يترقّب شباب العراق والعالم الإسلامي أيام شهر محرم بشغفٍ ولهفةٍ كبيرة، لكي يستذكروا مأثرة عاشوراء الخالدة، وما رافقها منذ انطلاقها من قيم لا يزال أثرها واضحا على مجتمعاتنا الإسلامية والعالم أجمع، فقيمة رفض الظلم تنسجم تماما وتطلعات الشباب الحسيني، ذلك أن مرحلة الشباب بطبيعتها مليئة بالحماسة والاعتداد بالنفس، لهذا يتطلع الشباب الحسينيون إلى استنهاض قيم عاشوراء في أفكارهم ومبادئهم ونشاطاتهم المختلفة.
وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل المواكب الحسينية تكتظ بالآلاف من الشبيبة المتحمسين لإثبات ولاءهم لمبادئ الإمام الحسين، عليه السلام، ولكي يثبتوا أيضا بأنهم ماضون على منهج سليل الدوحة النبوية، والأئمة الأطهار، وكثير من هؤلاء الشباب يرددون مع أنفسهم أو على مسمع من الآخرين، بأنهم محظوظون بالإمام الحسين، عليه السلام، وبثورته التي عدَّلت المسارات الحمقاء التي سنّها يزيد الكفر والانحراف.
⭐ إننا محظوظون كشباب نجد في هذه الحياة الوعرة منظومة متكاملة من القيم التي تجعل من حياتنا سائرة في الجادة الصواب
نعم؛ إننا محظوظون كشباب نجد في هذه الحياة الوعرة منظومة متكاملة من القيم التي تجعل من حياتنا سائرة في الجادة الصواب، فكل إنسان على وجه البسيطة يحتاج إلى من يدلّه على الطريق الصواب، فما بالك بالشباب الذي يبدأ حياته في متاهة عالم اليوم المكتظ بالشبهات والثقافات التي ما أنزال الله بها من سلطان، فمن يحمي هؤلاء الشباب من هذه الأمواج الكاسحة للثقافات المادية المغرضة وأهدافها الخبيثة؟
مَن ينقذ الشباب من عالم الخداع والصراعات التي تُحاك حولهم في كل يوم بل في كل ساعة، لا يتساءل الشباب عن الخلاص من باب الخوف أو الضعف، ولكن من باب الحذر، لهذا هم يحتاجون إلى الملهِم وإلى القيم الصحيحة التي تقوّم أفكارهم وسلوكياتهم، وتحبط كل الأفكار والثقافات المغرضة التي تسعى لتدمير قناعاتهم ومبادئهم وعقائدهم.
نحن لدينا الإمام الحسين، عليه السلام، “مصباح هداية وسفينة نجاة”، نلجأ إليها في كل حين، ونستمد من القيم والمبادئ والعقائد والأفكار التي تنقذنا من الثقافات الدخيلة، وفي مثل هذا الشهر وما يليه، شهريّ محرم وصفر، يفتح الشباب عقولهم وقلوبهم لكي يجددوا استهام القيم الحسينية المنبثقة من الفكر الحسيني المتوهج، فينهلوا منها كما ينهل الظمآن من الماء الزلال، ليس هذا قولا أو كلاما فحسب، وإنما تطبيقا لكل مبدأ ولكل عقيدة حسينية ولكل فكرة تحمي الشباب الحسيني من الضياع في معترك التيارات المادية المتصارعة على الدنيا.
يتدفق شباب كربلاء المقدسة وكل المدن التي تقود إلى بوابات مدينة الحسين، عليه السلام، يتدفق الآلاف منهم لخدمة الزوار الكرام، كونهم يستحقون هذه الخدمات وأكثر لأنهم يبذلون الغالي والرخيص لإحياء شعيرة العاشر من محرم يوم استشهاد ثائر كربلاء والإسلام، كما أن هذه الروح المتعطشة لخدمة الزوار تجد في ذلك انتصارا للإمام الحسين، وتطبيقا للقيم التي قدم نفسه وأطفاله وذويه وصحبه من أجلها.
⭐ يتعلم الشباب من خدمة الزوار في المواكب الحسينية حالة العطاء دونما مقابل، ويتعاونوا فيما بينهم، ويشدون أزر بعضهم البعض، ويتمسكون بالقيم الإنسانية التي رفع لواءها الإمام الحسين وأنصاره في وقفة الحق العظيمة
يتعلم الشباب من خدمة الزوار في المواكب الحسينية حالة العطاء دونما مقابل، ويتعاونوا فيما بينهم، ويشدون أزر بعضهم البعض، ويتمسكون بالقيم الإنسانية التي رفع لواءها الإمام الحسين وأنصاره في وقفة الحق العظيمة، نعم للتعاون والتسامح والتقارب والاعتدال والمحبة، ولا للظلم والطغيان والفجور والانحراف، نعم لحماية الإسلام من جميع مظاهر التطرف ونعم لاستلهام قيم الخط الحسيني التي تسعى لتذليل مصاعب الناس، وتبسيط حياتهم، وتنقية عقولهم وأفكارهم من التعقيدات والأمراض الفكرية كافة.
هذا هو ديدن الشباب الحسيني، عطاء مستمر، وتضحية مشرعة، وإصرار مستمر على التمسك بقيم عاشوراء، ومقاومة مستمرة لكل مظاهر خلخلة المجتمع، خصوصا الشباب منهم، فالشباب الحسيني يتحصنون بالقيم الكريمة التي رافقت واقعة الطف منذ بداية أحداثها وإلى يومنا هذا، وهم أقوياء أصحّاء بهذه القيم الخالدة، وما أروع أن يجسد الشباب الحسيني هذه القيم في حياتهم العملية الواقعية ويلتزمون بها عمليا بعد أن آمنوا وتمسكوا بها.
في هذه الأيام الخوالد، أيام شهر محرم الحرام، ايام الحزن العاشورائي، واستذكار القيم العظيمة لإمام النور والثورة، لابد أن يكون الشباب على أهبة الاستعداد لإثبات تأييدهم التام والقاطع لثورة الإمام الحسين، عليه السلام، ولابد لهم من استلهام قيم هذه الثورة الساطعة في أهدافها ومراميها، والسعي والمثابرة الحقيقية لتطبيق هذه القيم في أفعال وأعمال وأقوال الشبيبة، فمما يضاعف إيمان الشباب وتقواهم وتوفيقهم في الحياة هو تجسيد القيم الصالحة في حياتهم للنهوض بالمجتمع والمضي به إلى أمام باستمرار.