الهدى – كربلاء المقدسة ..
أكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرّسي دام ظله، اليوم الاحد، أن الأمة الاسلامية تنتظر نفحات الرحمة الإلهية من مشكاة سيد الشهداء عليه السلام.
وأوضح سماحته في بيانه الذي صدر اليوم، بمناسبة حلول شهر محرم الحرام، وذكرى إستشهاد سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ملحمة عاشوراء الخالدة، إن منهاج سيد الشهداء عليه السلام نورٌ متألق، ينير كل زاويةٍ من زوايا حياة البشر، فهو يهدينا باذن الله سبحانه، لكي نواجه بعزمات التحدي كل ضعفٍ بشري، ويعيننا على الخروج من سجن الذات إلى رحاب الحقيقة، ومن زنزانة المصالح الشخصية إلى حيث التطلعات الكبرى.
وفيما يلي نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمة تنتظر نفحات الرحمة الإلهية من مشكاة سيد الشهداء عليه السلام
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين.
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار.
وأقبل علينا موسم عزاء سيد الشهداء عليه السلام، بما فيه من رحماتٍ إلهيةٍ للبشرية، فعشرات الملايين من الناس ينتظرون سفينة النجاة الحسينية، لتحملهم من زوابع الفتن الى شاطئ السلام بإذن الله سبحانه، أوليس مكتوباً على ساق عرش الرب سبحانه _ كما أخبر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، الذي لا ينطق عن الهوى بل لا يقول إلا وحياً_ بأنّه عليه السلام ” مِصْبَاحُ هُدًى وَ سَفِينَةُ نَجَاة” ، بما تحمله هذه الكلمة من ينابيع رحمة الرب عزوجل؟.
كم هي عظيمةٌ هذه الكلمة من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، فهو نبي الرحمة وسبطه سيد الشهداء باب الرحمة الالهية، وهذه حكمةٌ بالغة شاملة لكل ابعاد الحياة، في الدنيا والاخرة، والأمة برمتها بانتظار موسم الرحمة في عاشوراء سيد الشهداء ومن بعده موسم الأربعين، ليخرجهم الله سبحانه من ظلمات الثقافات الجاهلية إلى رحاب النور، حيث إشراقة مصباح هداية الحسين عليه السلام، أوَلم يقل ربنا سبحانه: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
إننا جميعاً، ننتظر نفحات الرحمة التي تفيض من مصباح سيد الشهداء عليه السلام، حيث يبدد نور الأمل تيار اليأس، وحيث تتغلب إشراقة العطاء على ظلام الأنانية، وحيث يبدد صبح الوحدة في رحاب الولاية، ظلمات الإختلاف الناشئة من هوى النفس والعصبيات والعنصريات والحزبيات والطبقيات.
إن منهاج سيد الشهداء عليه السلام نورٌ متألق، ينير كل زاويةٍ من زوايا حياة البشر، فهو يهدينا باذن الله سبحانه، لكي نواجه بعزمات التحدي كل ضعفٍ بشري، ويعيننا على الخروج من سجن الذات إلى رحاب الحقيقة، ومن زنزانة المصالح الشخصية إلى حيث التطلعات الكبرى.
وفي مقابل ذلك المنهج اللاحب، والمدرسة المتكاملة الكامنة في القضية الحسينية، أن يخطط كل فردٍ من الموالين، للإستفادة من هذه المدرسة بأقصى درجةٍ ممكنة، كما أن على العلماء والخطباء والمرشدين ومسؤولي الحسينيات والهيئات الحسينية، أن يزدادوا عزماً ويتطلعوا لحل معضلات الأمة باتخاذ السبط الشهيد عليه السلام نبراساً في هذا الطريق طريقه، ومناراً لوحدتهم.
إن العالم اليوم بأشد الحاجة للخروج من أزماته المتراكمة، ألا ترون كيف أن النظرة المادية الضيّقة قد جعلت العالم، يدور في سلسلةٍ من الأزمات، فلا يخرج من واحدةٍ إلا ويدخل في أخرى، سواءً على المستوى الإقتصادي أو السياسي أو العسكري، وعلينا كموالين، أن نستفيد من مشعل هداية سيد الشهداء عليه السلام، وراية إصلاحه، على مستوى الأفراد والمجتمعات بأقصى قدرٍ ممكن، وندعو العالم لركوب سفينة النجاة الحسينية.
وفي هذا المجال علينا ما يلي:
اولاً: أن نقرأ سيرة السبط الشهيد ونتأمل في دروسها التاريخية بشفافية وصدق.
ثانياً: أن نستضيء بهذه السيرة المباركة لحياتنا اليوم، فالحسين عليه السلام إمامٌ إلى يوم القيامة، ولابد من جعل سيرته وكلماته النيّرة، منهجاً لإصلاح نفوسنا وتطهيرها من ظلام الأهواء الوساوس، وكذلك لإصلاح علاقتنا ببعضنا واستبدال حالة التباغض والتباعد إلى روح الوحدة، وحالة الإستئثار إلى روح الإيثار.
ثالثاً: أن يكون الخطاب الموجّه إلى العالم، دعوةً إلى الله سبحانه، وإلى القيَم السامية وإلى التسامي الروحي، فقد كان سيد الشهداء عليه السلام مكدوداً في ذات الله سبحانه، وتجسّدت فيه أعلى درجات العطاء في سبيل الله سبحانه، واليوم قد نسي العالَم الجانب الروحي من الحياة، فارتطموا بلجة الخلافات وتوغلوا في الفواحش ما ظهر منها وما بطن، حتى باتوا من فرط ابتعادهم عن الله سبحانه وعن القيم الروحية، يقتدون بقوم لوط في فعالهم، ويروجون لهذه الرذيلة المقيتة، والتي يُخشى أن تكون سبباً لنزول العذاب الإلهي على الأمم كما عذّب سبحانه قوم لوط بأشد العذاب.
رابعاً: إن مدرسة الامام الحسين عليه السلام تتجلى في شخصياتٍ عظيمة المنزلة وجليلة القدر، مثل مَثَل الوفاء والفداء أبي الفضل العباس عليه السلام، والسيدة زينب عنوان الفضائل وقدوة الصبر والصمود والتصدي، وكذلك سيدنا عليٍ الأكبر الذي كان كما قال عنه أبوه عليه السلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً بجده رسول الله صلى الله عليه وآله، وهكذا سائر أصحابه البررة كحبيب بن مظاهر والحر ابن يزيد الرياحي وعشرات من امثالهم، الذين تجلت فيهم صفات امامهم سيد الشهداء عليه السلام، فكان كل واحدٍ منهم مشكاةً لمصباح الهدى.
ومن بعد اولئك الصحب الكرام، توارث الموالون للسبط الشهيد وللائمة الطاهرين عليه وعليهم الصلاة والسلام، الصفات المثلى من مدرسة الطف، كالشجاعة والاستقامة والتضحية مما جعلت امتنا ذات صلابة وقوة ورفعة.
واليوم وبعد مضي قرونٍ من واقعة الطف الأليمة، لا زلنا نتحدى كل الطغاة وجميع الضغوط والفتن بإسم الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن ويحي تلك الواقعة الاليمة العظيمة، وهكذا تتجدد في المؤمنين كل عام روح الإيمان والتقوى، وعزيمة الإستقامة والصمود، وتتجدد فيهم كل صفات الخير، فتزداد الأمة صلابةً أمام الضغوط مهما كبرت، لتبقى هذه الروح وتستمر هذه المسيرة في تصاعدٍ وتموّجٍ في كل إتجاه، حتى يأذن الله سبحانه بظهور الإمام الغائب، الذي أعدّه ذخراً للبشرية، فيأتي حاملاً راية الثأر لجده الغريب وليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا.
حقاً، إن الحسين عليه السلام وريث الأنبياء وإمامنا الغائب عجل الله تعالى فرجه وريث الحسين عليه السلام، ونحن ننتظر ظهوره وقيام أمره، وبالإستعداد لظهوره سنبقى نهزم كل وسائل الضعف التي تتوارد على امتنا.