الصبر على المُلمات صفة كبيرة عند الإنسان، والصبور تجده متفوقاً، متميزاً، رابحاً بالنتيجة، وعابراً لكل الآلام والمصاعب والخسائر التي يواجهها في حياته، فالإنسان الصبور تجده حكيماً، هادئاً يتعامل مع أصعب المواقف برزانة ورباطة جأش، بعيداً عن الجزع والضيق والتسرّع، ولكن نحن نتناول الصبر في هذا المقال من زاوية أخرى وهي؛ الصبر في العمل، وطالما أن العمل فيه تعقيدات ومصاعب كثيرة، فإن للصبر تأثير كبير على نجاح الإنسان في عمله ويعدّ ضمانة لقطف الثمار الجيدة للعمل.
أول علامات النجاح لاقتران الصبر بالعمل، هو ثبات الإنسان على ترسيخ أركان عمله أو مشروعه العملي بغض النظر عن طبيعة هذا العمل، فمثلاً؛ التاجر الصبور، والحكيم، المتأني في تجارته، تجده رابحاً على الدوام، وتتكون له خبرات متراكمة من الصبر تعينه على أصعب الحالات والتعاملات، ليكون بالنتيجة رابحا حتى لو أحاطت المصاعب والمخاطر بتجارته.
وكذا الحال بالنسبة للطبيب الجراح، فإن الصبر يجعل منه جرّاحاً ماهراً في تخصصه، ومع مرور الزمن تتضاعف خبرات هذا الطبيب، وتتنامى شهرته بين الناس، ويقصده القريب والبعيد كي يتعالج عنده، وكل هذا يحدث بسبب صبر الطبيب على مرضاه، وتعامله أثناء إجراء العمليات الجراحية بصبر ودقة وثبات وإيمان، فيكون في هذه الحالة طبيباً ذا شأن عن مختلف الناس، على العكس من الطبيب المتسرع، فإنه يجزع سريعاً، ولا يدقق، وغير متأني في أداء عمله، لهذا يتعرض للأخطاء التي قد يكون بعضها صعبا بل مميتا، مما يجعل من الأطباء الفاشلين كونه ليس طبيبا صبورا، ولا يعبأ بهذه الصفة التي تعد مفتاحا للنجاح المادي والإنساني أيضا.
يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “العمل العمل، ثم النهاية النهاية، والاستقامة الاستقامة، ثم الصبر الصبر، والورع الورع، إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم”. نهج البلاغة: الخطبة 176.
- الاستقامة والورع دعامتا الصبر
إذاً؛ يأتي الصبر في منظور الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، ضمن منظومة متكاملة من القيم العظيمة، فإلى جانب الصبر في العمل؛ هنالك صفة الاستقامة تدعم الصبر ويدعمها، وكذلك هنالك الورع، أي أن صاحب العمل وهو يؤدي عمله، يكون ورِعاً، ويتجنب المحارم المختلفة أثناء أدائه لهذا العمل، فلا يقترب من الغش ولا يستعمل الموارد الرديئة لصناعة المنتَج المطلوب، ولا يبحث عن الربح السريع على حساب جودة العمل.
⭐ الصبر يعطي المهارة للطبيب الجراح، ومع مرور الزمن تتضاعف خبرات هذا الطبيب، وتتنامى شهرته بين الناس، ويقصده القريب والبعيد
فالانسان الذي يتحلى بالورع والاستقامة، قطعاً هو إنسان صبور، لأن النتيجة الطبيعية لصفات الإنسان الورِع والمستقيم ستكون الصبر، وسنكون أمام إنسان صبور حكيم ورع يتحلى بجميع الصفات التي تضمن نجاح العمل الذي يقوم بها، وما أحوجنا اليوم في بلاد المسلمين إلى هذا النوع من الناس الصبورين الملتزمين بالعمل الناجح المحاط بالاستقامة والورع وترك الغش وعدم البحث عن الربح بكل الوسائل حتى لو لم تكن مشروعة كما يحدث اليوم في واقع بعض الدول المحسوبة على المسلمين.
للصبر في العمل مزايا عظيمة تجعله ناجحا على الدوام، وتقوده إلى الربح الحلال دائما، ويقترن هذا الربح الحلال بالسمعة الطيبة، وإقبال الناس على هذا الإنسان من دون تردد، كل هذا يحدث بسبب اقتران العمل بصفة الصبر حيث التعامل الجيد مع الناس، ومن ثمّ يحصل الإنسان الصبور على الثمار الناضجة الجيدة من إصراره على الصبر في عمله، حتى قيل عن صفة الصبر:
يا نفسُ صبراً فعُقْبَى الصّبرِ صالحةٌ
لا بدَّ أن يأتي الرحمنُ بالفرجِ
الصّبرُ أفضلُ شيءٍ تستعينُ به
على الزمانِ إِذا ما مسَّكَ الضررُ
هكذا يتّضح أن عقبى الصبر صالحة لمن يتمسَّك بالصبر في عمله، بل يجب أن تكون صفة الصبر لصيقة للإنسان ليس في عمله وحده، وإنما في جميع تفاصيل حياته، وفي تعاملاته المختلفة، فلا يتعجّل النتائج، ويتعلّم الصبر منذ نعومة أظفاره، لذا فإن جميع الناس الناجحين في حياتهم، تمسكوا بصفة الصبر وجعلوا منها أسلوب تعامل في حياتهم ومنهجا يسيرون عليه، لاسيما أن أئمة أهل البيت، عليهم السلام، حثّوا على الصبر أملاً بالنجاح الدائم.
من محاسن الصبر وأهمها؛ أنه يساند الإنسان، ويمدّه بالعون اللازم، وبالهدوء، وبالقدرة على التوازن في جميع التعاملات الاجتماعية، ومنها التعاملات الخاصة بالعمل، فالإنسان العامل غير الصبور لا يمكن أن ينجح في عمله، ومن هنا جاء التأكيد على أهمية أن تتوافر صفة الصبر عند الإنسان لاسيما في مشاريع العمل التي تتطلب روحا قوية وإرادة راسخة وعقلية متوازنة، وقلبا صبورا.