جزيل الشكر والامتنان لكل من يسهم في تأسيس الدورات التربوية والتثقيفية في كربلاء المقدسة وسائر مدن العراق خلال العطلة الصيفية.
بداية الثمرة؛ التفاعل والحضور الحاشد من البنين والبنات في أعمار الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، شوقاً الى تعلّم أحكام القرآن الكريم، والعقائد، والأخلاق، ومسائل تتعلق بتنمية المهارات، وصناعة الشخصية الفاضلة والناجحة.
المعروف عن هذه الدورات التي نرسل اليها ابناءنا، بمعظمها عبارة عن محاضرات يجلس فيها الأولاد أمام متحدث؛ كلٌ حسب اختصاصه، يتكلم عن الجانب الخاص به، مع تطعيم فقرة ترفيهية في البرنامج، مثل؛ المسابقات، و رحلات الزيارة الى المراقد المشرفة، وإقامة بعض الالعاب الرياضية.
⭐ الشاب في مرحلة المراهقة وما بعدها لن تتبلور شخصيته بشكل واضح لمحيطه الاجتماعي إلا بعد أن يتكلم ويفصح عما في داخله من مشاعر وأحاسيس وأفكار ورغبات
الشكر موصولٌ للقائمين لما يبذلونه من جهد ومتابعة وتخطيط ليكون كل شيء في محله مع تحقيق أقصى درجات الفائدة، إنما طموحنا أكثر وأبعد لتحقيق الغاية المنشودة بصياغة شخصية متكاملة –قدر الامكان- لرجال الغد، وأول خطوة على هذا الطريق؛ إبعاد المؤثرات السلبية للواقع الحالي عن اذهانهم ونفوسهم، وإفساح المجال امامهم للإسهام في إزالة هذه السلبيات عن الواقع، رغم ضخامة هذه السلبيات، إلا أن الافكار الصغيرة والعفوية، المنبعثة من نفوس طيبة، ربما تؤثر عميقاً في هذا الركام القاتل، فتزيله وتنظف الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وحتى السياسي منه، ولو تدريجياً.
الشاب في مرحلة المراهقة وما بعدها لن تتبلور شخصيته بشكل واضح لمحيطه الاجتماعي إلا بعد أن يتكلم ويفصح عما في داخله من مشاعر وأحاسيس وأفكار ورغبات، وهي بالأعم الاغلب تعبر عن ذاته، كما يمكن ان تتعلق بأبويه، واخوانه واخواته، واقاربه واصدقائه، وبالحياة بشكل عام، كأن يكون حبّه للنظافة في الشارع أو تجاهله للموضوع، او حبّه للطبيعة والحفاظ عليها من التلوث، والحرص على المساحات الخضراء، وما الى ذلك من مشاعر إزاء مسائل مختلفة.
فيما مضى من الزمن كنّا تحت المنابر وأمام المحاضرين من علماء وفقهاء وشخصيات فكرية مرموقة، نجلس للاستماع وحفظ ما يقولونه، وبعد الانتهاء كان القائمون على البرنامج يحاولون إثارة فضول الجالسين بطرح ما يجول في خاطرهم من اسئلة، فكان الجواب؛ الصمت! مع الابتسامة للدلالة على عدم وجود الغامض وغير المفهوم من القول، فكل شيء تمام، و واضح، وجزاكم الله خير الجزاء! وفي تجربة رائدة شجّع عليها سماحة السيد المرجع المدرسي في ثمانينات القرن الماضي في محاضراته الاسبوعية، بأن دعا الحاضرين لطرح اسئلتهم على شكل قصاصات ورقية فجاءت النتيجة؛ الاسئلة بالعشرات! حتى ضاق بها الوقت، وانفجر الحاضرون باسئلة حول الحرب، والسياسة، والمجتمع، وقضايا الفكر والثقافة، والحوزة العلمية، و…غيرها كثير.
كان هذا من باب المثال، أما اليوم فلا نجد حاجة لاستثارة ابناء الجيل الجديد ليتكلموا ويفصحوا عما في داخلهم، إنما هم جاهزون في أي لحظة للتكلم، و بقوة هائلة بعيداً عن التحفظات والحدود، فهم يبدون رأيهم، ويعربون عن رغباتهم حتى وإن تقاطعت مع ما افكار وثوابت الكبار، بفضل التطور الحاصل في وسائل الاتصال، بل والتطور الذهني للبشر مع مرور الزمن، وهي مسألة طبيعية، الامر الذي يستدعي الانتباه الشديد، ثم الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية لخدمة هذا الجيل نفسه قبل التفكير بالاستفادة منه، من خلال فتح قنوات ومجالات يصبّون فيها كل ما يجول في بالهم وخاطرهم من الممكن ان تتحول الى افكار تنموية، بل وربما لحلول مشاكل استعصت على الكبار.
إن من مظاهر تقدم الأمم؛ إشراك جميع الافراد في عملية التنمية والتطوير، وعدم إهمال شخص واحد، صغيراً كان أم كبيراً في العمر، جاهلاً كان أم عالماً، غنياً كان أم فقيراً، ومن ابرز التجارب في هذا المجال ما حققه الاقتصاد الرأسمالي في باكورة ظهوره بعد فترة الاقطاع والعبودية في اوربا والغرب بشكل عام، فمن اجل إحياء فكرة “اقتصاد السوق” و تقليل سلطة الدولة على الاقتصاد، أطلق علماء الاقتصاد لديهم المقولة الشهيرة: “دعه يعمل دعه يمُر”، فانطلق الجميع في المصانع والورش والمختبرات، كلٌ يجرب حظه في عمل شيء ما ليكسب المال ويحسن وضعه المعيشي.
⭐ إن من مظاهر تقدم الأمم؛ إشراك جميع الافراد في عملية التنمية والتطوير، وعدم إهمال شخص واحد، صغيراً كان أم كبيراً في العمر، جاهلاً كان أم عالماً، غنياً كان أم فقيراً
ولسنا بوارد التحقق من مصداقية هذا الشعار، وهل انه جاء لخدمة الانسان الغربي، وأن يكون الجميع اغنياء واصحاب ابراج شاهقة، ومصانع، وشركات تجارية ونفطية عظيمة كما حصل لفئة محدودة من ابناء المجتمع الغربي، إنما العبرة في إفساح المجال للعمل والابداع، فاذا كان الغرب يفتقر للقيم الانسانية والحضارية الداعية لأن يكون كل انسان سعيداً ومرفهاً وناجحاً في الحياة، كما اراد الاسلام، وبينه الرسول الأكرم والأئمة المعصومون من بعده في برامجهم وسيرتهم مع الناس، فنحن أجدر بالاستفادة من كل هذا التراث العظيم في مسألة بسيطة وغير معقدة، تدور في الاحياء السكنية المكتظة بالشباب في أعمار الورد، ممن يتحسّر عليهم في دول عديدة بالعالم.
فالعراق يمتلك نسبة ممتازة من اليافعين وفي سن العمل قياساً بسائر الدول، فحسب احصائية لوزارة التخطيط العراقية فان نسبة من تقل اعمارهم عن 15 يشكلون 40%من مجموع السكان، أما من هم في سنّ العمل فتبلغ النسبة 56%، مع أرقام مريحة للولادات مقابل الوفيات، ومعدل رائع للنمو السكاني، وأرقام كثيرة تؤشر الى وجود ثروة هائلة وعظيمة لا تقدر بثمن من المفترض ان يكون العمل عليها ذهنياً بالدرجة الاولى، ومن ثم عضلياً ليكون الشاب العراقي في مرحلة النضوج الذهني والعلمي والثقافي بمنزلة المنتج والمُربي، بل والقائد لنفسه وللآخرين.
ثم لا ننسى أن الشباب والاطفال في العراق، وقياساً بمن هم خارجه، ما يزالون يحملون الشيء الكثير من الآداب والأخلاق والتقاليد الحسنة، مع أرضية معنوية صلبة تغذيها المناسبات المتعلقة بأهل البيت، عليهم السلام، على الرغم من كل المؤثرات الموجودة والساعية بشدة لأن تحل محل كل هذا التراث الاخلاقي والديني والاجتماعي، والفرصة امامنا قائمة حتى الآن.