أخطاء جمة ترتكب في طريق التربية، منها ما هو عادي يمكن تخطيه في المستقبل، ومنها ماهو مؤثر الى الحد الذي قد يحدث خللاً في شخصية الطفل وقد ينسحب معه الخلل الى جميع مراحل عمره، وهذا الذي نخشاه ونعمل على تفاديه، ومن هذه الاخطاء التي نرتكبها؛ نحن الوالدين والمربين بقصد او من دون قصد؛ الجدّية المفرطة في التربية، فما هي اثارها واسبابها؟ وماهي البدائل التربوية الناجحة في التعامل مع الطفل.
يشيع خطأ ان الطفل لابد ان يعامل بطريقة رسمية لاسيما في السنوات الاولى من عمره لكي تتكون خطوط عامة مرسومة بين الوالدين وابناءهم، ويجب ان لا تخترق تحت آية حجة او عذر، وهذا الخطأ يشيع في الغالب بين أولئك القبليين الذي لم يستنشقوا هواء التربية الحديثة ليهتدوا بهديها، فمثل هذه العقول تعتقد ان النزول الى مستوى الطفل واللعب معه وفهم طريقة تفكيره خطيئة كبرى ستجعل منهم لا يحترمون آباءهم، وهذا مخالف جداً للمنطق والعقل، ولا يتماشى مع متطلبات التربية في عالمنا المعاصر.
⭐ تفرز الجدّية المفطرة في التربية؛ تذمرٌ عالٍ من قبل الابناء، فيفضلون عدم الاختلاط بهم، والاختلاط بزملاء الدراسة، أو الاصدقاء، أو الجيران
جوهر المشكلة يكمن في ان الابناء حين يكبرون سيصعب على الوالدين التعامل معهم لكونهم تعودوا على قالب ثابت في التعامل مع الابناء مما يجعل التعاطي معهم صعباً، اضافة الى ان العلاقة تكون مملة جداً، وكأنها علاقة مدير عمل بموظفيه، وهنا ستختفي روح المرح والفكاهة من المنزل، فيفضل الابناء الابتعاد عن اجواء العائلة، والانخراط في علاقات اخرى تؤمن لهم ممارسة حياتهم بصورة اكثر سلاسة وبساطة دونما صفة رسمية ثقيلة، هذا المشكلة بصورة عامة تنتج منها مشكلات أخرى كثيرة، وكبيرة سنتحدث عنها في سياق المقال.
- الرجال اكثر جدية النساء
الرجل الشرقي الذي لازال يعتقد ان فرض الاحترام لابد ان يكون بالقوة وحدها ولا بديل عنها مما يدفعه الى ممارسة سلطته كأب بحذافيرها وليس بروحها، بينما النساء اقل جدية لعدة اسباب، منها؛ أنها عاطفية اكثر من الرجل مما يجعل طريق الجدّية غير سالك بالنسبة اليها، وهو ما يجعل علاقتها بأبنائها اكثر قوة وترابطاً من الاب، وهذا ما نلاحظه عند الغالبية وليس الجميع.
- العائدات السلبية للجدية في التربية وعلاجاتها
من هذه الجدية غير المجدية في التربية تنتج عدة مشكلات سنذكر أهمها، ثم حلولها، وهي كالتالي:
- نفور غالبية الافراد من الاوساط التي تسيرها الجدية لكونهم لا يمكنهم البقاء تحت وطأة هذا النوع من التربية، فهي لا تمدهم بمقومات الحياة الآمنة لكونها تحتوي على نسبة عالية من القلق والحدود غير المريحة وغير المبررة في الاصل.
الحل هو ان يراجع الوالدين الجادّين ما يقومون به، ويحللون نتائج التربية على هذه الشاكلة، ومن ثم يعملون على تقويم طريقة التربية هذه التي قد تفقدهم اولادهم او تفقدهم العلاقات الحميمة التي يحتاجونها لإدامة الودّ والحب بينهم، وتفقدهم الروح الجميلة التي تجعل البيت مكاناً للراحة لا للضجر.
2- ينتج من الجدية المُفرطة تذمرٌ عالٍ من قبل الابناء نتيجة جديتهم القاتلة، فيفضلون عدم الاختلاط بهم، والاختلاط بزملاء الدراسة؛ الاصدقاء، أو الجيران، هرباً من هذه الجدية ومن الضيق الذي ينتج منها.
و العلاج يكمن في ان يضع الوالدين الجديين نصب أعينهم أنهم اصبحوا مملين من قبل أبناءهم، ومن ثم يحاولون ان يخففوا من جديتهم ويستخدمونها في حالات ضرورية، و ليس على الدوام، مما يعطي للوالدين هيبة، وللجدية فاعلية و أثر.
⭐ يعتقد البعض ان النزول الى مستوى الطفل واللعب معه وفهم طريقة تفكيره، خطيئة كبرى ستجعل منهم لا يحترمون آباءهم، وهذا مخالف جداً للمنطق والعقل
3- ينتج من التربية بجدية عالية استنساخ نماذج بشرية بنسخ كاربوينة، وحين تؤسس هذه النسخ أسراً في المستقبل، و تقوم بإدارتها، ستعيد نفس النمط المزعج.
الحل ان يكون سلوك الوالدين ليناً و جافاً حسب الحاجة الى هذا او ذاك، وليس منطقياً ان تسود الجدّية في كل حياتنا، لأننا نؤسس من حيث نعلم او لا نعلم لنماذج مستقبلية، ومن ثم تتكون سلسلة كبيرة من اصحاب هذا السلوك غير المحبذ.
4- غياب الحوار بين الابناء والوالدين لاعتقاد الابناء بكون ما يقوله والديهم مثالي و مُمل ولا يمكن تحمله، وبين اعتقاد الوالدين بكون ما يقومون به هو الصواب، وهنا تحدث الفاصلة التي يصعب تخطيها.
والحل هو ان يتفهم الابناء ويذعنوا قدر الممكن لرغبات والديهم ويتعاملوا مع جديتهم على انها تحدث بدافع الحماية والامان، وهنا ممكن ان يسايروهم بالمعروف، ولا يقولوا لهم قولاً غليظاً، قبالة ذلك لابد من التخفيف قدر الممكن فالدواء الزائد قد يكون قاتلاً.