الأمانة هي أن يأتمنك أحدهم على شيء معين، كأن يكون شيئا ماديا أو معنويا، وعليك الحفاظ التام على هذه الأمانة، وصوْنها، وإعادتها لأصحابها عندما يلزم ذلك، ومن الأمانات المهمة؛ الأمانة في العمل، وهذا يدخل في مجالات عديدة منها؛ الأمانة في الأداء، وفي جانب الجودة، وفي كل ما يصون هذه الأمانة من الانتقاص أو التجاوز.
أما العلماء المعنيون في هذا الشأن فانهم يعرّفون الأمانة بأنها؛ تحمّل المسؤولية، و تُعرف أيضاً بأنها تقديم الحق ونسبته إلى أهله، وهي ترك ما ليس بحق الإنسان مع القدرة على أخذه، لذا فهي خُلق أصيل في النفس، لا يحتاج إلى رقابة الخَلق، وهي تدل على إيثار الحق على هوى النفس، والأمانة صفة تشمل الواجبات الدينية، والأعمال الإنسانية، والأمانة تخالف الخيانة والغش والخداع والتزوير.
من أخلاقيات العمل الأساسية، أن يحافظ الإنسان على الأمانة في عمله، وهذه الأمانة تشمل جوانب كثيرة إيجابية، تجتمع كلها بالنتيجة لتصب في صالح جودة العمل، ومخرجاته الجيدة، حيث يعطي هذا العمل أُكُلُه بصورة جيدة، لأن اعتماد أخلاقيات العمل يعني الحفاظ عليه ولإخراجه بجودة عالية، ومن ضمن هذه الأخلاقيات؛ الأمانة التي لابد أن تقترن بالعمل، فلا فائدة من عمل لا أمانة فيه، لأن فقدان الأمانة تعني ببساطة فساد العمل.
⭐ (من ضيّع الأمانة و رضي بالخيانة فقد تبرأ من الديانة)، أمير المؤمنين، عليه السلام الذين يبيعون الأمانة بالأموال الحرام، لن يربحوا، بل هم أكبر الخاسرين، والتجارب العملية الواقعية تؤكد هذه النتائج
يؤدي فقدان الأمانة إلى فقدان الرزق، هذه المعادلة نلاحظها في واقعنا؛ في الأسواق، وفي السلع التي تنتشر في محال البيع والشراء والمتاجر، فمن لا يحافظ على الأمانة فيما يبيع فإنه سوف يخسر زبائنه، فتبور السلع التي يعرضها للبيع، ويفتقر ويضطر بالنتيجة إلى غلق “أبواب رزقه” بيديه بسبب فقدانه للأمانة في عمله.
يقول أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، عليه السلام: “أداء الأمانة مفتاح الرزق”.
هذا الحديث يؤكد أن الأمانة في العمل تفتح جميع أبواب الرزق أمام البشر، وهذه نتيجة منطقية حين يكون الإنسان أمينا في عمله، فإنه سوف يحسن للناس المشترين، وسوف يتعامل معهم بصدق وجودة ودقة نابعة من أمانته في العمل، ومن ثمّ، فهو من خلال أسلوبه الأمين في التعامل مع الناس، يجعلهم مقبلين عليه متعاملين معه ومفضلين له على غيره من الباعة، وبهذه الطريقة تنفتح أبواب الرزق أمام الشخص الذي يجعل من الأمانة هدفا له.
بعضهم قد يتشاطر ويظن أن العمل نوع من الشطارة القائمة على خداع الآخرين، فهناك من يخدع الناس بعرض سلع مزيفة خالية من الجودة مقابل مبالغ لا تستحقها، وهو بذلك يظن أنه ضرب عصفورين بحجر واحد، أي أنه يبيع سلعة مزيفة رديئة الصنع بأسعار عالية أكثر بكثير من قيمتها الحقيقية، أو أنه يصنع سلعاً رديئة بكلفة قليلة، ويبيعها بأضعاف سعرها الحقيقي، وهو بذلك يغش الناس ويتخلى عن الأمانة في العمل، فيطرد رزقه بخيانة الناس.
أمير المؤمنين، عليه السلام، وصف هذا السلوك، بالقول: “من ضيّع الأمانة و رضي بالخيانة فقد تبرأ من الديانة”.
هذا يعني إن الإنسان الذي يخون الأمانة، ويغش في العمل، فإنه يتبرّأ من ديانته، أي أنه لا يلتزم بأحكام الدين، لأنه يفضّل كسب المال الحرام على الحلال، وهو مستعد لخيانة أمانته في العمل مقابل الأرباح المادية التي يسعى لجمعها وكسبها بغض النظر عن طريقة وأسلوب هذا الكسب، وهل كان أمينا فيه أم أنه خدع الناس ليحصل على أرباح أكبر لا يستحقها.
هؤلاء الذين يبيعون الأمانة بالأموال الحرام، لن يربحوا، بل هم أكبر الخاسرين، والتجارب العملية الواقعية تؤكد هذه النتائج، فجميع العاملين والباعة الذين لا يراعون أخلاقيات العمل، ولا تعنيهم الأمانة من قريب أو بعيد، هؤلاء غالبا ما ينتهون إلى الخسارات المهلكة، وينتهون إلى الفقر التام، بعد أن يخسروا عملهم بسبب تخلّيهم عن شرط الأمانة في العمل.
لهذا من أهم ما ينبغي أن يراعيه صاحب العمل، هو التزامه بالأمانة في الانتاج نوعا وكمّا وسعرا، وأن يراعي الناس من خلال التزامه بأمانة العمل، وسوف يكون أول وأكبر الرابحين، فشرط الأمانة في العمل يفتح أبواب الرزق بأوسع آفاقها، ويتضاعف رزق الإنسان يوما بعد يوم، أما المتشاطر الخدّاع فإنه سرعان ما ينكشف للجميع، فيخسر عمله ودينه ورزقه ونفسه، وما أصعبها وأكبرها من خسارة!