تجسدت في شخصية ابي الاحرار الإمام الحسين، عليه السلام، جميع القيم الإنسانية والمُثل العليا والتقت به عناصر النبوة والإمامة، فكان بحكم شخصيته و تهذيبه فذاً من افذاذ التكامل الانساني ومثلا رائعا من أمثلة الرسالة الاسلامية، وأن اي صفة من صفات ابي الشهداء أو نزعة من نزعاته الكريمة لترفعه عاليا على جميع عظماء العالم، ودفعت إلى القول ـ بلا مغالاةـ: انه نسخة لا ثاني لها في تاريخ البشرية على الإطلاق ما عدا جده واباه، فاتصف، عليه السلام، بعدة صفات منها قوة الإرادة فلم يأبه بحشود وجيوش الدولة الأموية وأعلن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلا: “لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما”.
الإمام الحسين، عليه السلام، عندما خرج من المدينة المنورة لم يخرج طلبا للسلطة والحكم الظاهري، بل لتثبيت السلطة والحكم المعنوي الواقعي، ولذا قال، عليه السلام: “لم اخرج اشراً ولا بطراً ولامفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، اريد ان امر بالمعروف وأنهى عن المنكر واسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام”، وبالتالي وضع صلاح الأمة فوق كل اعتبار، لأنه كان يعلم اذا ما صلحت نفوس هؤلاء وركنت إلى تقوى الله في عباده خلقه، وتصدت لجور الظالمين، استطاعت ان توظف طاقات الناس في مصلحة دينهم ودنياهم فيشيدون العمران، عمران النفس وتمدنها.
⭐ احتاج الإمام الحسين، عليه السلام، إلى بقاء رمزية التمدن في نفوس الناس، ليحفظوا دستور الله، ثم لجأ إلى الفداء، فداءَ دينِ جده، ليخلق بذلك رمزاً، “حسين مني وأنا من حسين”
وهذا ما اقره، عليه السلام، في وجوب ضرورة العودة إلى اصل الدين، وأول مابدا مخاطبا اهل العلم ليقيم الحجة عليهم في تركهم قتال الفاسقين، ولو بالكلام، لأن في صلاح اختيارهم صلاح الأمة، فقال لهم: “ولو صبرتم على الاذى، وتحملتم الموونة في ذات الله، كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم واسلمتم أمور الله في ايديهم، يعملون الشبهات ويسيرون في الشهوات”.
ومع ان الإمام الحسين، عليه السلام، قام بوجه هولاء واجنادهم، إلا انه لم ينسَ واجبه الانساني والديني اتجاههم في إصلاح نفوسهم، وبذل الجهد لعل الله يهديهم وهم أعدائه، على الرغم من تزاحم الأحداث وتثاقلها عليه يوم عاشوراء قال، عليه السلام: “إنّا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم”، باشر بالنصح في وقتها من صبيحة يوم عاشوراء وخاطب فيهم النفس البشرية، وذكرهم بأمر الله وسننه.
لذلك احتاج الإمام الحسين، عليه السلام، إلى بقاء رمزية التمدن في نفوس الناس، ليحفظوا دستور الله، ثم لجأ إلى الفداء، فداءَ دينِ جده، ليخلق بذلك رمزاً، “حسين مني وأنا من حسين”، يبقى شاخصه دال على الدين ورمزية التمدن فيه وإن حاولت قوى الشر على مر الأزمان طمس معالمها.
إن عنفوان زخم ملحمة الطف ستستمر ما دامت هناك نفوس تتوق إلى الحرية والتمدن، حينما قال، عليه السلام: “لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد ولا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما”.
السوال: كيف للانسان ان يبني تمدن عقله وعيشه وعمرانه وهو مكبل أصلا بقيد العبودية للظالمين، او ان يجعل نفسه اسيرة الطاغوت؟
- ملحمة الطف تحفيز الطاقات للعمل في ساحة الخير والصلاح
ان الصفة الأخرى للإمام الحسين، عليه السلام، الاباء عن الضيم وهي من الصفات البارزة للامام حتى انه لقب بـ”أبي الضيم” فضلا عن ذلك اتصف الشجاعة.
الشجاعة إذ لم يُشاهد في جميع مراحل التاريخ اشجع ولا اربط جأشاً ولا أقوى جنانا من الإمام الحسين، عليه السلام، إذ وقف يوم الطف موقفا حير فيه الألباب واذهل فيه العقول وأخذت الاجيال تتحدث بإعجاب واكبار عن سالته وصلابة عزمه كما اتصف بالصبر منذ أن كان طفلا.
- ثورة الإمام الحسين اجتماعية أخلاقية هدفها الإصلاح
من المعاني السامية التي تجلّت في أعظم حادثة في التاريخ الا وهي ثورة الإمام الحسين، عليه السلام، والتي كانت من أجل تحقيق العدالة وانقاذ المسلمين من سياسة العنف والبطش، وحمايتهم من العبودية والاستغلال وصيانة لمثلهم من التدهور والانحلال والتي كان لها أثر واضح في تحديد ملامح الحياة السياسية من التاريخ الاسلامي في تلك الحقبة، واثر خالد في حياة المعارضين لأنظمة الاستبداد والطغيان على مر العصور، وتبين من أقوال وخطب الإمام الحسين، عليه السلام، الأسباب التي دعته للثورة وهي طلب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبقى الزمن متحيرا أمام شموخ قتيل العبرات الإمام الحسين، عليه السلام، في نهضته التي جسد القيم ولخص المبادى الإلهية الحقة جميعا.
- التجلي الحقيقي للحضارة الحسينية في بناء الحضارة الإنسانية
كان الإمام الحسين، عليه السلام، قد جسّد كل القيم الحقة، التي هي تعطي معنى الجمال في هذه الحياة فأنه، عليه السلام، أكد أكثر من مرة لم يخرج طلبا، للسلطة والحكم الظاهري، بل لتثبيت السلطة والحكم المعنوي الواقعي.
⭐ إن عنفوان زخم ملحمة الطف ستستمر ما دامت هناك نفوس تتوق إلى الحرية والتمدن، حينما قال، عليه السلام: “لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد ولا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما
اذا أردنا انت نتحدث عن ركبه الحضاري البسيط الذي اجتاز في حوالي أربعين منزلا من مكة المكرمة حتى وصل إلى أرض المعراج، حيث وقف فرسه ولم يتحرك فعرف المولى، عليه السلام، انه وصل إلى المكان المطلوب فيه بناء الحضارة الإنسانية، وتجسيد الجمال الحقيقي للبشر في لوحة حقيقية واقعية لن يكون لها مثيل ولا نظير عبر العصور والدور، حتى يقوم حفيده باني الدولة الربانية والحضارة الإنسانية على الحق والعدل ويحقق حلم الأنبياء والاوصياى والاولياء ع بشعاره المعروف “يا لثارات الحسين” هناك ستكون الحضارة الحسينية والتجلي الحقيقي للجمال الحسيني الذي رأته شقيقته السيدة زينب، عليها السلام.
حقيقة ان الإمام الحسين، عليه السلام، قد ثار يوم عزم على المضي في طريق الشهادة من أجل بناء النفس، جعلت من ملحمته خالدة في نفوس البشرية جمعاء وتربع اسمه، عليه السلام، على فؤاد كل مسلم وغير مسلم في العالم من أقصى الأرض إلى اقصاها، تلهج قلوبهم قبل ألسنتهم المختلفة بوميض رمزية فدائه الدائم من أجل خلاص بني البشرية من العبودية بمختلف أشكالها، لذلك أيضا فثورته دائمة في النفوس التي تتوق إلى التحرر، وكلماته الخالدة، ما زالت تعلوا موقظة للإنام، ان هبوا بوجه الطاغوت، فلاعجبا أيضا ان يستمر والطواغيت شارعي الحراب بوجه فكرة تمدن النفس البشرية مادام الإمام الحسين، عليه السلام، هو القائد والمسدد والمبدع.
السلام على الحسين وعلي بن الحسين وأولاد الحسين وأصحاب الحسين