- مقدمة نفسية
الباحث في الشأن الإنساني يعرف أن الإنسان مركَّب من جزأين أساسيين، هما: الجزء الناسوتي الأرضي، وهو ما نسميه الجسد، أو الجسم، والجزء الملكوتي السماوي وهو ما نسميه الروح، الناتج من النفخة الإلهية، أو النفحة الرحمانية في الإنسان.
والإنسان جوهره ذاك الجزء الملكوتي الروحي، وأما الجسد والجسم فهو آلة الروح، لأن العمل من الجسم فهو الذي يمتلك مجموعة الأحاسيس التي تربطه بالعالم الخارجي، وهي النوافذ الخمسة للإحساس (العين، والأذن، والأنف، واللسان، والجلد)، وهذه النوافذ تُفتح على القلب، وتترجم رسائلها في العقل، وهذا ما نطلق عليه النفس الإنسانية.
والنفس هي التي تترجم السعادة، والشقاء في البشر، ولذا لا يمكن أن يسعد الإنسان وروحه شريرة وتتعذَّب، نعم قد يتلذذ ويستمتع ببعض الملذات والمتع المادية الآنية ولكنه ما أن تنتهي لحظتها حتى يعود لشقائه، وأول الشقاء هو تحمله لسياط ضميره ووجدانه الذي يجلده على كل ذنب يرتكبه، وعلى كل معصية يقوم بها، فهو في شقاء لا نهاية له.
⭐ الإنسان الذي يعيش السعادة الروحية، والتوازن النفسي، والراحة في الوجدان والضمير فهذه هي السعادة الحقيقية التي يبحث عنها البشر
وأما الإنسان الذي يعيش السعادة الروحية، والتوازن النفسي، والراحة في الوجدان والضمير فهذه هي السعادة الحقيقية التي يبحث عنها البشر في الأشياء المادية والخارجية فلا يجدونها ولا يحصلون عليها، وقد يكون صاحبها لا يملك شيأ من حطام الدنيا ولكنه يملك نفساً غنية، وروحاً قوية، وقلباً طاهراً نقياً، فتراه من أسعد السُّعداء في حياته البسيطة.
- الهدى هي المفتاح الخامس للسعادة
الهدى هي اتِّباع أمر الله، ومعصية النفس الأمارة بالسوء، لأن الهداية هي الغاية من نزول القرآن الحكيم، وبعثة الرسول الكريم، صلى الله عليه وآله، وكل الأنبياء والمرسلين، وذلك واضح في قوله ـ تعالى ـ منذ أن أهبطنا إلى هذه الدنيا مع أبينا آدم، حيث قال: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}. (طه: 123).
فالأمر واضح وضوح الشمس في رائعة النهار، شرط ومشروط، فمَنْ يتَّبع ما أمر الله تعالى به، وينتهي عمَّا نهى عنه، فإنه لا يضل طريقه، ولا يشقى في حياته، وهذا هو المعنى الدقيق للهداية القرآنية، التي بيَّنتها الآيات الأولى من سورة البقرة المباركة حيث يقول سبحانه: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}. (البقرة: 2).
فمفتاح الهداية متصل بمفتاح التقوى الذي تقدَّم الحديث عنه، لأن ترجمة الهداية الربانية يكون في العمل بكل أوامر الله، في الفعل (الواجبات)، والترك (المحرمات)، فيتقي الإنسان من الوقوع في الحظورات، وحتى الشبهات، فيجعل نفسه في حماية ودرع ووقاية.
⭐ السعادة هي رضا النفس بعطاء الله، ولذة الجسد بذلك العطاء، فهي حالة تجمع بين نعيم الروح، وسكون القلب، ولذة الجسد، ومتعة النفس
واعلم – أيها الشاب المؤمن- أن الهداية من الله تعالى، وقد هداك وحباك ووهبك إياها ولكن ترجمة هذه الهداية، وتثبيتها يكون منك في العقائد المحقة التي يجب أن تعمل جاهداً لتكون راسخة في قلبك، وقوية في عقلك، وفي العمل بأوامر الشَّرع الحنيف، والتخلُّق بأخلاق القرآن الحكيم، وعندها ستكون تقياً نقياً، وتعيش حياتك هانأً وسعيداً بإذن الله تعالى، وستغلق على نفسك وحياتك أبواب الشقاء كلها التي يمكن أن تفتحها المعاصي والذنوب أمامك.
فالهداية هي باب السعادة الذي يوصلك إلى السعادة الأبدية في جنان الخلد.
- الخوف من الله المفتاح السادس
وهذا المفتاح يجب أن ننظر إليه من منظار مختلف – أيها العزيز – هو منظار العبودية والخوف من العذاب الأليم في دركات نار الجحيم، كما بيَّنها أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، بقوله الشهير: “مَا عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ، وَلاَ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ، لَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك”، فالبشر من الصنفين الأول والثاني، الخوف من النار والطمع بالجنة.
وهذه الحالة قد لخَّصتها الآيات الكريمة في سورة الأعلى حيث قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا}. (الأعلى: 9-13).
وهذه الآيات الكريمة التي تصف ذاك الشقي، بل الأشقى، الذي كان يملك من الأموال والأولاد والعز والجاه والقوة وهو الذي تمنَّى رجال قريش أن ينزل عليه القرآن ويكون نبياً من القريتين عظيم، وهو الوليد بن المغيرة، والقرآن يصفه بأنه الأشقى رغم كل ما لديه من مال وجاه وعشيرة وأولاد.
السعادة ليست بكل ما في الدنيا من أشياء دنيوية لا معنى لها ولا حساب في ميزان وحساب السماء والحياة الأخروية، فالشقاء الحقيقي هو أن تعيش حياتك كالبهيمة بعيداً عن الله وعن الحياة الروحية التي أمر الله بها، من طاعات وعبادات وتعيش حالة الخوف من الله العظيم، وجبار السماوات والأرض، المهيمن على كل الوجود وما أنت إلا ذرة في هذه الصحراء الواسعة، وأرضك هذه لا تكون إلا كذرة في المجرة (درب التبانة)، وهي كذلك لا تكون إلا كذرة في السديم، الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
- الإنسان بين الخوف والرجاء
والحقيقة والآيات والروايات تؤكد جميعها على أن الإنسان يجب أن يعيش بين حالتين بتوازن تام، وهما الخوف والرجاء، والخشية والأمل، فيخاف العظيم، ويرجو الكريم، ويخشى النار، ويأمل الجنة، وهذا يجعله يعيش حياته في توازن مستمر فلا ييأس من روح الله، ولا يقنط من عطائه، لأنه يعلم علم اليقين أن الله تعالى خلقه ليرحمه ويُكرمه وليس ليهينه ويعذبه، والإمام الصادق، عليه السلام، يقول: {مَنْ خَافَ اَللَّهَ أَخَافَ اَللَّهُ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اَللَّهَ أَخَافَهُ اَللَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، فالخوف من الله وحده والخشية من غضبه وسخطه.
⭐ الخوف والخشية من الله تعين اللسان والقلب على الذكر، والعقل على الفكر فلا يشقى الإنسان أبداً، وأما الغفلة عن الله فإنها تشغل القلب بالدنيا عن الذِّكر
الخوف والخشية من الله تعين اللسان والقلب على الذكر، والعقل على الفكر فلا يشقى الإنسان أبداً، وأما الغفلة عن الله فإنها تشغل القلب بالدنيا عن الذِّكر، والعقل بالتجربة والمادة عمَّا ورائها، وهذا من أكبر مُوجبات الشقاء، لأن الدنيا تكون كل همَّه ومبلغ علمه، ولذا جاء في الدعاء: “اَللَّهُمَّ أَمْتِعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا وَاِجْعَلْهُ اَلْوَارِثَ مِنَّا وَاِجْعَلْ ثَارَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَاُنْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا وَلاَ تَجْعَلِ اَلدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا”.
السعادة هي أن تعيش في الحياة ليس من أجل الحياة فقط، بل من أجل أن تحصل على الجنة في الدار الآخرة، والخلود بالنعيم في الحياة الأبدية، والشقاء الحقيقي هو أن تعيش في الدنيا للدنيا فتخسر الدنيا لأنك لن تسعد فيها بل ستكون عليك شقاء دائماً، وتخسر الآخرة لأنك ستخلد في العذاب المهين في دركة من دركات الجحيم فيكون الشقاء الأبدي عليك.
- مفاتيح السعادة
واعلم أن السعادة هي رضا النفس بعطاء الله، ولذة الجسد بذلك العطاء، فهي حالة تجمع بين نعيم الروح، وسكون القلب، ولذة الجسد، ومتعة النفس، والسعادة في الحقيقة هي أن يعيش الإنسان حالة الرضا عن الخالق، والسعي لمرضاته، لأن برضا الله تتحقق السعادة في الدارين، ويُغلق أبواب الشقاء على المؤمنين، فابحثوا – أيها الشباب- عن مواطن رضا الله ليسعدكم، ولا تبحثوا عن رضا الناس لأنها غاية لا تدرك، وشقاء لا ينتهي.
- ملاحظة ورجاء
وقبل أن أغادر الأحبة ونغلق القلم في هذا الباب الجميل والحديث عن السعادة ومفاتيحها كما في آيات القرآن الكريم، وما يقابلها من أبواب الشقاء في هذه الحياة، سابوح لكم سبب اختياري لهذا الموضوع – رغم جماليته وضرورته للشباب المؤمن – إلا أن هناك أمر آخر لاحظته في هذه الأيام حيث الحضارة الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعية، والتي صارت سوقاً للكذب والدجل دون خوف أو حتى حياء، وخاصة على عظيم الإنسانية وحكيمها أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، عليه آلاف التحية والسلام.
فكل مَنْ يكتب كلمات ويريد أن ينشرها بسرعة، وانتشار النار في الهشيم، وهو يعلم أنها لن تكون مقبولة إلا بنطاق ضيق جداً ومحدود، ولذا يكتب في مقدمتها، أو ذيلها: عن علي بن أبي طالب، فتجد كل الأحباب لا سيما الشباب يتناولونها ويتراسلون بها وكأنها فعلاً للإمام علي، عليه السلام، وهي ليس فيها كلمة واحدة للإمام علي، للأسف الشديد.
فكما هي قواعد السعادة الخمسة، أو السبعة، أو غير ذلك وكلها تُنسب كذباً وزوراً وبهتاناً لأمير الكلام، وفارس البيان الذي كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقن وهو يقول لك أن هذا الكلام ليس من نوع ولا بلاغة أمير البلاغة وسيدها أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام.
والذي أطلبه من جميع الأخوة لا سيما الشباب الأحباب عندما تصلكم أي كلمة، أو حكمة، أو أي شيء عن أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، ابحثوا عنها في المصادر الموثوقة قبل أن تنشروها، ودققوا فيها، قبل أن تتناقلوها فيما بينكم لا سيما على المجموعات المختلفة التي قد تصل إلى الملايين وهي لا أصل لها في كلمات سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، عليه السلام، علماً أن كلامه مميَّز ففيه مسحة تخبرك أن هذا الكلام من أمير البلاغة والكلام. أسعدكم الله في الدارين وأغلق عليكم أبواب الشقاء يا مؤمنين.. إله الحق آمين.