نفذ الطيران المسيّر والقوة الصاروخية اليمنية عملية نوعية مشتركة على معسكر الجلاء في محافظة عدن جنوبي اليمن الخميس الماضي، استهدفت عرضاً عسكرياً لقوى العدوان السعودي، ما اسفر عن عشرات القتلى والمصابين في صفوف مرتزقة العدوان، بينهم قائد اللواء الأول عن “الحزام الأمني”، منير اليافعي، والمعروف بـ”أبو اليمامة”، أحد الأذرع الضاربة لأبو ظبي في محافظة عدن، والذي لقي مصرعه في الحادث.
استغل “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المحسوب على الإمارات، العملية، متخذا منها ذريعة لاستهداف المواطنين المنحدرين من المحافظات الشمالية باتهامات باطلة، من بينها تقديم معلومات للجيش واللجان الشعبية.
ومنذ الخميس الماضي، شنت الميليشيات حملة اعتقالات واسعة في عدن طالت المئات من العمال والمهنيين من أبناء الشمال، فيما تعرضت عشرات المنازل التابعة لمواطنين من صنعاء، وتعز، وذمّار، والحُديدة، للاقتحام والتفتيش في مناطق متعددة من المدينة، كما أُغلقت الطرق في المنافذ التي تربط المحافظات الشمالية بالجنوبية والواقعة في محافظتي الضالع، و لحج، وحظر دخول المئات من المواطنين عبرها إلى عدن.
هذه الممارسات أدت إلى توقف حركة الإمدادات التجارية من ميناء عدن إلى المحافظات الشمالية، وتسببت بانخفاض الطلب على تذاكر الطيران في صنعاء والمحافظات الأخرى بنسبة 60%، بعدما أجبرت الميليشيات، العشرات من المسافرين عبر مطار عدن على العودة، ولم تراعِ الوضع الإنساني للمرضى من النساء وكبار السن الذين كانوا في طريقهم إلى تلقي العلاج في الخارج، ويشكل مطار عدن المنفذ الوحيد لابناء الشمال لسفرهم الى الخارج.
هذه الهجمة المناطقية ليست هي الأولى من نوعها في عدن خلال السنوات الماضية، بل هي تأتي في سياق مسلسل الانتهاكات التي تمارسها الميليشيات ضد أبناء المحافظات الشمالية في الجنوب عموما، لكنها خلال الأيام الخمسة الماضية كانت أشد قسوة من سابقاتها.
-
عمليات التهجير القسري
“المدينة التي كبرنا في أزقتها، أصبحنا اليوم نشعر بعدم الأمان فيها، لقد ضاقت بنا عدن”، هكذا لخّص الحال، أحد المواطنين، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في عدن منذ قرابة ثلاثين عاما، وهو من أبناء مدينة صنعاء.
يقول الرجل: “تعرضت خلال اليومين الماضيين لاستفزازات لا تُحتمل، فقد جاء مسلحون يرتدون زي الحزام الأمني العسكري، وطلبوا هويتي الشخصية، وسألوني: من أين أنت، قلت لهم: إني من صنعاء، فاطلقوا فوراً عبارات التهديد بالاعتقال، إذا لم أغلق البقالة وأغادر عدن”.
مئات العوائل والالاف من العمال الشماليين تم تهجيرهم قسراً من عدن ومن بعض مناطق الجنوب، كونهم يحملون في بطاقتهم الشخصية: ولد في صنعاء، ولد في ذمَار، أو حَجّة، أو عمران، أو صعدة.
بالمقابل يعرف ابناء العشب اليمني وجميع المتابعين للشأن اليمني أن النظرة الاجتماعية والموقف السياسي في الشمال اليمني مختلف تماما عما عليه الوضع في الجنوب، فمنذ اندلاع العدوان السعودي على اليمن، نزحت مئات العائلات من المحافظات الجنوبية، متجهة شمالاً علّها تجد ملاذاً آمنا يقيها شبح الموت، فاستقبل ابناء المحافظات الشمالية، هؤلاء القادمين من الجنوب، و وفروا لهم ما يمكنهم توفيره لسد احتياجاتهم، ولم يشعر الجنوبيين بأي مضايقة من ابناء الشمال.
وتعود هجرة الجنوبيين الى الشمال اليمني الى فترات سابقة، خصوصا في اوقات اشتعال الحروب الاهلية والصراعات السياسية الدامية منذ منتصف السبعينيات، و مرورا بحرب صيف 94 التي اندلعت بين الشمال والجنوب.
ويعيش الآلاف من الجنوبيين في المحافظات الشمالية حالهم كحال أي شخص شمالي، فهم يملكون العقارات، والبيوت، والمحال التجارية، والاراضي الزراعية، وينعمون بالامن الذي ينعم به الانسان الشمالي.
لم يقابل ابناء الشمال فعال بعض الجنوبيين، بل ظهرت حملات تضامن في مواقع التواصل الاجتماعي الاسبوع الماضي في صنعاء، تدعو كل شمالي بأن يخرج ويبحث عما اذا كان جاره من الجنوب ليكرمه ويقدم له باقة من الورد، تأكيداً على ان المناطقية غير متواجدة لدى ابناء الشمال.
يُشار الى أن صنعاء تحتضن عوائل العشرات من ابناء الجنوب ممن لديهم شباب يقاتلون في صفوف العدوان السعودي! وخرجت اوساط عسكرية واجتماعية في العاصمة تقول: ان عوائل هذه العوائل لن يتم المساس بها، وان قاتل ابناؤها الى جانب العدوان.
-
إدانات شعبية واسعة ومباركة من البعض
نددت أوساط سياسية وشعبية يمنية بالممارسات التعسفية التي تقوم بها عناصر مسلحة مدعومة من تحالف العدوان في عدن، وذلك باستفزاز وتهجير أبناء المناطق الشمالية، ونهب محلاتهم، وإحراقها، كما استنكرت حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء هذه الاعتداءات وأعربت عن استعدادها لاستقبال المهجرين.
وتوالت المواقف المنددة بمثل هذه التصرفات، حيث أكد رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي أنها تكشف مشروع دول العدوان وحلفائهم، فيما أبدى وزير الإعلام في حكومة الإنقاذ الوطني، ضيف الله الشامي استعداد حكومته استقبال المهجرين، كما أعربت شخصيات وقيادات جنوبية عن رفضها لهذه الاعتداءات.
حالة سخط كبيرة تسود الأوساط اليمنية إزاء هذه الممارسات التي يرى البعض أنها تكشف طبيعة المشروع الحقيقي لدول العدوان وحجم المؤامرة لتمزيق البلاد وتفتيت نسيج المجتمع اليمني.
قائد حركة انصار الله السيد عبد الملك الحوثي، وفي كلمته مساء أمس الاحد بمناسبة اختتام المراكز الصيفية، قال: إن “ما حصل من ممارسات في عدن تجاه بعض أبناء المحافظات الشمالية والمحافظات الاخرى، يكشف حقيقة المشاريع الأجنبية في بلدنا، وهي مشاريع تجزئة وتفكيك وبعثرة وتقسيم واحتلال”.
واضاف السيد الحوثي: “هي مشاريع تهدف إلى إنشاء حالة من العداوة والبغضاء بين أبناء شعبنا تحت عناوين مذهبية، أو مناطقية، أو عنصرية. لكن لماذا؟! هل لمصلحة هذا الشعب؟ كلا، لأن مصلحتنا جميعاً في هذا البلد كشعب يمني هي في أخوّتنا، وفي تعاوننا، وفي السلام والأمن والاستقرار، وفي العيش بتآخٍ، وبسلام، و ودّ”.
وتابع في كلمته: “انه يكشف ما يريده المحتل الأجنبي، والعدو الأجنبي، والمعتدي الأجنبي من تجزئة لأبناء هذا البلد؛ لتسهيل السيطرة عليهم، ولتحقيق هذا الهدف، يخلق عندك نوعاً من الحساسية المفرطة تجاه أخيك، ثم يستعمرك ويستعبدك، فيأتي البعض -في الوقت الذي يصبح فيه كارها أشد الكراهية لكل أبناء شعبه اليمني- يُمجّد الإماراتي ويعظمه، وهذا شوهد حتى في بعض مشاهد الفيديو، البعض بات يمجّد الإماراتي الذي أتى ليحتل بلده، وليسيطرعليه تحت الإدارة الأمريكية والإشراف الأمريكي والبريطاني، فيما هو بات يكره أبناء شعبه، ويسيء إليهم، ويعاديهم، ويعتدي عليهم”.
وفي موقف مغاير، بارك نائب رئيس “المجلس الانتقالي”، هاني بن بريك، تلك الانتهاكات، مبررا إياها بـ”فداحة الخسارة” في عملية معسكر الجلاء، متهماً المواطنين البسطاء بالعمل كخلايا استخبارية لمصلحة حركة انصار الله.
أما حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، فقد التزمت الصمت يومي الخميس والجمعة، لتعود وتصدر بيانا باهتا أمس السبت، كشف عجزها عن حماية مواطنيها في عدن، التي أعلنتها قبل أربع سنوات؛ عاصمة مؤقتة.