- مقدمة قرآنية
القرآن كتاب الله الخالد وخطابه لهذا الإنسان الذي لا يشبهه أي خطاب آخر، وأعلم الخلق بالقرآن مَنْ خُوطب وبُعث به من الرَّحمن ألا وهو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ولذا ورد الكثير من الأقوال عنه فيما يخص القرآن كقَوله: “فَضْلُ اَلْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ اَلْكَلاَمِ كَفَضْلِ اَللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ”، وقوله: “اَلْقُرْآنُ أَفْضَلُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَ اَللَّهِ فَمَنْ وَقَّرَ اَلْقُرْآنَ فَقَدْ وَقَّرَ اَللَّهَ وَمَنْ لَمْ يُوَقِّرِ اَلْقُرْآنَ فَقَدِ اِسْتَخَفَّ بِحُرْمَةِ اَللَّهِ وَحُرْمَةُ اَلْقُرْآنِ عَلَى اَللَّهِ كَحُرْمَةِ اَلْوَالِدِ عَلَى وُلْدِهِ”، وقوله: “اَلْقُرْآنُ مَأْدُبَةُ اَللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مَأْدُبَتَهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ إِنَّ هَذَا اَلْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اَللَّهِ وَهُوَ اَلنُّورُ اَلْمُبِينُ وَاَلشِّفَاءُ اَلنَّافِعُ”، فكلام الله لا يُقاس به الكلام ولا حتى سادة المتكلمين الذين وُصف كلامهم: بأنه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، وهم أئمة الهدى من آل محمد صلوات الله عليهم.
- الإمام الحسن العسكري شباب الأئمة عليهم السلام
ونحن في هذه الأيام نعيش مصيبة وهي ذكرى استشهاد الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، الذي سجنوه طيلة عمره الشريف في مدينة العسكر سامراء ولم يدعوه يغادرها إلا إلى جنان النَّعيم، حيث دسَّت له السَّم السُّلطات العباسية وهو في ريعان الشباب ولم يصل عمره المبارك إلى الثلاثين بل استشهد في (28) من عمره مأسوفاً على شبابه الغض، وعلمه الغزير، وقرآنه المسموم، وشهادة المظلوم.
ولكن ما يجب أن نلاحظه ولا سيما شبابنا الأعزاء ومستقبلنا في قادم الأيام هذا الجيل العزيز والشباب من أبنائنا وأحبتنا أن هذا الإمام العظيم الذي يجب أن يكون قدوة لكل الشباب ونبراساً لهم وأسوة في حياتهم لأنه يمثِّل شباب آل محمد، في أجمل وأرقى وأنقى صورة يمكن أن يكون عليها الشَّاب المؤمن في حياته هذه، كيف لا وهو الذي قضى حياته المباركة في خدمة القرآن تلاوة، وتفسيراً، وتأويلاً، ودفاعاً عن القرآن بكل ما أوتي من قوة، وعلم، ومنطق.
⭐ جميل جداً أن ينتبه شبابنا الأعزاء إلى هذا النور العظيم وهذه الصحيفة الرَّبانية التي هي بين أيديهم ولا يخلو منها بيت من بيوتهم ألا وهو القرآن الحكيم فيتلونه ويتعلمون قراءته
الإمام الحسن العسكري، عليه السلام بحق وصدق يمثِّل شباب القرآن في هذه الدنيا، وجميل من شبابنا أن يدرسوا بدقة ويبحثوا عن تفاصيل حياة الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، وكيف كان في سجن صغير لأيام، أو موسَّع في مدينة العسكر سامراء وبين أولئك الجنود من كل شكل ولون بتنوع طبائعهم وغرائزهم، ومناطقهم، إلا أنه ورغم كل التضييق عليه استطاع أن يفعل ما يحتاج إلى مؤسسة كبيرة، وأجهزة متكاملة من الموظفين والأجهزة الكثيرة ليفعلوا ما فعله خلال سنوات عمره تلك، بحيث أن أملى وكُتب عنه أكبر موسوعة في تفسير القرآن الكريم عبر التاريخ حتى اليوم.
حيث ينقل ابن شهر آشوب عن (الحسن) بن خالد البرقي: (من كتبه: (تفسير العسكري من إملاء الإمام (عليه السلام) مائة وعشرون مجلد، وأن الذي بين أيدينا وما يُعرف بـتفسير الإمام العسكري، من مجلدين ما هو إلا مجلد واحد من تلك الموسوعة العملاقة، والتي اشتغل فيها الإمام يملي على اثنين من طبرستان لمدة تجاوزت السبع سنوات من عمره الشريف أي أنه بدأ بإملائه عليهما التفسير وهو في العشرين من عمره المبارك، كما ورد في مقدمة التفسير المشار إليه قوله: ([قد] وظَّفت لكما كل يوم شيئاً منه تكتبانه، فألزماني وواظبا عليَّ يوفِّر الله تعالى من السعادة حظوظكما)، (فأول ما أملى علينا أحاديث في فضل القرآن وأهله، ثم أملى علينا التفسير بعد ذلك، فكتبنا في مدة مقامنا عنده، وذلك سبع سنين، نكتب في كل يوم منه مقدار ما ننشط له..) (تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص9).
فأي حظ لهذين الشابين، وأي سعادة شملتهما أن رافقا سيدهما ومولاهما وإمام زمانهما لأكثر من سبع سنوات وعلاوة على ذلك أنهما كانا يكتبان عنه تفسير القرآن الكريم، فأي سعادة وعظمة وبركة ونور كانا فيه، فإنها السعادة الكبرى أيها الشباب المؤمن التي ما بعدها سعادة؟
- شباب القرآن الحكيم
جميل جداً أن ينتبه شبابنا الأعزاء إلى هذا النور العظيم وهذه الصحيفة الرَّبانية التي هي بين أيديهم ولا يخلو منها بيت من بيوتهم ألا وهو القرآن الحكيم فيتلونه ويتعلمون قراءته القراءة الصحيحة، ثم يعتنوا بتلاوته التلاوة السَّليمة، ثم بعد ذلك ليبحثوا عن تلك المعاني الراقية في التفسير والتأويل لا سيما المنقول عن أهل بيت العصمة والطهارة من آل محمد، الذين هم أعلم خلق الله بالقرآن لأنهم القرآن الناطق، والذين كانوا قرآناً يمشي على قدمين في هذه الحياة ومنهم إمام الشباب القرآني الإمام الحسن العسكري، عليه السلام.
وليعلم هؤلاء الأعزاء أن الفضل كل الفضل، والخير كله في الشَّباب المؤمن الذي يكرِّس حياته وفكره لتعلُّم القرآن والتدبُّر في آياته والتفكُّر في حِكمه والاعتبار بقصصه الرائعة، ولذا قال النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “حَمَلَةُ اَلْقُرْآنِ هُمُ اَلْمَحْفُوفُونَ بِرَحْمَةِ اَللَّهِ اَلْمَلْبُوسُونَ نُورَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا حَمَلَةَ اَلْقُرْآنِ تَحَبَّبُوا إِلَى اَللَّهِ بِتَوْقِيرِ كِتَابِهِ يَزِدْكُمْ حُبّاً وَيُحَبِّبْكُمْ إِلَى خَلْقِهِ يُدْفَعُ عَنْ مُسْتَمِعِ اَلْقُرْآنِ شَرُّ اَلدُّنْيَا وَيُدْفَعُ عَنْ تَالِي اَلْقُرْآنِ بَلْوَى اَلْآخِرَةِ وَاَلْمُسْتَمِعُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ خَيْرٌ مِنْ ثَبِيرٍ ذَهَباً وَلَتَالِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ خَيْرٌ مِنْ تَحْتِ اَلْعَرْشِ إِلَى تُخُومِ اَلسُّفْلَى”.
المسألة جداً هامة وضرورية – أيها الأحبة- فهي تحدد حياتك ومستقبلك في الدنيا والآخرة، فإذا كنت في شبابك وجعلت نفسك وشبابك في خدمة القرآن الحكيم فإن الله الذي أنزل القرآن سيجعل لك نوراً تمشي به في الناس، ويخلق في قلبك راحة، وفي حياتك سروراً لا ترى الشَّقاء أبداً وتلك هي السعادة التي يبحث عنها كل الناس ولا يجدونها فستكون لك هدية من الله تعالى ببركة القرآن الحكيم ونوره العظيم الذي سيغمر حياتك.
⭐ ليعلم هؤلاء الأعزاء أن الفضل كل الفضل، والخير كله في الشَّباب المؤمن الذي يكرِّس حياته وفكره لتعلُّم القرآن والتدبُّر في آياته والتفكُّر في حِكمه والاعتبار بقصصه الرائعة
وهذا ما قال رسولنا الأكرم، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: “إِنْ أَرَدْتُمْ عَيْشَ اَلسُّعَدَاءِ وَمَوْتَ اَلشُّهَدَاءِ وَاَلنَّجَاةَ يَوْمَ اَلْحَسْرَةِ وَاَلظَّلَلَ يَوْمَ اَلْحَرُورِ وَاَلْهُدَى يَوْمَ اَلضَّلاَلَةِ فَادْرُسُوا اَلْقُرْآنَ فَإِنَّهُ كَلاَمُ اَلرَّحْمَنِ وَحِرْزٌ مِنَ اَلشَّيْطَانِ وَرُجْحَانٌ فِي اَلْمِيزَانِ”، فمَنْ منَّا لا يريد عيش السُّعداء أيها الأعزاء؟
وليعلم الجميع – أيها الشباب- أن القرآن الحكيم هو الذي يكسبكم الغِنى الذي ليس معه فقر أبداً، والترك والابتعاد عن القرآن هو الفقر الذي لا غنى معه لأنه ابتعاد عن الله تعالى والله الغني وأنتم الفقراء إليه، ولذا قال، صلى الله عليه وآله: “اَلْقُرْآنُ غِنًى لاَ غِنَى دُونَهُ وَلاَ فَقْرَ بَعْدَهُ”، وهذه الحقيقة يجب أن تكون نصب أعيننا جميعاً فالقرآن الحكيم متَّصل بالله الغني الكريم، والمتصل بالنبع لا يمكن أن يحتاج لغيره أبداً.
- الدفاع عن القرآن الحكيم
وشباب الأمة في هذا العصر يمرون باختبار وامتحان عصيب وعجيب وهو تعرُّض القرآن الحكيم والرسول العظيم إلى حملة كبيرة من الأعداء الذين يريدون إسقاط هذه الأمة وقد عرفوا أنها لن تسقط والقرآن بين يديها، والرسول الكريم في قلوبها تعظِّمهما وتقدِّسهما وتوقِّرهما لأنهما أهل لذلك وهذا ما نراه ونسمعه في كل حين من تلك الدول المارقة عن كل القوانين والأعراف، والداعرة في كل المقاييس القيمية والفضيلة كالسويد والدانمارك وأشباههما ممَّن ارتهنوا للصهيونية المجرمة، ويحاولون تشويه صورة الحبيب المصطفى، ويحرقون القرآن الحكيم ظناً منهم أننا سنسكت على تلك الجريمة النكراء لهم.
بل سنتخذ من الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، الذي يمثل شباب القرآن في دفاعنا عنه بكل ما أوتينا من قوة وفكر وعلم فقد روي أن القرآن الحكيم كان يتعرَّض إلى محاولة اختراق من شخص ليس بالعادي إنه فيلسوف العراق والعرب في عصره وهو إسحاق الكندي الذي أخذ في تأليف كتاباً عن تناقض القرآن، وشغل نفسه بذلك وتفرَّد به في منزله ولكن الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، جعله يحرق كل ما كتبه ويتراجع عن خطته الجهنمية تلك بموقف جميل عن طريق أحد تلاميذه الذي قال له الإمام، عليه السلام،: “أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمَّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟ ثم أعطاه الخطة لذلك، بقاله: فصِر إليه وتلطف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها فإنه يستدعي ذلك منك فقل له: إن أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها وأنك ذهبت إليها؟ فإنه سيقول لك: إنه من الجائز؛ لأنه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيكون واضعاً لغير معانيه.
وقام الرجل بمهمته فلما ألقاها على أستاذه، استخبره عن مصدرها، فقال: أمرني به أبو محمد، عليه السلام،، فقال: الآن جئتَ به، وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت، ثم إنه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألفه. بهذه الطريقة والأسلوب العسكري الراقي علينا أن ندافع عن القرآن الحكيم لا سيما وأننا من أبناء الحوزة القرآنية كما يسمُّونها، وهي حوزة الإمام القائم، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، وهي تهتدي وتسير تحت عباءة سماحة السيد المجدد آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، دام ظله، وقد قضى عمره الشريف في التدبر بالقرآن الحكيم وتفسيره.