ربما تكون الصدفة بتزامن حدثين مجلجلين في كيان الأمة يقع يوم السبت السابع من شهر تشرين الاول الجاري؛ أحدهما الانتصار العسكري الظافر لأبطال فلسطين على القوات الاسرائيلية، والآخر؛ تعرض سكان مدينة هرات في افغانستان لنكبة مؤلمة إثر زلزال مدمر أوقع اكثر من 2400 قتيلا.
في مكان من كيان هذه الأمة –الجسد الواحد ــ انتصارٌ عسكريٌ باهرٌ ومثلج للصدور، وفي مكان آخر آلام ومعاناة أهلنا في افغانستان جراء الزلزال الذي دمر حوالي ثلاثة عشر قرية، يسكنها حوالي 1.9مليون انسان.
فهل ثمة تناقض وتباعد في مشاعر المسلمين إزاء الحدثين المتزامنين؟
لا اعتقد بذلك، لأن أبطال حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين (حماس) عندما نفذوا هجومهم المباغت والصاعق على المستوطنات والمعسكرات الاسرائيلية في قطاع غزة، كانوا يحملون في قلوبهم نوايا الدفاع عن أهليهم وأرضهم المغتصبة، وليس استهداف المدنيين ونشر الخوف والرعب، كما يحاول إعلام العدو الصهيوني إيهام الرأي العالم الدولي بأن “اسرائيل تواجه إرهاب نظير إرهاب داعش”، في محاولة بائسة لتحشيد الرأي العام لصالحهم.
⭐ لا مفاضلة في الدعم والتضامن بين الشعبين الفلسطيني والافغاني مطلقاً، فالهمّ واحد، إنما الأولوية تؤشر الى جانب افغانستان المعدومة من كل الامكانيات، والمأزومة سياسياً واقتصادياً إلى حدّ النخاع
ولا ننسى القاسم المشترك بين فلسطين وافغانستان، ففي غزة نواجه بمزيد من مشاعر الألم، مناظر المفجوعين بازواجهم وابنائهم، والحالة الانسانية الخطيرة بعد فرض الاحتلال الصهيوني حصاراً ظالماً على القطاع، بقطع الماء والكهرباء والطرق المؤدية الى القطاع، وفي افغانستان نسمع عن آهات المفجوعين بضحايا الزلزال المدمر الذي بلغ نسبته 6على مقياس ريختر، ونشير بكل أسف الى تخلف إعلام الدول الاسلامية عن تغطية هذه المأساة المريعة بمقاطع الفيديو والتقارير الصحفية ليعرف المسلمون والعالم ما يجري في مدينة هرات غرب افغانستان.
وما أثارني حقاً؛ تقرير يتيم أعدته “رويترز” تقول فيه: “قال المتحدث باسم وزارة الكوارث في حكومة طالبان في أفغانستان جنان سيد في رسالة لرويترز”! بمعنى أن هذه الوكالة العالمية للأخبار حصلت على المعلومة من خلال الهاتف النقال، ولا وجود لمندوبي وسائل إعلام في مكان الكارثة، او للحوار مع المسؤولين في افغانستان لتغطية الحدث، ومعرفة الارقام الحقيقية للضحايا، وحجم الخسائر، والتفاصيل الاخرى المتمخضة عن الحادث مثل؛ تحرك جهود الإغاثة للمتضررين لحثّ البلاد الاسلامية على التعبئة للإسهام في هذه الجهود تضامناً مع شعب افغانستان الذي عاش طوال عقود من الزمن، الظلم والاضطهاد والحرمان، وهو محيط بدول اسلامية مستقرة اقتصادياً واجتماعياً وذات امكانيات لا بأس بها.
لا مفاضلة في الدعم والتضامن بين الشعبين الفلسطيني والافغاني مطلقاً، فالهمّ واحد، إنما الأولوية تؤشر الى جانب افغانستان المعدومة من كل الامكانيات، والمأزومة سياسياً واقتصادياً إلى حدّ النخاع، يكفي مشاهدة البيوت المهدمة بالزلزال لنعرف كيف كان يعيش المسلمون طيلة السنوات الماضية؟ وهل هم متصلون بالعالم الخارجي، وما فيه من تطور في المجالات كافة؟ ولماذا لم يكونوا كذلك أسوة بسكان مدينة كابل العاصمة –مثلاً- او بعض المدن الافغانية الاخرى. المؤسسات الدينية والثقافية، من هيئات، وحسينيات، وتجمعات خيرية وانسانية في العراق أثبتت جدارتها في رفد المتضررين بالزلزال في سوريا وتركيا بأطنان من مواد الاغاثة، من بطانيات ومفروشات وملابس ومواد غذائية ودوائية، وهي اليوم مدعوة لتكرار التجربة الناجحة تأكيداً منها على حيوية المشاعر الانسانية والدينية إزاء اخوانهم في افغانستان الذين يبيتون لياليهم في العراء مع زحف الطقس البارد على ربوع البلاد، و شعور قاتل بالوحدة تحت رحمة حكومة غير متخصصة في إدارة شؤون الناس وحمايتهم ورعاية مصالحهم وحقوقهم، مع شحّة معروفة بالإمكانات المادية واللوجستية، فهذا البلد يُعد من أفقر بلدان العالم.