أيُّ كلام هذا…؟!
أكيد إن الرجل رجلٌ، وليس شيئاً آخر، كما المرأة، الفوارق واضحة في الوظائف والحالات بين ما هو ذكر، و ما هو أنثى. حسناً!
عندما تسير في الشارع، ثم تنعطف الى السوق – مثلاً- للتبضّع، او تراجع دائرة حكومية، فانك تجد من حولك من ينتمي الى شيء اسمه انسان، بمظاهرهم الجميلة والأنيقة؛ رجالاً ونساءً، مع شيء من المجاملات، ولكن! ما أن تتقدم لطلب معين، مثل شراء حاجة، او تقديم معاملة رسمية تهتزّ صورة “الانسانية” كحالة مفترضة في ذهنك وبشكل مريع، ويتحول الشخص الذي أمامك الى شيء آخر… عندما يصرخ بوجهك، او ينهش جيبك بالغش والكذب.
اعتقد هنا يتفق الجميع على أننا أمام أزمة انسانية في كل مكان، ولن يجامل أحد بالقول: كلا؛ الانسانية موجودة، فأنا انسان أسير في الشارع وأتعامل كما الآخرون، ولا غبار عليّ! لأن الافتراض شيء، والواقع الملموس على الارض شيء آخر، والعِبرة بالنتائج.
ينسحب الأمر على الحالة الاجتماعية، فالافتراض يقول: أن في البيت امرأة؛ وفي السوق وميدان العمل؛ رجل، واذا حصل أن رضي الرجل لنفسه الجلوس في البيت لأي سبب كان، سيطرق سمعه من الاصحاب سؤالاً مازحاً: “هل اصبحت امرأة تجلس في البيت”؟! أما المرأة التي تزاحم الرجال في العمل بدعوى الحاجة الى مزيد من الاموال وتغطية تكاليف المعيشة، فان التقييم الايجابي سيهديها كلمات رقيقة ملؤها الثقة والاعتداد بالنفس، مثل؛ أنت قوية! أنت ثريّة! أنت متفوقة ومتميزة! وغيرها من العبارات المندرجة حالياً ضمن شعار “تمكين المرأة”، على أنه تمارس حقها، كما يصبح من حقها ايضاً القول: لا فضل للرجل عليّ بشيء؛ لديّ المال والقدرة البدنية والذهنية للعمل والتملّك، فلماذا نحصر وجود “المتمكّن” بالرجل فقط بدعوى أنها امرأة؟!
⭐ لنميّز بين المرأة التي تسد فراغ زوجها المتوفي أو الشهيد فتعمل لسد احتياجات الأسرة، وبين المرأة المُحبة “للتمكين” والاقتدار والعمل في مختلف الميادين لاهداف أخرى
لنميّز بين المرأة التي تسد فراغ زوجها المتوفي أو الشهيد فتعمل لسد احتياجات الأسرة، وبين المرأة المُحبة “للتمكين” والاقتدار والعمل في مختلف الميادين لاهداف أخرى لسنا بوارد الحديث عنها، فهذه لها اهداف خاصة، أما تلك فهي تبقى امرأة في ظاهرها وباطنها وسلوكها وطريقة تفكيرها، فيكون تعامل الناس معها ضمن هذه حدود مقدسة، ولطالما شهدنا نماذج راقية لأمهات جاهدن لكسب لقمة العيش، وتحدين الصعاعب والمحن، والأكبر من كل ذلك؛ احتفاظهن بأنوثتهنّ وهويتهنّ كـ”أنثى” تتعامل مع من يأخذ منها البضاعة المصنّعة في البيت، او ما أشبه.
⭐ الوضع جدّ خطير، يدعونا جميعاً للاستعداد و تقوية أسوارنا الثقافية، وتحديداً؛ الأسرة بتثبيت الهوية والإصرار عليها بكل ثقة واعتزاز
وبعيداً عن نوايا واهداف المرأة في ميدان العمل، لاسيما اصحاب الشهادات الجامعية، فانها أمام تحدٍ خطير عليها الانتباه اليه، وهي الاحتفاظ بانوثتها وكونها امرأة لا رجل، مهما فعلت وأنجزت، وأن تأخذ بنظر الاعتبار المحيط الاجتماعي الذي سيتعامل معها كامرأة او فتاة في ميادين العمل المختلفة، وليس كرجل، ولعل هذه تُعد منقبة وامتياز لها، فهي مع كونها أنثى لها خصوصيتها في التعامل والحديث والسلوك، تمارس في الوقت نفسه حقّها في العمل وكسب المال والتملّك، ليس في ميدان العمل وحسب، وإنما في ميدان الأسرة داخل البيت ايضاً؛ هي تبقى هي الزوجة الرقيقة والحنون المتفهمة للحياة الزوجية، ومصداق الوصف الإلهي {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، أي مصدر للاستقرار بكل اشكاله، وليس القلق والاضطراب، وكذا الفتاة الحاصلة على فرصة عمل، فهي تبقى البنت المخلصة لأبويها، والملتزمة بقواعد الأسرة ونظامها الاجتماعي المقدس.
نعم؛ ربما الاعراف الاجتماعية والتقاليد الموروثة تصمد لفترة معينة أمام هكذا موجة عاتية يشهدها العالم المتحرر والمتطور بسرعة مذهلة، ولكن! بروز مظاهر في الشارع لم تكن معهودة في السابق، لاسيما في مجتمع محافظ مثل المجتمع العراقي، وحتى في مجتمعات اسلامية اخرى، تجعلنا لا نطمئن كثيراً للافتراضات والحدود الضعيفة. الوضع جدّ خطير، يدعونا جميعاً للاستعداد و تقوية أسوارنا الثقافية، وتحديداً؛ الأسرة بتثبيت الهوية والإصرار عليها بكل ثقة واعتزاز، فالشاب وحتى الفتى المراهق يعتز برجولته منذ صغر سنّه، و أنه مسؤول عن أمه وافراد أسرته في غياب ابيه، ولن يرتضي لنفسه ان يكون فتاة حتى وإن قيل له أنه يتخلص من مشاق العمل وضغوط الحياة، و يفرشون له الارض بالازهار والحرير، ويعيش حياة الدلال، وكذا المرأة والفتاة، فهي تعتزّ بأنوثتها رغم ممارستها لاعمال خارج البيت، فهي لن تخسر الأمومة والعزّ عند الأبوين كما وسمها النبي الأكرم: “العزيزة في أهلها”، حتى وإن قيل لها أنها ستقود العالم وينحني لها الأقوياء، لأن الحقيقة النابعة من الفطرة شيء، والسراب شيء آخر.