مكارم الأخلاق

العمل والتعامل الإنساني

من الأمور والعوامل المساعدة لنجاح العمل حُسن التعامل مع الآخرين، وإظهار الأخلاق الحميدة في طريقة التعامل مع الجميع، وهذا الأسلوب الجيد ينبع من التربية الجيدة التي يتلقّاها الطفل في حاضنته الاجتماعية الأولى (الأسرة)، وهذه الحاضنة يمكن أن تنمّي جميع القيم الصالحة في ذات الطفل، وفي سلوكه وتجعله محبّا للناس متعاونا معهم، مبتعداً عن كل ما يؤذيهم وينتهك حقوقهم.

صاحب العمل يتوجّب عليه أن يُقدم النصائح المفيدة للناس حتى ينجح في عمله، فإن كان تاجرا، أو صاحب دكّان أو مطعم أو مدرسة أهلية أو مصنع أو أي عمل كان، عليه أن ينصحهم بما هو مفيد لهم، فالمهم أن يكون صاحب العمل إنسانيا وصادقا في تعامله مع الآخرين، وأن لا يجعل الربح هو الهدف الأول له، ويغض النظر عن الجوانب الأخرى التي يجب أن تنتج عن العمل؛ مثل كفاءة السلعة وجودتها، ودرجة الأمانة في صناعتها وهل يستفيد منها المشتري أم لا؟

⭐ صاحب العمل يتوجّب عليه أن يُقدم النصائح المفيدة للناس حتى ينجح في عمله

الربح حقٌ من حقوق صاحب أي عمل كان، لأنه يكفل له رزقه اليومي ورزق عائلته، لكن هذا الرزق المهم، يجب أن يتم الحصول عليه وفق الطرائق السليمة والصحيحة، ومنها أن تكون أخلاقيات التعامل الإنساني حاضرة عند التعامل مع الزبائن، وأن تكون مفرداته وهو يتحاور مع الآخرين مهذبة لطيفة، وتركز على الجوانب الإنسانية في هذا التعامل، ولا ينسى أن ينصح الناس بما يسهّل عليهم الأمور.

وقد لاحظنا عبر متابعة العاملين وأرباب المهن ومالكي المعامل الإنتاجية وغيرهم، كيف ينجح صاحب العمل الذي يتعامل مع الناس بإنسانية عالية، وكيف يفشل صاحب العمل الذي لا يهمه سوى قضية الأرباح المالية، ولا يعبأ بأسلوب التعامل مع المشترين، بل هناك من يتشاطر مع الزبائن كي يخدعهم ويأخذ منهم أضعاف السعر الذي تستحقه هذه السلعة أو تلك، وهذا النوع من أصحاب العمل لا تهمهم الأخلاق ولا السمعة ولا الدِين ولا مرضاة الله، بل تهمهم أرباحهم المالية فقط حتى لو تحققت بالخداع والاحتيال والتجاوز على حقوق الناس، لكن بالنتيجة فإن من ينتهك حقوق الناس هو الذي يخسر كل شيء.

حُسْن التعامل من قبل صاحب العمل مع الناس لا يكمن فقط باللسان المعسول، وبالكلمات اللطيفة، وإنما يجب أن يرافق هذا الأسلوب اللطيف في التعامل النصيحة باقتناء السلعة المفيدة، فما فائدة أن تتعامل مع الزبائن بلسان حلو المخارج والحروف والكلمات، وحين يذهب المشتري إلى بيته يكتشف إن صاحب العمل قد خدعه بسلعة غير جيدة ولا كفاءة فيها، هنا سوف تضيع جميع الكلمات المعسولة والأسلوب الإنساني اللطيف ويتحول إلى نوع من الخديعة والضحك على الذقون.

إنّ التعامل الإنساني هو الذي يضاعف من ثقة الناس بصاحب العمل، لكن في حال بقيَ يخدع الناس بلسانه اللطيف وأسلوبه المنمّق، فإن المشترين منه سوف تتناقص أعدادهم، ليجد نفسه مضطراً إلى ترك عمله وإغلاق متجره أو دكانه أو معمله، لأن الناس سرعان ما ستكتشف عدم إنسانية صاحب العمل في التعامل معهم، فيضطر إلى تغيير عمله إلى مهنة أخرى مما يجعله يفقد خبراته السابقة بسبب عدم استمراره وبقائه في مهنة واحدة،  علما أنه من أسباب نجاح العمل هو الاستمرارية فيه وليس تركه والانتقال إلى عمل آخر بسبب قلة التعامل الإنساني السليم مع الزبائن.

⭐ إنّ التعامل الإنساني هو الذي يضاعف من ثقة الناس بصاحب العمل، لكن في حال بقيَ يخدع الناس بلسانه اللطيف وأسلوبه المنمّق، فإن المشترين منه سوف تتناقص أعدادهم

قال الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام: “من عمل عملا فليدم عليه سنة”، هذا هو الحد الزمني الأدنى لترك العمل، لذا من الأفضل أن يتحاشى ربُّ العمل أسباب فشله، ومن الأفضل له الاستمرار بالعمل لضمان النجاح. أما كيف يمكنه الاستمرار في عمله لمدة أطول، فهناك عوامل كثيرة تساعد على الاستمرارية في نفس المهنة، حتى أن بعضهم يستمر في مهنة واحدة سنوات طويلة قد تغطّي عمر الإنسان كله.

وفي مقدمة هذه العوامل ومن أهمها، هي طبيعة تعامل صاحب العمل مع الناس، وإنسانيته العالية التي تضمن علاقة صادقة متوازنة ووثيقة بين الزبائن وبين الباعة في إطار مجموعة من القيم الجيدة، وهذا التعامل الإنساني يشمل جميع الجوانب، كالحرص على فائدة المشتري من السلعة، وعدم التركيز على المصلحة الذاتية في تحقيق الربح العالي على حساب الزبون، وإنما مراعاة الطرفين في معادلة البيع والشراء والمنفعة المتبادلة بين الطرفين.

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا