أسوة حسنة

الأبعاد الإجتماعية لشخصية النبي الأكرم محمد

لم تجتمع الصفات والمُثل الأخلاقية الفاضلة كما اجتمعت في شخصية النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، فقد كان بسيرته العطرة يجسّد الصفات الأخلاقية عملا، الأمر الذي جعل من شخصية النبي الأكرم ذا تأثير كبير في ذلك المجتمع الذي انفصم عن الأخلاق الحميدة، والقيم الفاضلة، ولشخصية نبينا الاكرم، صلى الله عليه وآله، صفات أخلاقية نذكر بعضها بايجاز، مع الاشارة الى الاثر الاجتماعي لها:

  •  الشجاعة

 وصف الإمام علي  شجاعة النبي، صلى الله عليه وآله، في ميادين القتال وقد جمع الله ـ تعالى ـ انواع القوة في نبيه، صلى الله عليه وآله، القوة الإيمانية والقوة البدنية وفي أحلك المواقف بقوله: “كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله فما يكون منا  احد أدنى من القوم  منه”. (ابن حنبل المسند ج١ ص١٥٦).

 وقال أمير عليه السلام: “لقد رأيتني يوم بدر  ونحن  نلوذ بالنبي، صلى الله عليه وآله، وهو اقربنا إلى العدو وكان من اشد الناس يومىذ بأسا”. وفي معركة أحد وقف نبينا، صلى الله عليه وآله، كالجبل الاشم فقاتل هو ومن بقي معه في أرض المعركة مسطرا أروع صور الشجاعة بعد هروب المسلمين من أرض المعركة جراء الهزيمة التي تعرضوا لها بعد مخالفتهم امر النبي، صلى الله عليه وآله.

وفي معركة حنين فبعد أن فر أصحابه وبقي وحيداً في الميدان مع ثلة قليلة من أصحابه يطاول ويصاول على بغلته ويقول:

 انا النبي لا كذب

 انا النبي  ابن عبد المطلب. (الواقدي المغازي ج٢ص٩٨).

وفي المغازي أيضا وما زال في ارض المعركة وهو يقول: “إلي عباد الله الي عباد الله حتى رجع أصحابه إليه واعادوا الكرة على العدو فهزموه في ساعة النهار”.

  لم ينهزم، صلى الله عليه وآله، ولم يتعب بل كان في كل حروبه التي خاضها رابط الجـأش قوي الإرادة فأي صبر وشجاعة افضل من ذلك!

  • صفة التواضع

 التواضع يعني احترام الناس وعدم الترفع عليهم وهو خلق كريم وخلة جذابة تستهوي القلوب وتستثير الاعجاب والتقدير.

 تحدثت الآيات القرآنية عن صفة التواضع كما في قوله ـ تعالى ـ:  {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً}. (الفرقان الآية ٦٣). ودلّت بشكل واضح على أهمية التواضع وسمو مقام المتواضعين والتواضع يذيع ويبعث في النفس.

  • احترام الطرف الآخر

 ويبدو واضحا أن اول صفة ذكرها القرآن الكريم لرسول الله، صلى الله عليه وآله، هي صفة التواضع وهذا يدل على أن التكبر صفة رذيلة كما تمثل أخطر الرذائل الأخلاقية، قال الرسول، صلى الله عليه وآله: “رأس كل خطيئة حب الدنيا والحريص على الدنيا كدودة القز كلما لفت حول نفسها كلما ازدادت بعداً حتى تموت غما”

الرحمة الإلهية التي أعطيت للرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، شملت العالمين جميعا وهذا الأمر له ارتباط بعالمية الدعوة

 تجلى التواضع بأبهى صوره في أفضل خلق الله وأقربهم منزلة منه، ألا وهم الانبياء وفي مقدمتهم خاتمهم رسول الله، فقد كان، صلى الله عليه وآله، أشد الناس تواضعا وبعيداً عن الكبر فالمتتبع سيرته في مرويات أئمة اهل البيت، عليه السلام، وصف الإمام علي، عليه السلام، تواضعه بقوله: “لقد كان يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه ويركب الحمار العاري ويردف خلفه”.

وروي عن الإمام الباقر، عليه السلام: ” كان رسول الله يأكل اكل العبد ويجلس جلسة العبد وكان ص يأكل على الحضيض وينام على الحضيض”.

كان، صلى الله عليه وآله، يرفض ان يساوى بينه وبين الزعماء والملوك كملك الفرس وقيصر الروم فاراد ان يوضح للناس انه لم يكن زعيما ماديا فقط إنما حامل رسالة من السماء فهو القدوة والأسوة التي يقتدى بها المسلمون.

ان مصاديق التواضع التي ذكرتها في الروايات تعكس مساسها المباشر بالمجتمع لاسيما الفقراء والمساكين.

  • الصدق والامانة

 عندما يجتمع الصدق والأمانة تتشكل منهما أساس الشخصية الإنسانية السوية فالصدق هو الأمانة في القول، والأمانة هي الصدق في العمل.

 القرآن الكريم تحدث بهذا الخصوص عن أهمية الصدق كقوله ــ تعالى ــ:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. (سورة التوبة الاية:١١٩).

 وأبرز ما عُرف به نبينا الكريم، صلى الله عليه وآله، قبل بعثته صفتان تعد كل واحدة منهما أساسية في عملية التبليغ؛ هما الصدق والأمانة، حتى صار هذان اللقبان ملازمَين للنبي، صلى الله عليه وآله، فكان الناس يقولون في محادثاتهم: “الصادق الأمين”.

 وذكره أئمة اهل البيت، عليهم السلام، فى زيارتهم وادعيتهم فنعتوه بالصادق الأمين منها ماذكره الإمام الحسن العسكري عليه السلام: “إن محمداً الصادق الأمين المخصوص برسالة رب العالمين”

ووصفه الإمام علي، عليه السلام، وهو أقرب الناس اليه بقوله:  “كان اجود الناس كفا واوسع الناس صدرا وأصدق الناس لهجة واوفاهم ذمة”.(الغزالي احياى علوم الدين ج٤ ص ٣٢١٩).

وقال الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، في وصفه: “كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، أصدق البرية لهجة”، وقال عليه السلام أيضا: “إن الله عز وجل  لم يبعث نبيا إلا بصدق الحديث واداء الأمانة إلى البر والفاجر”.  (الكليني الكافي ج٩ ص٩).

  • الرحمة الالهية

 الرحمة من الصفات الإلهية الخاصة بالله ــ عز وجل ــ وقد أودعها الانبياء لاسيما نبينا محمد، صلى الله عليه وآله، خاتم الانبياء، وقد أرسله الله رحمة للعالمين، فهو في نفسه رحمة وشريعته رحمة ودعوته رحمة قال ــ تعالى ــ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

وهذا ما أشار اليه الإمام أمير المؤمنين علي، عليه السلام: “بيعثك نعمة ورسولك بالحق رحمة”، وقد أوضح أمير المؤمنين، في هذا النص النعمة الكبيرة، والرحمة الواسعة التي انعم الله ــ تعالى ــ بها على هذه الأمة فاهتدى الملايين من أفراد البشرية وانقادت إلى تعاليم الإسلام السامية.

إذ ان الرحمة الإلهية التي أعطيت للرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، شملت العالمين جميعا وهذا الأمر له ارتباط بعالمية الدعوة المحمدية، والاية التي ذكرت أعلاه سجلت الفضل الكبير لنبينا، صلى الله عليه وآله، على البشرية جمعاء، وللمؤمنين بشكل خاص.

 أشارت المصادر إلى أحاديث أئمة اهل البيت، عليه السلام، شجعت على الرحمة والتراحم بين الناس كونها أفضل وسيلة للتعايش في المجتمع الواحد؛ منها ما روي عن الإمام جعفر الصادق، عليه السلام: “من لا يَرحم لا يُرحم”، وقوله: لا يَرحم الله من لا يرحم الناس”.

 وقد أكد أئمة اهل البيت، عليهم السلام، على الحقوق الاجتماعية التي أكد عليها الإسلام  لتعزيز العلاقات الحسنة مع الأقارب، وما عرف بصلة الرحم وقد وردت أحاديث نبوية شريفة، وروايات عن أهل بيت النبوة، تحث المؤمن زيارة ذويه و أقاربه وتفقدهم وبرهم وان يساعد محتاجهم ويغيث المكروب منهم.

قال الإمام الصادق، عليه السلام، حدثني ابي عن جدي عن رسول الله ص أنه قال: “أن الرحم حبل ممتد من الأرض إلى السماء يقول قطع الله من قطعني ووصل من وصلني”. ولعل من أسمى مراتب العفو والرحمة التي تعامل بها النبي، صلى الله عليه وآله، مع المشركين حين قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

  • الجود والكرم المحمدي

الجود والسخاء من علائم الإيمان وقوة الشخصية وسمو المكانة الاجتماعية للشخص  بينما البخل من علامات ضعف الإيمان وفقدان الشخصية للانسان البخيل.

 توجد روايات وأحاديث ورد فيها تعبيرات كثيرة وشامخة حول الجود والكرم  ومن تلك النماذج ماقاله النبي، صلى الله عليه وآله، السخاء خلق الله الأعظم وقول الإمام علي، عليه السلام: “غطوا معايبكم بالسخاء فأنه ستر العيوب”، وقال ايضا: “السخاء يمحص الذنوب ويجلب محبة القلوب”.

وصفة الكرم من الصفات الأخلاقية التي اتصف بها نبينا، صلى الله عليه وآله، وشجع عليها فالمجتمع لا يستقيم ولا يسعد حتى يعطف الموسورون من الأمة على الفقراء والمعوزين بما يخفف عنهم آلآم الفاقة ولوعة الحرمان وحتى يستشعر أفراده بالتلاحم التعاطف وبذلك يغدو المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.

روي عن الإمام علي، عليه السلام، أنه قال: “كان رسول الله اجود الناس كفا وأكرمهم عشرة من خالطه فعرفه احبه.

 وعنه، عليه السلام إنه كان إذا وصف رسول الله يقول: “كان أجود الناس كفا واجرا الناس صدرا وأصدق الناس لهجة واوفاهم ذمة والينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه لم أرَ قبله ولا بعده مثله”. (الطبرسي مكارم الأخلاق ص:١٧).

⭐ أبرز ما عُرف به نبينا الكريم، صلى الله عليه وآله، قبل بعثته صفتان تعد كل واحدة منهما أساسية في عملية التبليغ؛ هما الصدق والأمانة، حتى صار هذان اللقبان ملازمَين للنبي، صلى الله عليه وآله

وكان النبي، صلى الله عليه وآله، يؤثر الناس على نفسه حتى في طعامه وملبسه قال الإمام جعفر الصادق: “كان علي، عليه السلام، أشبه الناس طعمة وسيرة برسول الله، صلى الله عليه وآله، وكان يأكل الخبز والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم”.

وكان، صلى الله عليه وآله، يحب صفة الكرم ويشجع الناس على التحلي بها فقد عفا النبي، صلى الله عليه وآله، عن ابنة حاتم الطائي وهي كافرة وسبية لا لشيء، سوى أنها ذكرته بأنها ابنة ذلك الرجل الكريم.

  • اريحيته الاجتماعية مع الاخرين

  وردت روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، سلّطت الضوء على العلاقات الاجتماعية بين الرسول صلى الله عليه واله وسلم، و الطبقات الاجتماعية المختلفة طوال البعثة النبوية؛ فقد امتازت العلاقات الاجتماعية بين النبي صلى الله عليه واله وسلم، والمسلمين بالطول نسبيا كونها ابتدأت منذ العهد المكي وانتهاءً بالعهد المدني.

وقد ورد عن الإمام الحسين، عليه السلام، عن ابيه الإمام علي، عليه السلام، رواية وصف بها السيرة الاجتماعية لجده المصطفى، صلى الله عليه وآله، نصها: “فإذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزء لله وجزء لأهله وجزء لنفسه ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس”.

هكذا كان النبي، صلى الله عليه وآله، سباقا في جميع أبعاد حياته الفردية والاجتماعية إلى العمل بكل ما دعا الناس اليه، وهذا ما أدى إلى جاذبيته المنقطعة لكل المسلمين وان التحلي بالركائز الخلقية العالية هو ما ميزه، صلى الله عليه وآله، كيف لا، وهو الذي وصفه القرآن الكريم :{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.  (سورة القلم الآية ٤).

فمن نعم الله ــ تبارك وتعالى ــ أن هيأ لنبيه المصطفى، جميع أسباب الرفعة والشرف وعلو المنزلة واسبغ عليه جميع الخصال التي توهله للقيام باعباء الرسالة العظمى التي اصطفاه من أجلها واختاره لها وجعله أسوة حسنة نقتدي بها.

ما ذكرناه من اجتماع تلك الصفات الخلقية للنبي، صلى الله عليه وآله، تكاد تكون معجزة الحياة في الإنسان إذ لم يحدثنا التاريخ عن انسان اجتمعت فيه كل الصفات الخلقية سوى نبينا صلى الله عليه واله وسلم، نعم حدثنا عن بعضهم اتصف بالصبر والبعض الآخر مضروب المثل بالكرم وذاك في الشجاعة وهكذا تتفرق الصفات على نماذج متعددة إلا في شخصية النبي صلى الله عليه واله وسلم، فإنها مجتمعة فيه وهو القائل: “ادبني ربي فأحسن تأديبي” وهذا هو سر الإعجاز الانساني في شخصية النبي صلى الله عليه واله وسلم.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا