الإيثار كلمة لها ارتباط معنوي وثيق بالتضحية، فحين تُؤْثِر الآخر وتقدمّه عليك، فإنك في الحقيقة تضحّى من أجله، وهذا بالضبط ما فعله قمر بني هاشم العباس بن علي، عليهما السلام، حين أصبح الماء طوعَ بنانه وبين كفيْه، لكنه رفض أن يشربه وإن كان في قمة العطش، لأنه آثر أن يوصل الماء لأطفال الحسين، عليه السلام،، ولأخته الحوراء زينب، عليها السلام، ولكل العطشى من أحفاد وأسباط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لماذا ضحّى العباس عليه السلام ورفض شرب الماء، مع أنه كان أولى بذلك، وكان جسده الصائل في ساحة الوغى أشدّ حاجة للارتواء كونه مستمراً في مقاتلة الأعداء؟ إن هذه القضية تمثّل درسا واضحا في قيمة الإيثار والتضحية من أجل الآخرين، وهي قيمة وضعها الدين الإسلامي في مقدمة القيم التي يجب أن يتحلى بها المسلم وتُبنى من خلالها الأمم والمجتمعات خير بناء، وتكتمل بها شخصية الإنسان على أفضل الوجوه.
⭐ الإيثار مبدأ وقيمة أساسية من قيم أهل البيت، عليهم السلام، كما أنها ركن أساس من أركان النهضة الحسينية
الإيثار مبدأ وقيمة أساسية من قيم أهل البيت، عليهم السلام، كما أنها ركن أساس من أركان النهضة الحسينية، فكل ما قام به الإمام الحسين، عليه السلام، بدءاً من خروجه بوجه الظلم والجور حتى لحظة استشهاده وذويه الكرام، إنما هو درس للإنسانية بدءاً من المسلمين عبورا إلى الأمم والأديان الأخرى، وهناك من لا يعرف من البشر، بإن الحسين، عليه السلام، قدّم نفسه وذويه وصحبه، قربانا في سوح الحرية والكفاح الإنساني.
كل هذا يتجسد في عملية التضحية والإيثار الكبير التي تحلّى به الإمام الحسين وفريقه من الثوار المضحّين لاسترداد الإسلام من مسارات الانحراف، وإنهاضه من كبوته التي تسبّب بها طغاة الأمويين، وخاصة يزيد الذي أوغل كثيرا في مسارب الفساد، ونشر القيم المضادة للإسلام، وعمّم قيم الشر والفسق والفساد والقوة الغاشمة، مما هبط بأمة المسلمين إلى أسفل السافلين، وجعلها تتخبط في دوامة سافلة من القيم المنحطّة.
فضاعت قيمة الإيثار واندثرت كل أشكال التضحية، وتغوّلت الأنانية وأطلقت أنيابها وأخذت تعيث فسادا في عقول ومآرب الناس، فصارت حياتهم ساحة للصراع والاقتتال وانتشر قانون الغاب، وصار القوي يأكل الضعيف، والغني يدمّر الفقير، وانطفأ المنهج المحمدي المضيء الذي رسم للناس سبل السلامة وقدم لهم أساسيات العلاقات الإنسانية التي تقوم على قيم الإيثار والتسامح والتكافل وكل القيم التي تذلّل مصاعب الحياة أمام الناس وتجعلهم أكثر تماسكا وتعاونا وتقاربا وتآزرا في مواجهة النزعات الأنانية المفرطة.
أما ما يعيشه الناس في عالم اليوم، فهو عالم يكتظ بالأنانية، لهذا وجب علينا أن ندرس الملحمة الحسينية جيدا، وأن نستثمر هذه النهضة بكل ما نستطيع، حتى نواجه التيارات الأنانية التي تعصف بالناس، فالمسلمون المتناحرون في عالم اليوم عليهم أن يعرفوا ويؤمنوا بأن الإسلام هو الإيثار، وأن الإمام الحسين عليه السلام جعل من الإيثار في مقدمة القيم والأهداف، وما كان للعباس عليه السلام أن يؤثر الآخرين على نفسه ويرفض شرب الماء قبل أن يروي الأطفال والنساء، لو لا أنه تخرج في مدرسة أخيه الحسين عليه السلام، ودرس فيها وتعلّم منها كيف تكون قيمة الإيثار هي الأعلى في سلوكه ومواقفه الفعلية.
⭐ اليوم يحتاج المسلمون أكثر من أي وقت مضى، بل يحتاج سكان الأرض، البشرية كلها، قيمة الإيثار والتعامل بها مع بعضهم، حتى يمكنهم إنقاذ ما تبقّى لهم، والعودة إلى جذور السلوك الإنساني الصحيح، وهذا يعني التمسك بمنهج الثورة الحسينية
اليوم يحتاج المسلمون أكثر من أي وقت مضى، بل يحتاج سكان الأرض، البشرية كلها، قيمة الإيثار والتعامل بها مع بعضهم، حتى يمكنهم إنقاذ ما تبقّى لهم، والعودة إلى جذور السلوك الإنساني الصحيح، وهذا يعني التمسك بمنهج الثورة الحسينية، والتعلّق التام بالقيم التي أفرزتها ثقافة عاشوراء، ودعا لها الإمام الحسين عليه السلام، وهذا يعيدنا إلى ما أقدم عليه الحسين من موقف إيثاري شجاع وفريد من نوعه، حين سقى أعداءه وخيولهم مع أنهم أعداء في ساحة الحرب.
هذا هو الدرس البليغ، درس الإيثار الذي قدمه الإمام الحسين عليه السلام للجميع، وهو درس لابد أن نقرأه جيدا، ونتمعن معانيه جيدا، ونتعلم منه منهج الحياة التي لابد أن تقوم على القيم الخالدة، قيم الإيثار والتضحية والتكافل وكل قيم الخير التي أرسى معالمها الفكر الحسيني ودعا إليها بطل كربلاء وسيد شباب أهل الجنة، الحسين، عليه السلام، في ملحمة الحق والثورة ضد الاستبداد والجور، فهل نحن عاملون بهذا الدرس المخلَّد وبهذه القيم العظيمة؟