حسناً كتب أحد المؤمنين من خدمة زائري الامام الحسين، عليه السلام، هذه العبارة على واجهة موكبه الخدمي هذه الايام، معرباً عن فهمه من قضية الامام، وما تحمل من مبادئ وقيم، وأنها تمثل بالنسبة له مدرسة هو فيها تلميذ صغير يتعلم الأخلاق والآداب، ثم القضايا الكبرى مثل؛ الشريعة، والحرية، والعدل، والمساواة، ومفاهيم دينية واجتماعية اخرى.
ما نعرفه من ثقافة الخدمة في الزيارة الاربعينية منذ زمن بعيد؛ تجاهل الذات والرغبات النفسية وتجسيد كل ما يتعلق بالامام الحسين في السلوك، فمن يقدم مختلف اشكال الخدمة في هذه الزيارة، يفترض أن ينسى نفسه الطامحة دائماً للظهور والمديح والشهرة والتأثير على الآخرين، ويتذكر إمامه الذي ضحى بكل هذه الرغبات، وهو آخر ابن بنت نبي على وجه الأرض، بل وضحى بدمه، وبابنائه وأهل بيته من اجل قيم الأخلاق والدين، وان يكون الالتزام بها هو صك الرضوان يوم القيامة، لا شيئاً آخر.
من يبحث عن “الشرف” و”الفخر” في الخيمة التي يوزع منها مختلف انواع المشروبات والأطعمة، ويوفر السكن المجاني للزائرين وغيرها كثير، ما عليه سوى أن يبحث عنها في الطريقة التي اكتسب بها الامام الحسين هذه المنزلة العظيمة في نفوس العالم أجمع، حتى يتعلم منه ويقتدي به، وإلا فانه، عليه السلام، لا حاجة له بمن يخدمه، فهو في عليين، إنما المحتاج للخدمة؛ من يزوره من مختلف بقاع العالم، لاسيما من ذوي الدخل المحدود ممن يأتون من البلاد البعيدة، متجشمين عناء السفر براً لمسافات طويلة، ومنهم من ادخر اموالاً لسنين طوال لتغطية تكاليف رحلته الى كربلاء المقدسة وزيارة الامام الحسين في هذا اليوم تحديداً.
هؤلاء الزائرين هم من يبحثون عن الامام الحسين ليخدموه بأنفسهم وأموالهم وكل ما لديهم، ويساهموا بهذه الزيارة المليونية بإخبار أهل العالم بأن في كربلاء المقدسة شخصية انسانية لم يشهد لها التاريخ البشري نظيراً في تضحيتها من اجل القيم والمبادئ، كما فعل أصحابه يوم عاشوراء بالتضحية بأرواحهم وأهليهم لنصرته في تلك المعركة التاريخية الفاصلة.
إن خدمة هؤلاء هي خدمة للإمام الحسين، فعندما يعودون الى ديارهم بعد انتهاء موسم الزيارة لهذا العام سينقلون ليس فقط مشاهد تقديم الطعام والشراب والسكن وغيرها، وإنما مواقف أخلاقية، ومظاهر دينية مع سلوك حسن يعكس ثقافة صاحب هذه المناسبة، بل ويتطابق –الى حد ما- مع معالم شخصيته وصفاته، عليه السلام، فقد كان محبّاً للصلاة في وقتها، ومحبّاً لقراءة القرآن طوال ايام السنة، وكان حساساً جداً لأمر الحجاب والعفّة للمرأة، وهكذا سائر الصفات المكونة لشخصية الايمانية المتكاملة.
وهل ينتهي الأمر لأيام معدودة؟!
بالطبع كلا؛ وإلا سنقع في مطب ثقافي خطير يحول هذه المراسيم ذات الطابع الديني المحض، الى طقوس وكرنفالات ذات طابع شعبي مستقاة من عادات وتقاليد الآباء كما نشهده لدى شعوب تحتفل بأزيائها، او بزراعتها، او بقدوم الربيع، ثم تنتهي العروض بانقضاء يومها، وينفضّ الناس المتجمهرين في الشوارع، ويعودون الى حياتهم الطبيعية، بيد إن خدمة الامام الحسين بما لدينا من رغبات ومشاعر، وكل ما تحمله قلوبنا من حب و ولاء في شهري محرم وصفر، يعني تعبئة روحية وأخلاقية، وتجديد للثقافة وفق المواصفات الحسينية لتكون كافية خلال أشهر السنة في حياة الافراد في البلد الواحد او في جميع البلدان التي توالي الامام الحسين، عليه السلام.