قال أمير المؤمنين، عليه السلام: وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الْأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنكَرِ، وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ وَشَنَآنِ الْفَاسِقيِنَ”.
في بيان دعائم الايمان الواردة في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين، عليه السلام، نشرع في هذا المقال في بيان دعامة أخرى من دعائم الايمان ألا وهي “دعامة الجهاد”.
الحياة ليست كلها وروداً؛ في الحياة أشواك، والمجتمع ليس كله طيّبا ففيه الفاسدون، المنافقون، والكفار، وأمام الرسالة الإلهية ينقسم الناس الى أربعة أقسام؛ المؤمنون بالرسالة، والكافرون بها، والمتظاهرون بالإيمان، والفاسقين.
الايمان له موقف تجاه كل فئة من هذه الفئات الاربع؛ ففي مواجهة جبهة الكفر فإن الايمان يُحارب، والبغضاء في مواجهة الفاسقين، والنهي في مواجهة المنافقين، ومع المؤمنين يشد الإيمانُ ظهورهم.
من دعائم الايمان “الجهاد”، لان الايمان ليس مثل أرنب يعيش في قلب، ويستطيع العيش في أكواخ الفقراء وقصورالامراء، الايمان موقف، وجبهة وراية، وهو نورٌ في قلب المؤمن ولا يجتمع النور مع الظلام، ومن هنا فإن المؤمن يتناقض اساسا مع الكافر، لان الايمان مناقض للكفر والنفاق والفسق، فما دام المؤمن يحمل الايمان فلابد ان يقف في جبهة المؤمنين؛ فلابد من الأمر بالمعروف.
⭐ الايمان لا ينمو الا حينما يدخل في ساحة الصراع
أما ان يحمل قلبٌ الايمان ويقف في جبهة العدو للايمان فهذا لا يكون إيمانا، لان الايمان انبعاث روحي وله رأي معيّن في اشياء الحياة؛ فالايمان يقاتل، ويحارب، ويعادي، فليس مطلوبا أن يكون المؤمن مرضيا عنه عند جميع فئات الناس، لان الايمان يتناقض مع فئة ويتناسب مع أخرى، أما ذلك الانسان الذي يرضى عنه المؤمن، والفاسق، والكافر فإن في إيمانه إشكال، ولذا فإن القرآن الكريم يتحدث عن الناس، وانهم اختلفوا بعد نزول الرسالات على الانبياء يقول ـ تعالى ـ: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
كان الناس يعيشون في مكة حياة واحدة، وموحَدين على الكفر، حتى إذا نزل القرآن الكريم على قلب رسول الله، صلى الله عليه وآله، اصبحت هناك جبهة للمؤمنين، وأخرى للكافرين، وثالثة للمنافقين، ورابعة للفاسقين، وأصبح رسول الله الذي كان يسمى بالصادق الأمين، وكان مرضيا عنه عند أهل مكة، أصبح محارَبا ومحارِبا؛ فأصبح عدواً لجماعة، واصبحت جماعة تراه عدوا لها.
الاختلاف يبدأ عندما تنزل الرسالة فمن يعاديها قلبا وظاهراً يصبح في جبهة الكفر، ومن يتظاهر بها أمام الناس وفي قلبه مرض يكون في صفوف المنافقين، والذي يؤمن بالرسالة لكنه يتجاوز حدودها بين فترة وأخرى يكون مع الفاسقين.
⭐ ليس مطلوبا أن يكون المؤمن مرضيا عنه عند جميع فئات الناس
لابد للمؤمن من موقف تجاه كل فئة من تلك الفئات الثلاث، حينما تبدأ الرسالة بالتحرك في داخل الزمن، وبالفعل في المجتمع هنا ينبري رجال لها ويقاومون الايمان، ومن ثم تنقسم الحياة الى قسمين؛ جبهة الحق، وجبهة الباطل، والايمان في الاسلام ليس لفظ يرقد على شفاف المؤمنين، الايمان له مواقف وجبهة، فهو يصادق قوما ويعادي آخرين.
الايمان حالة معينة في الانسان تناقض الحالات الأخرى كما النور يناقض الظلام، الايمان حالة في القلب يحارب الحالات الاخرى وهي الجهاد مع النفس، وكذلك الايمان يحارب في ساحة المجتمع، ولا يمكن للمؤمن ان يقف في جبهة العدو إن كان مؤمنا، في كربلاء خرج زهير بن القين على فرس له ذنوب ، وهو شاك في السلاح، فقال: “يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار! إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وكنتم أمة”، فالايمان لا يجمتع في جبهتين ويقاتل نفسه لان الحق واحدة، وفي كل معركة هناك حق وباطل.
إذن لا يمكن للمؤمن أن لا يكون مجاهداً، حينما يسأل أمير المؤمنين، عليه السلام، عن الإيمان يقول: الايمان على اربع دعائم”، ويجعل “الجهاد” إحدى تلك الدعامات، ويصنف الجهاد اربع شعب.
الجهاد من فروع الدين ومن دعائم الايمان، ذلك ان الايمان لا ينمو الا حينما يدخل في الساحة، وفي هذه الرواية عن أمير المؤمنين، يتكلم عن جذور الايمان، يقول عليه السلام: “الجهاد على أربع شعب؛ على الأمر بالمعروف، ومن حيث الظاهر فإنه ـ الامر بالمعروف ـ عمل خارجي لا ارتباط له بحالة نفسية، لكن واقعا لوجود الحالة النفسية في المؤمن لا يمكن ان تجتمع معها، فهو مع المؤمنين يشدُّ ظهورهم، وينهى المنافقين عن المنكر، ويبغض الفاسقين ويقاطعهم، فالايمان بالعمل يمنو.
- مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي (حفظه الله).