يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَب: عَلَى الأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ، وَشَنَآنِ الْفَاسِقِينَ: فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ الْكَافِرِينَ”.
المجتمع الاسلامي يقدّم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر الذي هو عبارة عن كلمة، فربّ كلمة احيت أمة وفي تاريخنا هناك الكثير من الكلمات التي أحيتْ أمما، فبداية الكون كانت كلمة وذلك حين قال الله ـ تعالى ـ: {كُنْ فَيَكُونُ}، وبدايات الرسالات كلمة، والكلمة الصالحة ينميها الله ـ تعالى ـ، فمثلا زهير بن القين كاد أن يكون من أهل النار لولا كلمة خرجت من زوجته، فحين أرسل الإمام الحسين، عليه السلام، رسولاً الى زهير ويطلب منه الحضور عند الإمام، حاول الابتعاد، لكن زوجته تدخلت وقال: أجبْ داعي الحسين وما المانع من ذلك! هذه الكلمة أحيت زهير بن القين وأدخلته جنة عرضها السماوات والأرض.
المطلوب من كل مؤمن أن يكون آمراً بالمعروف ونهاياً عن المنكر، وان يرتكز على هاتين العكازتين، فكلمته صدق وعدل، وضمير متجسّد بيده ولسانه وقلبه، إلا ان القرآن الكريم يتحدث عن طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خوف من أن لا يتحمل الجميع ذلك، يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
- مراحل الأمر بالمعروف
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة الضمير: الايمان يجعل القلب منورا فلا تدخل نية المنكر، والفسوق وما اشبه، فإن رأيت منكر لا تستطيع ان تنهاه بلسانك أنهه بقلبك، فمقاومة المنكر بالقلب يمنع ان يكون المؤمن منساقا معه.
⭐ ما دمت مؤمنا معنى ذلك أن وجودك يتناقض مع أي منكر في المجتمع
هنالك بحث اليوم في العالم وهو كيفية “الغاء الضمير داخل الانسان” فحين يرى احدنا ـ في وسيلة اعلامية ـ فسقا او منكر في مجتمع ما، قد يصرخ! لكن الصراخ هو على تلك الشاشة او الموبايل لا يفيد، بعدها يجلس مستسلما، فقد يرى في المرة الأولى منظرا بشعا، او حالة غير أخلاقية، يتقزز، وباعتبار ان جهاز التلفاز او اللوح الالكتروني لا يفهم مشاعرك الرافضة لتلك الحالة تسكت، ويبدأ الضمير بالانهيار حجرة بعد أخرى، وخطوة خطوة، ومن ثم يصبح الفساد أمام العين شيئا طبيعيا.
حينما يصبح الفساد حالة عادية، وهذا ما يحاول ايجاده الفاسقون والعصاة، فحينما أرادوا منع الحجاب في بعض البلدان الاسلامية، كان في المجتمع من يردع ذلك الفعل، وكانت الحالة طبيعية ـ عند النساء والرجل ـ لمقاومة منع الحجاب، لانهم كانوا يرون في السفور خروجا عن المألوف والمعروف.
وفي محاولة خبيثة لتمرير فعلهم القبيح( نشر السفور) عمدوا الى اغراء بعض الفتيات ان يمشين في الشارع دون حجاب! فأول مرة كانت هناك رد فعل من الناس، لكن حين تكرر (منظر السفور) اصبحت الحالة طبيعية وغير شاذة، فكما أن “اشد الذنب ما استهان به صاحبه” فأكبر المنكر هو المنكر الاجتماعي المعروف؛ اي يصبح عند العُرف عاديا ولم يعد شاذا!
المرحلة الأولى للأمر بالمعروف تبدأ من القلب الذي يجب ان يكون نابضا ضد المنكر أيا كان نوعه.
المرحلة الثانية: الأمر باللسان: هناك من يجب ان تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر بلسانك، يقول الإمام الصادق، عليه السلام: إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعض او جتاهل فيتعلم فأما صاحب سيف وصوت فلا”.
المرحلة الثاثلة: التغيير باليد: فهناك من لا تفيد معه الكلمة فلابد من مواجهته بنفس سلاحه الذي يهاجم به، {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وهذه مرحلة متقدمة على المرحلتين السابقتين، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه فذلك المستكمل لخصال الخير، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده، فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ومضيع خصلة، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذلك الذي ضيع أشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة، ومنهم تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت الأحياء”.
⭐ ربّ كلمة أحيت أمة وفي تاريخنا هناك الكثير من الكلمات التي أحيتْ أمما
ومَن لم يستطع للقيام بواحدة منهما عليه التمسك بما تبقى من الثلاث المراحل، فلا تقل: انا لا استطيع ان اغيّر شيئا في مجتمعي، ما دمت مؤمنا معنى ذلك أن وجودك يتناقض مع أي منكر في المجتمع، سواء كان كبيرا ام صغيرا، فالمنكر يمشي على قدمين، وأنت ايمان ايضا لك قدمان تمشي بهما وبهذا لا يجتمعان.
ولا يخاف المؤمن من الخسارة جراء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: ألا وإن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان اجلا ولا يبعدان رزقا”.
المجتمع الميت هو الذي سُلب اهتزاز الضمير، والكلمة الطبية، وسُلب التغيير باللسان واليد، يقول الإمام الباقر، عليه السلام: “أهل المعروف في الدينا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة وأول أهل الجنة دخولا أهل المعروف”. وقال أمير المؤمنين، عليه السلام: “الامر بالمعروف أفضل أعمال الخلق”.
البعض يظن أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ان يقوم أحدنا بمنع شخص من ضرب شخص آخر، لكن هناك ما هو أوسع من ذلك، وهو أن يضم المؤمن جهده وطاقته الى تجمع إيماني يأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وان يكون جهده منصبا في هذا التجمع.
لو تُرك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حينئذ لا يوجد مانع من انحدار كل المجتمع، فالإنسان لو تُرك وشأنه ينحرف لانه في حالة سقوط وانحراف، فإذا وجد المانع بقي في القمة.
المجتمع الذي لا يأمرون المؤمنون فيه بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، لا يوجد أمام سقوطه شيء، فيمكن التوقع بشكل قطعي ان يكون في الحضيض في يوم من الايام؛ لانه سيصاب بالفوضى، والفساد، والميوعة، والتمزق..، وذلك ما نراه في بعض الدول الغربية كالولايات المتحدة الامريكية. قال أمير المؤمنين، عليه السلام: ” فإن الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي، والحلماء لترك التناهي”.
____
- مقتبس من محاضرة للسيد هادي المدرسي (حفظه الله).