التكافل الاجتماعي قيمة علْيا من قيم ثقافة عاشوراء، وفي زيارة أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام، تتجسد هذه القيمة الاجتماعية بطريقة مذهلة، حيث يتكافل ملايين الناس فيما بينهم، ويتم التعاون الجماعي على تذليل المصاعب التي من المتوقّع أن يواجهها الزائر الحسيني القادم من بلدان أو من مدن بعيدة، مما يتطلب من محبّي أهل البيت والسائرين على نهجهم أن يكفلوا لهذا الزائر الكريم كل مستلزمات الراحة.
ولهذا نلاحظ انتشار آلاف المواكب الحسينية على جوانب الطرق والشوارع الرئيسة، لتكفل لجميع زوّار أبي عبد الله الحسين كل ما يحتاجونه من طعام ومشرب ومنامٍ واغتسال وما إلى ذلك من مستلزمات أخرى يسعى الجميع لتوفيرها عن طيب خاطر للزائر الكريم، هنالك الكثير من أصحاب المواكب الحسينية يستعدون لتقديم هذه الخدمات منذ اللحظة الأولى التي تنتهي فيها مراسيم زيارة الأربعين، ويبقى هؤلاء يجمعون الأموال والمواد الأخرى على مدى عام كامل وصولا إلى زيارة الأربعين في السنة المقبلة.
هذا الاستعداد السنوي إن دلّ على شيء فإنما يدل على عظمة قيمة التكافل التي يبديها محبّو أهل البيت، عليهم السلام، وقد ترسّخت هذه القيمة عند الجميع، وباتت واحدة من أهم القيم التي يعتمدها الناس في علاقاتهم اليومية ويعيشونها بشكل دائم، لتجعل من حياتهم أفضل وأقل تعقيدا رغم مصاعب الحياة الكثيرة المستمرة.
⭐ هذا الاستعداد السنوي إن دلّ على شيء فإنما يدل على عظمة قيمة التكافل التي يبديها محبّو أهل البيت، عليهم السلام، وقد ترسّخت هذه القيمة عند الجميع
تنعكس قيمة التكافل الاجتماعي في زيارة الأربعين على سلوك الناس، وتترسخ في عقولهم، وتصبح منهجا سلوكيا يوميا يبقى يرافق نشاطاتهم وعلاقاتهم، فكثير من الناس يصحون صباحا على طرقات الأبواب وما أن يفتحوا للطارق حتى يفاجئهم صحن من المأكولات يقدمها الجار مجانا إلى جاره، تعبيرا له عن الاهتمام والتعاون والتكافل وزرع المحبة والمودّة فيما بينهم، ليس المهم هو نوع الأكل، وإنما الأكثر أهمية هو هذا السلوك التكافلي الأخلاقي الكريم، حيث تصبح العلاقات الاجتماعية متينة مستقرة قائمة على التكافل المتبادَل.
ما نلاحظه أيضا بوضوح انتقال هذا السلوك التكافلي المتميز إلى الأطفال، حيث يرى الأطفال إلى ما يقوم به الكبار من الآباء والأمهات أو الأخوات والأخوة الكبار، ومن ثم يحاولون التشبّه بالكبار، فيقومون بأعمال قريبة من أعمال أهاليهم، ينصبون المواكب الحسينية الصغيرة في أبواب بيوتهم، ويقدمون الماء والشاي والعصائر للزوار الذين يمرون قريبا من بيوتهم، ويمكن للزائر أن يرى فرحة الطفل الصغير حين يأخذ منه كأس الماء أو قنينة العصير، فهذا الطفل الصغير يفرح فرحا كبيرا حين يأخذ منه الزائر ما يقدمه له، لأن الطفل يشعر بقيمته وبدوره في الحياة رغم صغر سنّه.
قيمة التكافل هذه تبني شخصية الطفل بصورة سليمة، وينمو بشكل صحيح، وتنمو معه القيم الصحيحة، فينشأ على التعاون والتكافل وتذليل المصاعب بشكل متبادَل، كل هذا وغيره المزيد يفعله الأطفال الصغار والمراهقون وحتى الشباب، حين ينخرطون في المواكب الحسينية ويباشرون بتقديم كل الخدمات التي يحتاجها زوار أبي عبد الله (عليه السلام)، ثم تنتقل هذه الثقافة إلى حياة الناس العامة، لتصبح جزءًا من منهجهم السلوكي في الحياة.
⭐ تنعكس قيمة التكافل الاجتماعي في زيارة الأربعين على سلوك الناس، وتترسخ في عقولهم، وتصبح منهجا سلوكيا يوميا يبقى يرافق نشاطاتهم وعلاقاتهم
بهذه الطريقة يمكن أن تُبنى القيم السليمة في تطوير العلاقات الاجتماعية المختلفة، فيصبح المجتمع متعاونا فيما بينه، متكافلا، ويصبح هذا المنهج السلوكي القائم على التكافل منهجا اجتماعيا يلتزم به الجميع، ليس إجبارا بل طوعا وقناعة وقبولا، لأن الصغار يعتادون هذه الأعمال منذ نعومة أظفارهم، وهم يتابعون آباءهم وأمهاتهم وأخوانهم الكبار وهم يقومون بهذه السلوك التكافلي القيّم، وهكذا تنتقل هذه السلوكيات الصحيحة من الكبار إلى الصغار وإلى الشباب والمراهقين، وينمو المجتمع بصورة صحيحة ومتينة.
كل هذا يحدث كنتيجة لثقافة التكافل الاجتماعي الذي اعتاد عليه الناس في زيارة الأربعين، والالتزام التام بتوفير كل ما يحتاجه الزائرين الكرام القادمين إلى مدينة الحسين، مدينة كربلاء المقدسة، فهؤلاء جميعا هم ضيوف الإمام الحسين (عليه السلام)، وأحباب الإمام هم الذين يتكفلون احتياجات الزوار المختلفة، فيقومون بتوفيرها ويحرصون على ذلك كل الحرص.
ومن ثم يصبح هذا السلوك القويم، منهج سلوكي حياتي مستمر، فحتى حين يعود الزوار إلى بلدانهم ومدنهم وبيوتهم، نجد الناس قد تعلموا أهمية قيمة التكافل الاجتماعي، فيتمسكون بها، بل ويديمونها ويطورونها، فيزداد المجتمع تقاربا وتماسكا، وتسود فيما بينهم ثقافة التكافل والتعاون والتآزر المستمر، وهذه إحدى أهم الثمار التي يمكن أن نقطفها من زيارة الأربعين، ونبني بها أنفسنا وشخصياتنا ومجتمعنا كلّه.