في النفس البشرية خاصية تسمى بخاصية التعويض، يلجأ إليها الإنسان لتعويض ما يمر به من مشاكل، فالذي ينام جائعاً يحلم بالطعام أو برداناً يحلم بالدفء، وهكذا كلما استشعر النقص أو التراجع في شيء يبحث عن شيء آخر في واقعه يردم به هذا الشعور، كذلك الشعب العراقي اليوم يستعيض بإنجازات كرة القدم عن المشاكل التي يعاني منها ويحسبها نصراً وتقدماً، وهذا بنسبة لا بأس به فلست ضد الرياضة، ولكن أن يحل هذا الأمر بدلاً عن المعادلة الرئيسية فهذه مشكلة كبرى.
وهذه المشكلة تراها ماثلة حتى عند بعض الشيعة، فبدلاً من الصوم والصلاة والزكاة وما شابه فإن الشخص يقوم في يوم عاشوراء على سبيل المثال ببعض الممارسات والشعائر الحسينية ليعوض بها عن تقصيره ويشعر ضميره بالراحة.
وبلدنا اليوم يعيش جملة من المشاكل والأزمات الرئيسية غير الثانوية والتي لا يمكن التغاضي عنها أبداً وتبحث بشكل ملح عن حلول، وأهم هذه المشاكل وأبرزها تهميش مذهب التشيع مذهبنا -ونحن الأغلبية- من قوانين البلاد، وهذه المشكلة ليست وليدة اللحظة بل قديمة ومتجذرة، فالتهميش والظلم والقهر جرى على أتباع مذهب أهل البيت من قبل العثمانيين بشكل رهيب، فمن بعد الغزو التتري إلى العراق وإلى يومنا هذا ما قامت للعراق من قائمة.
⭐ بلدنا اليوم يعيش جملة من المشاكل والأزمات الرئيسية غير الثانوية والتي لا يمكن التغاضي عنها أبداً وتبحث بشكل ملح عن حلول، وأهم هذه المشاكل وأبرزها تهميش مذهب التشيع مذهبنا -ونحن الأغلبية- من قوانين البلاد
وبسبب هذا التهميش حدثت تراكمات عديدة وترتبت عليه نتائج كثيرة، وبحسب الإحصائيات بعد سقوط النظام الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه قرابة الأربعة وعشرون ألف شخص، وحصة الشيعة كانت أربعة آلاف فقط، وهذا مؤشر واضح عن تلك التراكمات.
على أي حال أنتم اليوم في هذه الحكومة أمام مسؤوليات وتحديات وبإمكانكم أن تساهموا بشكل فاعل في تغيير المعادلة وتصحيح المسار، وهذه الأمور تتلخص بالنقاط التالية:
- أولاً: العمل على تغيير قانون الأحوال الشخصية
يجب العمل على تشريع قانون الأحوال الشخصية الجعفري، فهذه أفغانستان وفي ظل حكم طالبان نجد أن قانون الأحوال الشخصية الذي يعملون به هو قانون شيعي..! نعم قانون الأحوال الشخصية على طريقة المذهب الشيعي الإثنا عشري، وهم من أجل تنفيذ هذا الأمر طلبوا عشرة من علماء الشيعة ليقوموا بتفصيل الأحكام الشرعية والأحكام القانونية في قانون الأحوال الشخصية، أما نحن وبعد عشرون عاماً من حكم الشيعة في العراق فلا يزال قانون الأحوال الشخصية ليس على نهجنا وطريقتنا..! وإنه لأمر غريب جداً وليس له أي مبرر فالجميع على مرأى من الأمر ولكن من دون سعي لتشريع هذا القانون.
- ثانياً: العمل على تغيير القوانين الجائرة التي تحكم في البلد
القوانين التي تحكم في بلدنا أكثرها قوانين ظالمة وجائرة وخاطئة، كذلك البيروقراطية المدمرة في إنجاز معاملات الناس والتي تأخذ أوقات كبيرة وجهد مضاعف ومايصاحبها من فسادٍ ماليٍ وإداري، بينما نجد الغربيين يحاولون تذليل العقبات أمام مواطنيهم وإنجاز معاملاتهم بسهولة ويسر.
فيجب العمل على تبسيط الإجراءات في دوائر الدولة المختلفة وهذا يتطلب عمل كبير ومضاعف للقضاء على هذه الظواهر السلبية أولاً ومن ثم تغيير القوانين الجائرة التي تضر بالمواطنين ولاتعود بالنفع على البلد.
وأنتم اليوم أمام مسؤولية كبيرة؛ فالملايين من البشر في العراق ينتظرون منكم تشريع القوانين الصحيحة، من أكبر قانون وحتى أصغر قانون.
- ثالثاً: قوانين وتشريعات تحتاج الى حاكمٍ شرعي
هنالك العديد من القوانين والتشريعات تحتاج الى وجود علماء الدين لأن تلك القوانين ترتبط بشكل مباشر بالدين، وهنالك العديد من البلدان تعمل على إشراك علماء الدين في تشريع مثل تلك القوانين، والدستور العراقي كفل إشراك العلماء في تشريع القوانين، لكنه معطل وغير معمول به، وحقيقةً لانعرف سبب تعطيل هذه الفقرة هل لأسبابٍ سياسية أم غير ذلك؟
فأنتم أيها النواب عليكم أن تولوا أهمية كافية لهذا الأمر وأن تشكلوا عزمةً وطنيةً دينيةً كبرى فيما بينكم، وتتفقوا على تغيير المعادلة، حيث أن بعض الأمور تحتاج الى حركة وتوكل لكي تتغير المجريات وتكون النتائج مختلفة، فلا يمكن أن تأتي الأمور صدفة وبلا مقابل وعلى طبق من ذهب، فلا يمكن لنا أن ننتظر التغيير بدون حركة وضغط.
⭐ يجب العمل على تشريع قانون الأحوال الشخصية الجعفري، فهذه أفغانستان وفي ظل حكم طالبان نجد أن قانون الأحوال الشخصية الذي يعملون به هو قانون شيعي..!
فقانون الأحوال الشخصية، وقانون القضايا الدينية والتربوية يجب أن يكون مرجعها بيد العلماء، وهذا موجود في الدستور العراقي في المادة الثانية، والذي ينص على أن كل قانون يخالف ثوابت الشريعة الإسلامية يكون ملغى، فمن الذي يقرر هذا؟ الأطباء؟ أم المهندسون؟ أم العلماء؟
- رابعاً: التربية الدينية في المدارس
والدور الآخر الذي لابد أن تعملوا على تحقيقه وعدم فسح المجال لأي جهة وأي شخص أن يتلاعب به هو التربية الدينية في المدارس، فعلى أي أساس يبادر شخص لا علاقة له بثقافتنا وديننا فيضع منهجاً في الأخلاق لأبنائنا؟ ماذا بنا نحن حتى يأتي هذا وأمثاله ليضعوا المناهج التربوية في البلد؟ هل ينقصنا علماء ومفكرين؟ أم أننا زاهدون في هذه القضية المفصلية والحساسة التي بها قوام الأمة ومنها يبدأ الانحراف عن الطريق الحق؟ هذا الدور يجب أن يكون بيد أهله وتحت إشراف المخلصين من نخبة الأمة، ولكي يكون كذلك فهو بحاجة إلى سعي وبالمقدار الذي يحقق هذه المعادلة.
- خامساً: المخدرات وانتشار المفاسد
الحكومة اليوم تتحدث عن العشوائيات وربما تجعلها قضية أساسية لكنها تغفل أو تتغافل وتتناسى الاهتمام بموضوع أكثر أهمية وهو المقاهي التي تنتشر حول المدارس وحول المراكز التربوية وحول الجامعات وما يجري فيها من أمور، والذي ينبئ عن مخاطر كبيرة في المجتمع من انتشار الجريمة والانحلال الأخلاقي.
أيها الإخوة: هناك من يجلس ويفكر ويخطط لمهاجمة العراق وتمزيق النسيج الاجتماعي في هذا البلد، فيحيكون لنا المؤامرات والأساليب المختلفة والطرق العديدة لنيل ما يريدون، وقد رأيتم ماذا حدث قبل سنتين في كربلاء من احتفال ماجن ورقص بالقرب من حرم أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فيجب وضع هذه القضية الحساسة في عين الاهتمام ومعرفة الأيادي التي تدعم هذه الخيوط في البلد وضربها وقطعها وفرض الرقابة الكافية لمنع انتشار المفاسد التي تريد هدم المجتمع وتمزيقه.
- سادساً: الجامعات
في مقدمة كتاب المنطق الإسلامي الذي كتبته قبل ما يقارب الخمسين عاماً وجهت رسالة إلى الحوزات العلمية والجامعات، إلى الأكادميين والحوزويين، وذكرت أن مشكلة الحوزات العلمية أنهم يتحدثون عن التراث والتاريخ أكثر مما يتحدثون عن الواقع، والحل أن يدخلوا الواقع بكل جدية لمعالجة مشاكله، وأما الجامعات فإنهم متأثرون بالواقع الغربي ومنبطحون أمامه بشكل كامل، فكل ما عندهم هو نوع من التقليد لما قاله الغرب، وسؤالي لهم أين أنتم من المعادلة؟ فهذه دول كبرى تخصص المليارات لمراكز الدراسات فأين مراكز دراساتنا؟ ولماذا حينما يتخرج الطالب لا يجد أمامه إلا الوظيفة كأفضل الحلول..! فلماذا لا نقوم بتأسيس مراكز للدراسات ونشجع أبنائنا ونطورهم ليكونوا أصحاب عطاء فكري يملأ العالم وهم جديرين بذلك، ولماذا كل شيء يجب أن نستورده من الخارج فلا يوجد لدينا ثقة بأنفسنا؟ الجامعات يجب أن تكون مراكز للانطلاق الحضاري في بلادنا بكل أبعاده، ويبدأ هذا الإنطلاق من مراكز الدراسات التخصصية ثم إلى ميادين الحياة بكل أنواعها، وهذا بحاجة إلى اهتمام وسعي وجهود تبذل من قبلكم، وكما يقول تعالى في كتابه الكريم {وَأَنْ لَيْسَ للإنسانِ إِلا مَا سَعَى}.