إن عصر الإمام الصادق عليه السلام، كان مليئا بالتحديات والفتن وظهور تيارات عديدة في وسط الأمة الإسلامية منها صالحة وأخرى طالحة، وبرزت شخصيات وجماعات على مسرح الأحداث ذات عقيدة فاسدة وفكر سقيم، أخذت تنهش في جسد الأمة الذي أعياه بطش وجور الحكام الطغاة من بني أمية وبعدهم بني العباس عليهم لعائن الله جميعاً.
فكان على الإمام الصادق عليه السلام، الذي هو قطب الرحى وإمام الورى، أمين الله في أرضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده، كان عليه أن يواجه كل تلك التحديات ليحافظ على شعلة الرسالة متوهجة، وأن يغذي الأمة بالعقيدة الصحيحة والفكر السليم وان يحارب البدع والضلالة ويواجه الإنحراف والجهل.
من الأساليب التي اتبعها في توجيه وتعليم الأمة و تربيتها وتثقيفها هي الجامعة العلمية الكبرى التي أسسها لتكون ملجأ لطالبي العلم والفكر ينهلون منه عذب العلوم وصافي الأفكار.
حيث كان يرتاد جامعته العلمية أكثر من أربعة آلاف طالب علم بعضهم يستقي العلوم منه بالمباشر أو من عند تلامذته الذين يروون عنه.
⭐ من الأساليب التي اتبعها الإمام الصادق في توجيه وتعليم الأمة و تربيتها وتثقيفها هي الجامعة العلمية الكبرى التي أسسها لتكون ملجأ لطالبي العلم والفكر
كما كان الإمام، عليه السلام، يبث في الأمة المبلغين والعلماء ليعملوا على تعليم الأمة وتثقيفها بالإضافة إلى تصديهم للافكار الضالة والثقافات الباطلة والعقائد الفاسدة، ومواجهة أصحابها بالاحتجاج بالأدلة والبراهين، كما كان عليه السلام، يتصدى بنفسه لذلك، حيث من العقائد الباطلة والأفكار الخاطئة التي تصدى لها الإمام بنفسه وواجهها مواجهة صريحة، هي أفكار الغلاة.
والغلو هو: الزيادة و تجاوز الحد.
والغلاة في التشييع هم الذين الذين تجاوزوا الحد مع الأئمة عليهم السلام، حيث أن بعضهم يعتقد بربويتهم وبعضهم يطلق عليهم صفات الرب!
وهذه العقيدة باطلة حيث أنهم عليهم السلام، كانوا يصرحون دائماً بأنهم عباد مربوبون قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “إيّاكم والغلوّ فينا قولوا: إنّا مربوبون واعتقدوا في فضلنا ما شئتم، نقل الشيخ الطبرسي في كتابه (الاحتجاج) عن أمير المؤمنين أنّه قال: “لا تتجاوزوا بنا العبودية ثمّ قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وإيّاكم والغلو كغلوِّ النصارى؛ فإنّي بريء من الغالين”.
فهكذا كما أن الغلو انتشر في زمن أمير المؤمنين عليه السلام، وأخذ يواجهه ويتبرأ من المغالين، فكذلك في عهد الإمام الصادق عليه السلام، فقد واجه تيار الغلاة وتبرء منهم ولعنهم وكان يحذر منهم و يفضحهم.
حيث أن أبرز الشخصيات المغالية التي كانت في زمن الإمام الصادق عليه السلام كما ذكرهم الإمام وسماهم بأسمائهم، حيث قال، عليه السلام ذات مرة وهو يفسر قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}.
فقال: هم سبعة: “المغيرة، وبيان أو بنان، وصائد، وحمزة بن عمارة البربري، والحارث الشامي، وعبدالله بن الحارث، وأبو الخطاب”.
حيث أن الإمام عليه السلام قد اتخذ ازاء هؤلاء مواقف واضحة وصريحة وقام بخطوات جدية لمواجهتم منها:
أولاً: فضحهم بأسمائهم والتعريف بهم، كما ورد في النص السابق.
وأيضاً ماورد في ذلك: قد لعن الإمام الصادق،عليه السلام، أبا الخطاب فتأول أبو الخطاب، اللعن وقال: إن الإمام يقصد قتادة بن دعامة البصري، الذي يكنى بأبي الخطاب أيضاً، فقال الإمام، عليه السلام: “والله ما عنيت إلا محمد بن مقلاص، بن أبي زينب الأجدع، البراد، عبد بني أسد، فلعنه الله، ولعن أصحابه، ولعن الشاكين فيه، ولعن من قال: إني أضمر وأبطن غيرهم”.
ثانياً: لعنهم وتبرأ منهم وصرح بكفرهم، يقول ميسرة ذكرت أبا الخطاب عند أبي عبد الله، عليه السلام، وكان متكئاً فرفع إصبعه إلى السماء، ثم قال: “على ابن الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فأشهد الله أنه كافر، فاسق، مشرك. وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب، غدواً و عشياً”.
كما روي عنه، عليه السلام قوله: “إن ممن ينتحل هذا الأمر لمن هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا”، وكما دعاهم للتوبة لأنهم فساق وكفار ومشركون، إذ قال ما نصه: “توبوا إلى الله، فإنكم فساق، كفار، مشركون”.
ثالثاً: حذّر أصحابه وشيعته منهم ومن أفكارهم فما ورد عنه عليه السلام، في كتاب الامالي للشيخ الطوسي أنه قال: “احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم، فإن الغلاة شر خلق الله، يصغرون عظمة الله، ويدعون الربوبية لعباد الله، والله إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا”.
ثم قال، عليه السلام: إلينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبنا يلحق المقصر فنقبله. فقيل له: كيف ذلك، يا بن رسول الله؟ قال: لان الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج، فلا يقدر على ترك عادته، وعلى الرجوع إلى طاعة الله عز وجل أبدا، وإن المقصر إذا عرف عمل وأطاع”.
كما ورد عنه أيضاً قوله: “يا مفضل… لا تقاعدوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم”.
رابعاً: محاربة الجهل الذي هو الأرضية الخصبة لأي فكرة منحرفة أو عقيدة فاسدة أو ثقافة باطلة، حيث انه عليه السلام كان يدعو للعلم والتعلم وما اشتهر عنه من قوله: “ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقوا في الدين”.
⭐ حذّر أصحابه وشيعته منهم ومن أفكارهم فما ورد عنه عليه السلام، في كتاب الامالي للشيخ الطوسي أنه قال: “احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم، فإن الغلاة شر خلق الله
كما أنه اخذ ينشر في الأمة العلماء والمبلغين الرساليين الذين يكونون البديل عن أصحاب الأفكار الضالة، ويبثوا في الأمة الفكر السليم والعقيدة الحقة ويقضون على الجهل بالعلم.
ونحن اليوم في زماننا هذا نرى انتشاراََ لافكار الغلاة وظهور بعض الشخصيات أو الجماعات المغالية سواء الغلو في أهل البيت عليهم السلام أو لأشخاص آخرين.
حيث ومع الأسف اتخذت تلك الأفكار طريقها لتدخل لبعض الشعائر الحسينية وخصوصاً بعض من ما يسمى بمجالس (الشور)، واجدة فيها بغيتها بسبب الجهل الذي يعيشه بعض الشباب الذين ابتعدوا عن أهداف القضية الحسينية وانشغلوا بالقشور، لذلك تركوا العلم والتثقف وراءهم، فأصبحوا أرضية خصبة لنموا الأفكار المنحرفة والعقائد الفاسدة، حيث أنهم أخذوا يصرحون وخصوصاً في القصائد التي يلطمون عليها، بعقيدتهم بربوبية الإمام علي عليه السلام وأنه هو الخالق وهو الرازق وما أشبه من صفات الرب جل وعلا التي صاروا يطلقونها على أهل البيت عليهم السلام.
لذلك وقع بعض الشباب ضحية لأصحاب تلك الأفكار وصاروا يستخفون بصلاتهم وعبادتهم لله عز وجل.
أما الغلو بالنسبة للأشخاص فإنه نرى العديد من الجماعات تغالي في حب بعض الأشخاص الذين قد يكونون علماء أو قيادات، فيقدسونهم، ويعتقدون بأنهم الأفضل والاكمل ولم يأتي أحسن منهم لا قبلهم ولا بعدهم ويطيعونهم طاعة عمياء!
أو أن البعض يعتقد بإمامة وعصمة بعض الأشخاص الذين هم ليسوا من الأئمة المعصومين، أو يعتقدون أن فلاناً هو الإمام المنتظر عجل الله فرجه، أو ابن الإمام أو سفير الإمام وما أشبه، إن ذلك كله غلو وقد حذر منه الأئمة، قال الإمام الصادق، عليه السلام: “إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال”.
فلابد لنا اليوم ونحن ننتسب للإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، ونتسمى بأسمه، أن نقتدي به في مواجهة أصحاب تلك الأفكار والعقائد، ونتبرأ منهم ونرفضهم، ونعمل على تثقيف الأمة وخصوصاً الشباب وتعليمهم على العقائد الحقة والأفكار الصحيحة، ونحافظ على الشعائر الحسينية من تسرب الأفكار المنحرفة لها كالغلو والتصوف والدروشة وما أشبه، ونبقيها ـ الشعائر الحسينية ـ مصادر للعلم والثقافة كما كانت ووسيلة للوصول إلى أهداف النهضة الحسينية المشرقة.