ما إن يحل علينا عاشوراء الامام الحسين عليه السلام، حتى نسلك سلوكيات تختلف عن تلك التي نسلكها طوال اشهر السنة، وهذه السلوكيات تعرف بالشعائر ويسميها البعض طقوسا، إلا انها في النهاية تشير الى الحزن الذي يخيّم على المؤمنين الموالين لآل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحسرتهم على ما حلَّ بهم من مصائب سيما مصيبة كربلاء، ومن ابرز السلوكيات التي تسلك في عاشوراء في العادة هي نشر الرايات التي ترتبط بعاشوراء وتوزيع الطعام والشراب بأنواعها المختلفة علاوة على حضور المجالس الحسينية.
ما دفعني الى الكتابة عن هذه الموضوع تحديداً جملة سمعتها من المسؤول عن ادارة المكان المخصص لاقامة الشعائر في مديتننا (طويريج) والذي يعرف بـمضيف الامام الحسين، عليه السلام، حين سأله احدهم عن سبب منع جلوس الاطفال في مقدمة المجلس او عدم منعهم من الدخول بداعي انهم يخلقون فوضى لعدم امتلاكهم الوعي الكافي الذي يجعلهم يلتزمون بقواعد السلوك في المجالس الحسينية، اجاب ذلك الرجل: “رغم كل الارباك الذي يسببوه لنا، إلا اننا لم ولن نمنعهم رغبةً منا في بناء جيل يكبر على حب الحسين عليه السلام”.
⭐ بما ان الاب هو القدوة لابد له من التخطيط والعمل على جعل ابنه مقارباً لسلوكياته السليمة
في التربية الملتزمة من واجبات المربي ان يكون قدوة لابنائه في كل سلوكياته لكونه يتعبر المثل الاعلى وما يقوم به هو الصواب المطلق ودونه لا يعار له اهمية، وبما ان الاب هو القدوة لابد له من التخطيط والعمل على جعل ابنه مقارباً لسلوكياته السليمة، ففي عاشوراء على سبيل المثال لا بأس بأن يصحب الابوين ابناءهم الى اماكن الخدمة (المواكب) واصطحابهم الى مجالس عاشوارء التي تقام في اغلب المناطق والعراقية والعربية وحتى الاجنبية.
- لماذا التركيز على الاطفال؟
حين نشدد على ضرورة تعليم الاطفال منذ الصغر وندعوا الابوين الى تحمل المصاعب المترتبة على ذلك والصبر عليه، لان مرحلة الطفولة هي مرحلة التأسيس لكل ما يريد الابوين ان يروه في ابنائهم ومنها الشعائر الحسينية التي تربينا عليها، والتي ستكون هذه الشعارات هي البصمة الروحية للطفل عندما يكبر، لكن نشدّد على عدم اجبار الطفل على الذهاب للمجلس والافضل اقناعه بما يقوم به لان الاجبار سيتحول الى عناد ورفض في المستقبل وبالتالي قد لا يعود المرغم على سلوكية على القيام بها مجدداً.
- عوائد تعويد الاطفال على الشعائر الحسينية:
ثمة عوائد معنوية ستعود على الانسان بصورة عامة والاطفال بصورة خاصة حين يعتاد على ارتياد هذه المجالس المباركة ومن اهم هذه العوائد هي:
أولا: اصطحاب الأطفال إلى مجالس الإمام الحسين عليه السلام يجعلهم يتأدبون بأدب أهل البيت، عليهم السلام، ويتعلمون علومهم منذ نعومة أظفارهم، كما أنهم سوف يتعلمون الحب والوفاء لأن لديهم أسوة حسنة، وهذه الأسوة هم الأطفال الذين حضروا واقعة الطف، وكان لهم دوراً كبيراً في بناء التاريخ في تلك الواقعة، ومجرد المشاركة في هذه المجالس تجعل القلب في حالة حضور وخشوع وفي الرواية المأثورة عن الإمام الرضا، عليه السلام: “ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب”.
ثانيا: تهذيب النفوس؛ فالانسان على مدار العام قد يكون في غفلة او انشغال في لهو الحياة ومتطلباتها التي لا تقف عند حد، وفي عاشوراء فرصة لاستعادة التوازن واعادة الهدوء وتخليص النفس من عوالق الزمن وشوائب الحياة والعودة الى الذات الانسانية الاصيلة.
ثالثا: تفيد المجالس الحسينية في تصحيح العقيدة و غرس المفاهيم الصحيحة التي يجب ان يعرفها الانسان ويأخذها من مصادرها الموثوقة وليست الملوثة لذا يجب اختيار المنهل العذب الصافي وليس أي منهل.
⭐ اصطحاب الأطفال إلى مجالس الإمام الحسين عليه السلام يجعلهم يتأدبون بأدب أهل البيت، عليهم السلام، ويتعلمون علومهم منذ نعومة أظفارهم، كما أنهم سوف يتعلمون الحب والوفاء لأن لديهم أسوة حسنة
رابعا: في عاشوراء ومن مبادئها يقتبس الناس المعارف والعلوم التي تطرح من على منابر الامام الحسين عليه السلام، فعاشوراء الحقة ليست دمعة وبكاء واستذكار للمصيبة فقط، بل هي حزمة من المبادئ الانسانية التي يحتاجها الانسان لكي يحيا حياة الكرامة التي ارادها الله واهل بيت رسول الله لنا، وهي شمعة متقدة من الاسس التي تحكم حياة الانسان والتي لأجلها ثار الامام الحسين عليه السلام، وتحمل ما تحمل.
خامسا: كما من عوائد ارتياد المجالس والشعائر على الاطفال انهم يتعلمون البذل والعطاء بدون مقابل مادي يعني انهم (لا يقبضون امولاً في اليد) عند انتهاء المجلس، بل يرغبون في العوائد المعنوية والنفسية، وهذه السلوكية بالذات تمثل اسمى صور الانسانية وابهاها، وبدونها يحدث نقصاً واضحاً في التعاملات الانسانية، فلأجل كل هذه المنافع ينبغي ان نصطحب صغارنا الى مناهل الحسين النقية.