آيات عديدة في الكتاب الحكيم تدل على أن كل انسان يؤتى كتابه يوم القيامة بيمينه او بشماله، وأنه يحاسَب بناءً على ما يحتويه هذا الكتاب من أعمال صالحة أو سيئة، أو الخليط من هذا وذاك.
وذلك ـ كقوله ـ تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}، وقوله ـ سبحانه ـ: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}.
فهناك حساب فردي يواجه كل شخص فيه نتائج اعماله وتصرفاته في الدنيا، ومن شدة ودقة الحساب يذهل الانسان عن كل علاقاته وارتباطاته النسبية والسببية وغيرها في الدنيا: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.
ولكننا عند مطالعة القرآن بتدبّر وإمعان نواجه آية كريمة تلفتنا الى قضية هامة نواجهها في يوم الحساب، وهي: الحساب الجمعي إضافة الى الحساب الفردي. يقول الله ـ تعالى ـ: {وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
فعبارة {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا} تلفت انظارنا الى أنه الى جانب الكتاب الفردي لكل شخص (الملف الشخصي) هناك كتاب آخر هو كتاب المجتمع، أو قل – كما في كلام الله – (كتاب الامة). فكل شخص يُحاسب على اساس كتابه الخاص وملفه الشخصي، والأمة – ككيان جمعي مترابط – تُدعى الى كتابها وتُحاسَب على اساسه أيضاً.
فماذا يعني هذا بالنسبة لنا في الدنيا؟
يعني أنَّ لكل إنسان نوعين من المسؤوليات: المسؤوليات الفردية، كالعبادات الفردية مثلاً (الصلاة – الصوم – صلة الرحم – طلب العلم – اكتساب الرزق – وما شاكل) والمسؤوليات الاجتماعية، وهي التي تتطلب تعاون أفراد المجتمع (الأمة) في إطار عمل جمعي لإنجازها، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والسعي لاصلاح مسيرة المجتمع، وإصلاح الثقافة العامة وتغيير الاوضاع الفاسدة الى الصلاح: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.
وهكذا نستنتج التالي: فكما على كل مؤمن أن يفكر ويهتم بصلاته وصومه وكسبه ودراسته واسرته وارحامه، وجيرانه، وما شاكل من الامور الفردية الخاصة به، عليه أيضاً أن يهتم ويعمل ويسعى بالتعاون مع كل أبناء الأمة (في حركات رسالية، وتجمعات دينية، وهيئات اجتماعية) لرصد اوضاع واحوال الأمة والسعي الحثيث والدائب للاصلاح والتغيير.
فمثل هذه المسؤوليات الجمعية هي التي تُسأل عنها الأمة معاً عندما تُدعى الى كتابها في يوم القيامة، فلا يظنَّن أحدٌ أن مصيره في الآخرة سيكون الى خير إذا أفلح في حسابه الفردي وكتابه الشخصي، بل هذا هو نصف القضية، بينما النصف الآخر هو حسابه ضمن كتاب الأمة، والمسؤوليات الجمعية.