تعني الدناءة صعوبة سيطرة الإنسان على نفسه، وعلى رغباته، وعدم قدرته على إدارة شهواته ورغباته في الحدود المشروعة شرعا وقانونا وعُرفا، فالشخص الدنيء هو الذي لا حدود عنده في الطلبات، ولا احترام عنده لحدود الآخر، ولا يلتزم بأحكام الدين، ولا أحكام القانون الوضعي ولا أحكام أو أعراف المجتمع الذي يعيش فيه.
السبب في حصول الفعل الدنيء من أي نوع كان، يعود إلى قلة أو انعدام إيمان الإنسان، وضعف التزامه الديني والشرعي، وعدم إيلائه أي نوع من الاحترام لأعراف المجتمع الذي يعيش فيه، ولا يهمه الالتزام بحقوق الآخرين الذين يتقاسمون معه السكن والحركة والرزق.
قد يحاول بعض الناس الإفلات من قبضة الدناءة، فيتقرّب إلى الدين، ويحاول أن يردع نفسه عن التجاوز على حقوق غيره، وقد ينجح في مسعاه هذا إلى حدّ ما، وربما يفشل، لكن هناك أناس يحاولون منع نفوسهم من ارتكاب الفعل أو القول الدنيء، فالدناءة يمكن أن تكون عملية فعلية، وقد تكون لفظية، وكلاهما غير صحيح وغير مرغوب به، لأنه يسيء لشخصية الإنسان ومكانته في المجتمع أو في أي مكان ينشط ويتواجد فيه.
⭐ في شهر رمضان الكريم يكون منسوب التغلّب على الدناءة عاليا، وفرصة الفوز عليها كبيرة، فهذا الشهر بأجوائه الإيمانية وتفوق روح الخير على روح الشر
هذا السعي وهذه المحاولات التي يبذلها الإنسان للتخلص من الدناءة، شيء جيد، ويصب في الطريق الصواب، ولكن ليس كل من حاول الفوز على الدناءة حقق ما يريد، فهنالك كثيرون يواجهون صعوبة كبيرة في خوض المعركة ضد نفسه، وهنا نقصد النفس الأمارة بالسوء، وهي غالبا تكون نفس دنيئة لا حدود عندها في التعامل مع الآخرين، وما يهمها تحقيق رغباتها وشهواتها وأهواءها.
في شهر رمضان الكريم يكون منسوب التغلّب على الدناءة عاليا، وفرصة الفوز عليها كبيرة، فهذا الشهر بأجوائه الإيمانية وتفوق روح الخير على روح الشر، وميل الناس جميعا إلى السلامة النفسية، والابتعاد عن ارتكاب الذنوب، كل هذه العناصر تساعد على ردع دناءة النفس والتغلّب عليها، بسبب قلة فرص الحرام في شهر رمضان.
هنا يتوجّب على الإنسان الذكي أن يستثمر الفرص المتاحة له في الفوز على النفس والدناءة، فالذكاء ليس حكرا على التقدم في فرص العمل والربح وما شابه، ولا حكرا على تطوير الإنسان لنفسه في الجوانب العلمية أو سواها، بل ذكاء الإنسان من الأفضل أن يستخدم في تقويم نفس الإنسان.
والذكي هو الذي يستثمر فرصة شهر رمضان، وأجوائه المتميزة، وشحنات الإيمان التي تتدفق في ربوعه، لكي يقاوم نفسه، ويقوِّمها في نفس الوقت، وشهر رمضان يعطي للإنسان الراغب في تحقيق هذا الهدف دعما كبيرا، وتكون أجواء هذا الشهر مناسبة جدا لتقويم نفس الإنسان، وترويضها، وتدريبها على الكفّ عن الأفعال والألفاظ الدنيئة.
في هذا الشهر الكريم مطلوب من الإنسان أن يبادر للقيام بعملين كي يتخلص من الدناءة وهما:
الأول: هو اتخاذ القرار الحقيقي لمواجهة نفسه بشكل حقيقي وفعّال وإرادة صادقة، ويجب أن يتخذ هذا القرار في الوقت المناسب ويلتزم به.
الثاني: أن يسعى بجدية تامة لتحقيق هدفه هذا، محاولا ومستثمرا لجميع الفرص المتاحة له، لاسيما شهر رمضان كونه الوقت الذي تتضاعف فيه فرص تقويم النفس وترويضها.
فإذا اتخذ الإنسان قرارا صادقا (بينه وبين نفسه) حول تدريب نفسه على احترام الحدود والأحكام والحقوق التي يجب عليه احترامها، فهذا القرار (الصادق) سوف يكون نقطة البداية الصحيحة والحقيقية، للانتصار على الدناءة وارتكاب التجاوزات على حدود الآخرين.
⭐ الذكي هو الذي يستثمر فرصة شهر رمضان، وأجوائه المتميزة، وشحنات الإيمان التي تتدفق في ربوعه، لكي يقاوم نفسه، ويقوِّمها في نفس الوقت
وبعد اتخاذ هذا القرار الذاتي (بين الإنسان وذاته)، على أن يكون صادقا حقيقيا وليس شكليا، حينئذ سوف يشعر الإنسان نفسه، بأن أنسب الأوقات لترويض نفسه وتعليمها على الخير واحترام حدود الحلال، هو شهر الله الكريم، شهر رمضان الذي تتضاعف فيه فرص العفو والرحمة الإلهية على البشر.
بعضهم يسأل هل هناك مرحلة عمرية محددة لتدريب النفس على نبذ الدناءة؟، والجواب لا توجد مرحلة محددة من عمر الإنسان، فالتوبة والتقويم النفسي مطلوب للإنسان ومهم له في كل لحظة من لحظات عمره، أما إذا تمكن الإنسان من تحقيق السيطرة على نفسه في مرحلة شبابه، فهذا الفعل يشكل نجاحا كبيرا للشاب. ولهذا يرى العارفون ببواطن النفوس والأمور من علماء أجلّاء وخطباء وغيرهم، بأن الشاب الذي يتمكن من نفسه، ويروضها، ويمنعها عن ارتكاب الدناءة الفعلية واللفظية، له ميزة كبيرة على الآخرين، لهذا من الألطف والأفضل للشباب اللجوء إلى شهر رمضان والاستفادة منه بأقصى الدرجات لتقويم النفوس وتشذيبها من دناءة الرغبات والشهوات خارج الشرع.