نبارك للمؤمنين وللأمة الاسلامية حلول عيد الغدير الأغر، وهو يوم تولّي أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، منصب الخلافة والولاية بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله.
كلمة “الغدير” في اللغة؛ الأرض المنخفضة التي يتجمع فيها الماء من بقايا السيول او الامطار، وبعد انتهاء مراسيم الحج، وفي منطقة تُسمى “الجحفة”، انفصلت قوافل الحجيج ليذهب كلٌ الى بلاده، ثم توجهت قافلة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، صوب المدينة وفي منطقة تُسمى “غدير خُم” بين مكة والمدينة، أمر النبي بتوقف القافلة التي كانت تضم حوالي مائة ألف حاج.
في هذه المنطقة تم حسم مصير الأمة في مستقبلها بعد رحلة نبيها الأكرم، وما سيكون عليه الأمر بعد مرحلة النبوة وبداية مرحلة الإمامة والولاية، وبعد طيّ مسافة مسافة 64كيلومتراً عن مدينة مكة المكرمة، أمر النبي الأكرم المسلمين بالتوقف والاجتماع في هذا المكان، وذلك في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام، ليبلغ الأمة بالوصي من بعده، ويكون هو القائد للأمة.
بداية؛ مهّد النبي المسلمين لسماع النبأ الجديد والأمر الإلهي الحاسم، ومما قاله متسائلاً: “ألست أولى الناس بالمسلمين من انفسهم”، فأجابوا باجمعهم بالايجاب، فرفع يد علي بن أبي طالب، هاتفاً: “من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه”.
وبذلك يكون هذا اليوم من الأعياد السعيدة والعظيمة في الاسلام، لانه يتعلق بالولاية والخلافة لأمير المؤمنين من بعد رسول الله، هذه المهمة السماوية تحولت فيما بعد الى تحدٍ كبير لأمير المؤمنين لاشكال الضغوط والاستفزازات والمنغّصات، بيد أنه، عليه السلام، شقّ طريقه لأداء مهمته ومسؤوليته إزاء الدين والامة.
أما مسؤولية التطبيق العملي فهي تقع على عاتق افراد الأمة، وعلى مرّ الاجيال الى يوم القيامة، لأداء حق الإمام في ولايته وإمامته، بيد أن التاريخ سجّل على شريحة من الامة تخاذلها وميولها للمصالح المادية وحب الأنا، مما سبب للإمام، عليه السلام، الكثير من الضغوط والمصاعب، مع كل ذلك؛ واصل أمير المؤمنين مسيرته الرسالية، وجاهد لتكريس قيم الحق على ارض الواقع حتى يوفر الضمانة الأبدية لاستقامة الدين المحمدي وحمايته من أي انحراف، او تشويه بأفكار دخيلة ومستوردة من الخارج.
وفي هذه الطريق، رافق أمير المؤمنين، عليه السلام، صفوة من المؤمنين المخلصين، يؤازرونه في مهمته هذه مهما كلفهم الثمن والتضحيات الجسام. إن ذكرى بيعة الغدير تمثل يوماً لتقرير مصير المسلمين، كما تمثل رسالة الأمانة وصون قيم ومبادئ الدين الحنيف، ليبقى الإسلام نقياً وأصيلاً كما جاء به الرسول الأكرم أول مرة، ويبقى حيّاً نابضاً ومعطاءً الى يوم القيامة .