سلوكيات الانسان العملية تخضع لثقافته التي يحملها، والتي هي انعكاس لرؤيته للحياة، ولذا عُرفت الثقافة: “بأنها الرؤى والافكار التي تنعكس على واقع الانسان وحياته”، ولان القرآن الكريم من أهم روافد الثقافة بالنسبة للفرد المسلم، بما فيه من قيم وأحكام، وتشريعات، الغاية منها أن يسير الانسان وفق الصراط القويم، وبالتالي يتجنب المنزلقات التي قد تؤدي به الى ارتكاب محذور ما.
ومع وضوح الآيات القرآنية وسهولة فهمها كما تؤكد الآية الكريمة: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، إلا أن فهم الآيات القرآنية والوصول من خلالها الى بصائر معرفية وعلمية، لا يتم بمجرد قراءة الآية واسقاطها على الواقع دون التروي والتأني، فهناك من يستفيد من آية تتحدث في سياق قرآني خاص، ويسقطها على واقع بعيد كل البعد، غير ما أرادت الآية الوصول اليه.
⭐ القرآن الكريم ـ وبلا تشبيه ـ كغيره من العلوم له علماء يبينون ما لم يفهمه عامة الناس، فكما أن المريض يراجع الطبيب عندما لا يفهم الوصفة الطبية جيدا، كذلك على الانسان المؤمن ان يعود الى أهل الفهم الصحيح للقرآن الكريم
من الطريف؛ أنني أُقحمت في خلاف عائلي، وطلب مني التدخل لتقريب وجهات النظر حتى تعود المياه الى مجاريها، كان الخلاف بين الأخ وأخته، وهما متقاطعان؛ لا يُكلم أحدهما الآخر، والسبب في ذلك شحناء نشبت إثر موت والدهم، المضحك المبكي أن الأخ ـ الذي قاطع أخته ـ أحد خريجي المراكز الدينية، ولديه اجازة في إمامة الجمعة، وتقسيم الإرث وما اشبه من القضايا المناطة بعالِم الدين كإختصاص له دون غيره، بعد أخذ ورد معه؛ قلت له لماذا أنت مقاطع لاختك؟
قال: هي من قاطعتني أولا، وأنا أرد المثل بالمثل، وهذا مبدأ قرآني!
قلتُ له: عن أي مبدأ قرآني تتحدث؟
قال: مستشهداً بالآية الكريمة: { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}!
قلت له: لكن هذه الآية القرآنية تتحدث عن العدو، في معاملته بالمثل، لا عن الأرحام، فالرحم لا تعامل بالمثل.
هذا الشخص وقع في خطأ لا يغتفر بأن اسقط آية قرآنية جاءت لبيان حالة خاصة مع العدو، بأن اسقط هذا الآية على مشكلة عائلية بينه وبين أخته، فإما أنه جاهل او متجاهل بالسياق القرآني، وفي كلتا الحالتين وقع في مصيدة الفهم الخاطئ للسياق القرآني.
لذلك “من المواضيع المهمة المتعلقة بفهم القرآن الكريم، هو طريقة الاستفادة من التفاسير ومن الروايات فيما يخص مواضع التطبيق القرآني”.(القرآن حكمة الحياة؛ السيد المرجع المدرسي).
⭐ من المواضيع المهمة المتعلقة بفهم القرآن الكريم، هو طريقة الاستفادة من التفاسير ومن الروايات فيما يخص مواضع التطبيق القرآني
إذن فالقرآن الكريم ـ وبلا تشبيه ـ كغيره من العلوم له علماء يبينون ما لم يفهمه عامة الناس، فكما أن المريض يراجع الطبيب عندما لا يفهم الوصفة الطبية جيدا، كذلك على الانسان المؤمن ان يعود الى أهل الفهم الصحيح للقرآن الكريم، وهم الذي خوطبوا به، اي النبي الأكرم، وأهل بيته صلوات الله عليهم، ومن بعدهم الفقهاء الذي وقفوا حياتهم لبيان هذا الدين.
عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ،قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):قَوْلُ اللَّهِ: {وَمٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} قَالَ:«يَعْنِي تَأْوِيلَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ إِلاَّ اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَرَسُولُ اللَّهِ أَفْضَلُ الرَّاسِخِينَ،قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيلِ وَ التَّأْوِيلِ،وَ مَا كَانَ اللَّهُ مُنْزِلاً عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأْوِيلَهُ، وَأَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ كُلَّهُ، فَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ:مَا نَقُولُ إِذَا لَمْ نَعْلَمْ تَأْوِيلَهُ؟
فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ الْقُرْآنُ لَهُ خَاصٌّ وَ عَامٌّ، وَنَاسِخٌ وَ مَنْسُوخٌ، وَمُحْكَمٌ وَ مُتَشَابِهٌ، فَالرَّاسِخُونُ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَهُ”. (البرهان في تفسير القرآن؛ المؤلف: السيد هاشم البحراني الجزء : 1 صفحة : 599).
الطريق الى فهم القرآن الكريم هو الرجوع الى روايات النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وما جاء عن أهل البيت، عليهم السلام، كذلك يجب اتباع منهجية علمية وهي أن يتعلم من القرآن الكريم للعمل به، فالقرآن كتاب تطبيقي واقعي يفهمه الانسان من خلال تطبيق بصائره على النفس وعلى الواقع، وليس كتابا نظريا يسرد نظريات علمية مجردة.