
- الحقد.
- الخور.
- الانقباض.
- الانانية.
- عدم الثقة.
هناك نوعين من الخوف؛ خوف مرفوض، وخوف مطلوب، وهو الخوف من المصدر الحقيقي للخوف، وهو الله ــ عز وجل ــ وقلبك إما أن يملأه الخوف من الله، او يمتلأ خوفا مما سوى الله، قال النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخاف الله من كل شيء”.
الطاغوت مع يملك من اسلحة، وشرطة وما اشبه، يخاف من إنسان عادي لا يملك إبرة ولكنه يملك القلب الشجاع.
الذي لا يخف الله، يخاف من كل شيء من حوله؛ من الحيوانات، والشمس، والليل، وما اشبه، والقلب اشبه بإناء إن ملأته بالماء النظيف اعطاك رونقا وجمالا واروى عطشك، وإلا سيمتلئ شيئا آخر.
⭐ التخوّف من المستقبل يسبب التراجع والكسل، ذلك ان من يخاف أمامه يرجع الى خلفه، وهذه طريقة كل الناس
والخوف من الله لا يعني انه ــ تعالى ــ مخيف، بل هو حبيب من تحبّب إليه، وهو الرفيق الأعلى، بل يُخاف من معصيته، ومن مقامه الذي هو الحُكُم والقضاء، ذلك لانه عادلا لا محسوبية عنده.
آيات كثيرة جاءت لبيان عدم الخوف من الناس أو من أي أحد غير الله؛ من الحوادث، والمستقبل، ومن المجهول، وأغلب الناس يخاف من المجهول، فيخاف بلا سبب للخوف، وهذه هي النفسية السلبية التي ترى الحياة سوادا، ومشاكل، وحوادث مؤسفة، اما النفسية الايجابية تختلف عن ذلك تماما.
النفسية الايجابية تضع نصب عينها الآية الكريمة: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ}. قال أمير المؤمنين، عليه السلام: لا ينبغي للعاقل ان يقيم على الخوف إذا وجد الى الأمن سبيلا”، فما دام هناك وسيلة لماذا يخاف الانسان؟
الاسباب التي يخاف منها الناس يجب ان تكون سببا للتوكل على الله، فالرب هو الرب، والديان لا يموت، فربُّ موسى، عليه السلام، هو ربُك، وربُّ أم موسى هو ربُّ أمهاتنا وكل مؤمنة.
إن اسباب شعور الانسان بالأمن حسب آيات القرآن الكريم أربعة أمور:
الاول: الايمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}
الثاني: الإصلاح.
الثالث: التقوى: { فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }، وهذه الآية اجتمع فيها السببان الثاني والثالث.
الرابع: الاستقامة: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا}.
- (مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرّسي حفظه الله).