ثقافة رسالية

معالم  الشخصية الايمانية (5) أفضل السُبل لتحقيق الأمن والحياة الكريمة*

هناك مسؤليتان عظيمتان ملقاتان على الانسان، وهما دليل على عظمة الانسان، وعلى ان الله أكرمه بهاتين المسؤوليتَين:

الاولى: الامن.

الثانية: الهُدى.

الانسان يولد حراً آمنا والله ـ تعالى ـ يظلله بظلال الرحمة، ونقرأ في الدعاء: “يا جابر العظم الكسير يا رازق الطفل الصغير وراحم الشيخ الكبير”، فالطفل الصغير لا حول ولا قوة له، لكن بعدما ينمو تتفتّق مواهب الله عنده؛ عقله، عمله، وضميره، وفطرته، وتبدأ هناك مسؤوليتات؛ الاولى أن يحافظ على نفسه، ويحافظ على حريته واستقلاله، وعيشه، والمسؤولة الثاني هي ان يهتدي: فمن أين؟ والى أين؟ ولماذا؟ وهذه اسئلة يطرحها الانسان فطريا على نفسه، وهذه الاسئلة هي هدى.

المشكلة عند البشر أنه يخطئ الطريق، فإذا أراد توفير الأمن لنفسه يظن أنه إذا اصبح من اعوان السلاطين سيصبح آمنا ويضمن مستقبله، ويظن أنه إذا خضع لاهل الثروة يأمن نفسه، ويظن أنه إذا تنازل عن اولوياته في الحياة؛ كرامته، واستقلاله، وحريته، يصبح آمنا وهذا ظنٌ خاطئ، وهذه الأخطاء يبينها الله ـ تعالى ـ أنها فاجعة وأنها السبب هلاك الانسان، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “من أعان ظالما سلطه الله عليه”، فقد ترى اعوان السلاطين يتجبرون على الناس، لكنهم في واقعهم وانفسهم أذلاء.

⭐ يظن الانسان أنه إذا تنازل عن اولوياته في الحياة؛ كرامته، واستقلاله، وحريته، يصبح آمنا وهذا ظنٌ خاطئ

وهذا الامر كذلك بالنسبة للعيش الكريم؛ فالبلد الذي لا استقلال فيه لا عيش كريم فيه، ومنذ مئتي سنة والبلاد الاسلامية غير مستقلة، لذا لا نرى أي تقدم فيها؛ فمثلا اليمن منعت في زمن النظام السابق من استخراج النفط، وذلك المنع جاء من دولة مجاورة، كثيرمن البلدان الافريقية مليئة بالمعدان لكن الغربيين لا يسمحون لاحد باستخراجها إلا هم انفسهم، وبقية تلك البلاد تحت الفقر وانعدام الامن.

حينما تتجلى معرفة الرب في قلب الانسان، يتفجر نشاطا؛ احد المستبصرين من أهل العامة، وبعد اعتناقه لمذهب الحق، رفض البقاء في الحوزة العلمية، وعندما قيل له: لماذا تذهب؟

قال: انا عرفت الحقَّ، فكيف لا ابلغه للآخرين!

هذه الصفة تبين مدى عمق معرفة الانسان بربه، فمن يعرف ربه لا يجد مكانا للراحة، يخاطب اللهُ النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}، من شدة اهتمام النبي بامته، وفي آية أخرى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفا}، وهذه طبيعة الانسان الرسالي.

النبي ابراهيم، عليه السلام، كان مَثَلاً رائعا لتحدي الضلال والكفر: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}، قد يكون الانسان وحده لكن حوله اقارب واصدقاء، وقبل ذلك قلبه مطمئن.

الاصنام التي كانت تُعبد من دون الله؛ سواء في بابل او الكعبة او في مكان آخر، تلك الاصنام هي رموز للقوى الحاكمة في المجتمع، فالأعلام اليوم ترمز الى الدولة، فالاصنام التي كانت في جوف الكعبة، كان كل صنم يرمز لقبيلة.

نبي الله ابراهيم، عليه السلام، حينما حطّم الأصنام بالمعول، قالوا عنه {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، فالفتوة ليست بمعنى الشجاعة فقط، وإنما ايضا تدل على صغر عمره عليه السلام.

⭐ إذا اصبح العالَم بلا ايمان ولا حرية يكون اشبه بغابة تسكنها الوحوش

من العجيب ان الطغاة عادة ما يُشركون كل الناس في أي فعل ضد الأنبياء والصالحين، فنمورد أشرك الجميع وجعلهم يجمعون الحطب لحرق النبي ابراهيم عليه السلام، كذلك فعل عبيد الله بن زياد في حربه ضد الإمام الحسين، عليه السلام، إذ جعل أهل الكوفة؛ كبيرهم وصغرهم يذهبون الى كربلاء، ومما ينقل أن أعرابا جاء الى الكوفة ليأخذه أمواله من أحد الكوفيين، فأخذته الشرطة الى عبيد الله بن زياد، فقال له: لماذا يا أعرابي لا تخرج لقتال الحسين؟

فقال الأعرابي: ومن يكون الحسين؟

فقال ابن زياد: اضربوا عنقه ليكون عِبرة لغيره.

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}الأمن الذي مسؤولية كبيرة عند الانسان، لانه يتربط بحياته، وحريته، واستقلاله، بشرط أن يكون ذلك الامن في ظل الدِين، فالأمن للجميع: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} العروة والوثقى: الحبل المتين، ونحن كأشخاص يجب ان تتبلور عندنا هذه المعرفة، وتتحول الى سلوك في حياتنا، ومنهج في تفكيرنا، وكل ذلك رهين بأن يكافح الإنسان ويجاهد نفسه، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “اعلموا أن الجهاد الأكبر جهاد النفس، فاشتغلوا بجهاد أنفسكم تسعدوا”، ثم شيئا فشيئا يصبح الامن واقع حال.

إذا اصبح العالَم بلا ايمان ولا حرية يكون اشبه بغابة تسكنها الوحوش، في بعض الدول الغربية كفرنسا التي يدعون أنها مهد الحرية، وانطلاق شرارة الحضارة، تُعامل المرأة المسلمة بعنصرية، فلا يحق لها أن تلبس الحجاب، بينما يضج العالم الغربي على مسألة الحجاب في الدول الاسلامية ويجب ان تأخذ المرأة حريتها، وهذا هو الكيل بمكيالين.


  • مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا