كان الإمام السجاد، عليه السلام، من اقوى العوامل التي خلَّدت ثورة الإمام الحسين، عليه السلام، لانه نقل صوت الحسين، عليه السلام، إلى الأمة من خلال مواقفه البطولية وخطبه في الكوفة التي قلبت المجتمع الكوفي من مقاتِلٍ للإمام الحسين، وعدو له إلى مجتمع يبكي أسفاً وحسرة على ما فرَّط في تقاعسه عن نصرة الإمام الحسين، حتى صاح الناس: فمرنا يا ابن رسول الله لنأخذن يزيد ونبرأ منه وممن ظلمك وظلمنا”.
وأما خطابه في مجلس يزيد اللعين فهو من أروع الخطابات التاريخية التي بين فيها جملة من المفاهيم الاسلامية حول السلطة والحكم والحكام واتباعهم، حيث توجه إلى يزيد بعد أن سمع الخطيب يثني على بني أمية وينال من الحسين قائلا: “اتأذن لي ان اصعد هذه الاعواد”، ولم يقل المنبر لان المكان الذي لا ينطلق منه إلا الضلال ليس منبرا بل هو أعواد لاقيمة لها.
⭐ استطاع الإمام السجاد وعمته العقيلة زينب، عليه السلام، ان يحوّلا مجلس يزيد إلى مأتم عزاءٍ للإمام الحسين وأن يفضحا يزيد الذي دعا وجوه اهل الشام
كان، عليه السلام، يحرص على استثمار المناسبات والحوادث ليعرض مظلومية ابيه الحسين، عليه السلام، ولم يكن هدفه ان يوجه الانظار في بكائه لعظم المصيبة فحسب وإن كان ذلك مطلوب، بل كان هدفه ان يخلَّد الثورة الحسينية في نفوس الاجيال كلما عرضت سيرته على الأمة لاسيما وان الروايات ذكرت سيرته بعد الطف.
- وصفه لرحلة الأسر من كربلاء إلى الكوفة
بعد استشهاد الامام الحسين، عليه السلام، وسائر اهل بيته وأصحابه وكان هذا السفر تحت رعاية الظالمين والقتلة الإرهابيين ويصف الإمام السجاد، عليه السلام، حالهم في السفر بقوله: “لما وفدنا إلى يزيد بن معاوية اتوا بالحبال وربطونا كالاغنام وكان الحبل في عنقي وعنق ام كلثوم وكتف زينب وسكينة والودائع النبوية وكلما قصرنا عن المشي ضربونا حتى اوقفونا بين يدي يزيد وهو على سرير مملكته. (الجزائري، الخصائص الزينبية، ص١٧٤).
- الإمام السجاد ناقل صوت الإمام الحسين بمواقفه البطولية في الكوفة
لوتحدثنا عن شجاعته، عليه السلام، لكفانا موقفاً واحداً في الكوفة حين اُدخل على عبيد الله بن زياد وذلك الطاغية المتجبر، وقد زاد من عنجهيته انتصاره على الإمام الحسين، عليه السلام، فوقف مزهواً يستعرض الأسرى الذين جيء بهم الي مجلسه، وبدأ يسأل عن أسمائهم حتى وصل إلى الإمام زين العابدين، عليه السلام، فقال: ما اسمك؟
قال السجاد: على بن الحسين.
قال اللعين: او ليس قد قتل الله عليا؟
قال الإمام، عليه السلام: “كان لي اخ أكبر مني اسمه علي قتله الناس.
قال الطاغية: بل قتله الله.
قال الإمام السجاد ـ الذي لا يتكلم إلابالقرآن ـ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
عندها انبرى السجاد مخاطبا الذين اقترفوا الجريمة: “كتبتم إلى أبي وخدعتموه واعطيتموه من أنفسكم العهد الميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه فبأي عين تنظرون إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله، إذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من امتي”.
ومن جهة أخرى كان للسيدة زينب عليها السلام، مواقف مشرّفة، فقد صانت السيدة زينب، عليها السلام، استمرار الإمامة المعصومة في الإمام علي بن الحسين، عليه السلام، بحركة فداءٍ عظيمة، حيث قالت لأبن زياد اللعين عندما أراد قتل الإمام: “إن اردت أن تقتله فاقتلني معه”، فنظر ابن زياد لعنه الله إلى أصحابه وقال: عجبا لرحم الله اني لأظنها وددت لو قتلته اني قتلتها معه”. (الطبري، التاريخ، ج٥، ص٤٥٨).
هذه من أعظم المحن التي فجع بها الإمام زين العابدين، عليه السلام، حين رأى تلك البدور الطالعة من اهل بيته وأخواته تحصدها سيوف بني أمية واحدا بعد واحد، ورأى والده الإمام الحسين، عليه السلام، وحيداً تحيط به الفيئة الباغية من بني أمية الطلقاء، وقد قطعته بالسيوف إربا إربا، وفصلت رأسه ورؤوس اهل بيته، وحملتها على الرماح الى الدعي يزيد الفاسق ابن ميسون في الشام.
- الدور الاعلامي الرسالي للإمام السجاد في فضح عروش الكفر في الشام
إن قراءة تأملية في مسيرة السبايا من الكوفة إلى الشام تؤكد ثورة انقلابية أحدثتها العقيلة زينب، عليها السلام، ضد حكم الامويين وضد الجيش الذي حمل الرؤوس حيث كان الناس ينتفضون ضده ويهاجمونه ويحاولون اخذ راس الإمام الحسين، عليه السلام، ودفنه ليكون فخراً لهم يوم القيامة وهذا مافعله اهل الموصل ونسرين وحماه وحمص ولينا وجهينة.
استطاع الإمام السجاد وعمته العقيلة زينب، عليه السلام، ان يحوّلا مجلس يزيد إلى مأتم عزاءٍ للإمام الحسين وأن يفضحا يزيد الذي دعا وجوه اهل الشام، واجلسهم حوله، وأمر بإدخال علي بن الحسين، عليه السلام، والرؤوس السبايا عليه مربطين بالجبال، فقال له علي بن الحسين: “انشدك الله يا يزيد ماظنك برسول، صلى الله عليه وآله، لو رانا على مثل هذه الحالة”. فلم يبق احد ممن كان حاضرا إلا وبكى.
من الوضح أن العقيلة زينب، عليها السلام، كانت هي الأمينة على الإمامة المعصومة وهذا غاية في الشرف والفخر والعز كما استودعها اختها الإمام الحسين، عليه السلام، في الحفاظ على عياله وأهل بيته بعد استشهاده.
⭐ نشر السجاد الفكر الإسلامي الصحيح، وبث العلوم لأجل إصلاح الأمة، و إبعادها عن الفكر المنحرف الذي روجت له السياسة الأموية، وكان لأ دعيته أثر واضح في تربية وتوجيه الأمة نحو الصلاح والاصلاح
ويُعدُّ الإيثار أعلى درجات الكرم والسخاء والجود لأنه تفضيل الآخر على النفس، ولقد أعطت السيدة زينب، عليها السلام، اروع الدروس في الإيثار في كربلاء والكوفة وطريق السبي.
وفي موقف آخر، وفي أحد أيام رحلتهم إلى الشام وكان يوما شديد الحر، أقبلت السيدة زينب إلى ظل جمل هناك وقد امسكت بالامام السجاد، عليه السلام، وهو في حالة خطرة قد اشرف على الموت من شدة العطش وبيدها مروحة تروح بها عنه من الحر وهي تقول: “يعز علي أن أراك بهذا الحال يا بن اخي”.(النقدي، حياة السيدة زينب ع، ص١٦).
حين أرادوا العودة من الشام حاول يزيد لعنه الله ان يصل الأموال على نطاع من حرير خالص مفروش في مجلسه يريد تقديمها لأهل البيت، عليهم السلام، لتكون دية قتلاهم وعوضا لأ موالهم المنهوبة قائلا: “خذوا هذه الأموال عوض ما اصابكم. فردت عليه السيدة زينب، عليه السلام، مستنكرة ومستهجنة لفعله بقولها: “ما اقلَّ حياءك واصلف وجهك تقتل أخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم”.
وفي المدينة المنورة اخذ الإمام السجاد، عليه السلام، يردد تلك المأساة ويذكر ما صنع الامويون بأبيه ويبكي لذلك، حتى أصبح من البكائين، فكان اول مهامه في الفترة التي عاشها بعد كربلاءابقاى هذه الحادثة وهذه الواقعة ساخنة في وجدان وضماىر الناس.
- الإمام السجاد النموذج الراقي في القيادة بعد الطف
مهما تعاقبت الأزمان فان الإمام الحسين، عليه السلام، سيبقى منار هدى وسفينة نجاة، وكان للإمام السجاد، عليه السلام، أثره في قلب كل من عرفه بعد الطف لأنه كان رجل الإيمان والقدرة الحسنة، ويمكن أن نختصر سيرته بعد الطف على النحو الاتي:
اولها: بكاؤه على أبيه الإمام الحسين، عليه السلام، كان له هدف كبير، من ذلك، إذ استطاع بذلك ان يخلد نهضة ابيه الامام الحسين في الامة.
ثانيها: نشر الفكر الإسلامي الصحيح، وبث العلوم لأجل إصلاح الأمة، و إبعادها عن الفكر المنحرف الذي روجت له السياسة الأموية، وكان لأ دعيته أثر واضح في تربية وتوجيه الأمة نحو الصلاح والاصلاح.
ثالثها: كان كثير البر والإحسان إلى العبيد، وكان الرق منتشراً في ذلك الزمن فكان يشتري الرقيق أمواله ويعلمهم ثم يحررهم، وبالتالي أسس مدرسة عظيمة من كانوا تلامذة الامامين الباقر والصادق عليهما السلام. أعظم الله اجورناو اجوركم باستشهاد الإمام الحسين ع وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره رزقنا الله شفاعة الإمام الحسين والسجاد عليهما السلام.